تارودانت تفقد أحد روادها في مجال التربية والأدب، المناضل النقابي والسياسي والجمعوي محمد بن عبد السلام

رأى الفقيد المرحوم الأستاذ محمد بن عبد السلام الملقب بمرشد سنة 1938، النور بدوار اولاد محمد بقبيلة هوارة التابعة الآن لبلدية الكردان بتارودانت، وكأقرانه بدأ تعليمه الأولي في مسجد الدوار عند شيخه الأول محمد عبد الكريم، وكما انتقل بنفس الرغبة إلى عدة دواوير بقبيلة هوارة لإتمام حفظ القرآن الكريم ولعل هذا السر والارتباط بكلام الله عز وجل هو الذي جعل المرحوم يحرص كل الحرص على أن يكون من المواظبين على قراءة القرآن الجماعية للحزب الراتب اليومي في المساء وفي الصباح في مسجد حيه أو في غيره.
وفي سنة 1954 التحق بالمدرسة العتيقة بتزمورت ب»كطيوة» وفيها تلقى مبادئ اللغة العربية وبعض الفقهيات ومتونها، وبمجرد استقلال المغرب حيث أنشئ المعهد الإسلامي محمد الخامس بتارودانت فالتحق به سنة 1956 وقضى به سنتين دراسيتين، ليلتحق بوظيفة التدريس كعريف مؤقت لمدة سنة دراسية، ثم ولج مدرسة المعلمين الإمام الغزالي بأكادير اكتوبر1959 وكما أتم السنة بمدينة مراكش بعد الزلزال، وفي أكتوبر سنة 1960 ، تيسر للمرحوم أن يلتحق معلما بتارودانت، وفي سنة 1963 ثم معلما منتدبا بثانوية ابن سليمان الروداني، ومستمرا في نفس الوقت بمتابعة واستكمال دراسته الجامعية بمراكش بكلية اللغة، وبثانوية ابن سليمان بتارودانت بقي مدرسا إلى أن عين بها ناظرا لمدة سنتين وليكلف بمهمة التفتيش التربوي في مادة اللغة العربية منذ سنة 1984 إلى أن أحيل على المعاش سنة 1998 .
كما كان للمرحوم ميزة فريدة تتمثل في حبه وولعه ورغبته القوية في العمل التطوعي لخدمة المجتمع فانصهر بكل تلقائية وعفوية للاشتراك في مختلف الأنشطة المرتبطة بالجمعيات والمنظمات والهيئات التي تشتغل في المجال الثقافي والاجتماعي، وليكون المرحوم من أوائل المؤسسين للحركة الثقافية والاجتماعية بمدينة تارودانت في مطلع الستينيات من القرن الماضي في مجال المسرح والرياضة والثقافة والسياسة والنقابة، فقد كان رحمه الله مناضلا نقابيا صلدا، تحمل مسؤولية تدبير المكتب النقابي المحلي بتارودانت من سنة 1960، وقام بدور فعال في تأسيس النقابة الوطنية للتعليم على المستوى الوطني والإقليمي سنة 1966 ، كما كانت له مشاركة كبيرة في تأسيس الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، وظل يتحمل مسؤولية التسيير لأكثر من 20 سنة دونما كلل أو ملل، وساهم في تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي لكونه رضع من ثدي الحركة التقدمية منذ انطلاقها سنة 1959، وتحمل مسؤولية الأمانة في مكتب الحزب بتارودانت ونواحيها ومناطق هوارة وسوس عامة، ولقد كان من الذين أدوا ضريبة النضال والأذى ومن المستهدفين في تلك الفترة والتي نال فيها ما نال من تخويف وترهيب واعتداء وتنكيل وغير ذلك من أساليب القمع والاضطهاد والذي كان سائدا في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات… من القرن الماضي.
ومن الصفات التي يتصف بها شاعرنا ورفيق دربنا وفقيدنا النقابي والسياسي ما يلي:
1 ـ الفكاهة والضحك: والضحك عنده ليس للاستهتار أو الميوعة او الاحتقار، وإنما الضحك عنده يستعمله لإزالة القيود الآلية المفروضة على حياتنا، فهو يستهجن القمع، يستصغر القيود، يستحقر المتحكمين، يستهزأ من المفسدين، كل ذلك من طريق الضحك منهم شعرا، أو نثرا، أو حكمة، أو مثلا ،أو نكتة، بل إن الضحك عند الفقيد الأستاذ محمد مرشد هو نوع من القوة، كما يقول علماء النفس، فبالضحك اجتاز كل المعارك الضارية مع الخصوم السياسيين والطبقيين، وبالضحك يتناول منهجيته مع تلاميذته وأساتذته الذين يؤطرهم أو يعلمهم، إنه كائن محبوب ينتظره أصحاب حلقات الشعر أو أصحاب الندوات لينسم الجو بنسمات الضحك، إنه ضحك فاعل مجدي ومفيد، يوصل بواسطته الفكرة ويخلق به جو المرح والفرح والمتعة الثقافية الإنسانية.
2 ـ التدبير الديموقراطي في الفعل التربوي والنقابي: فقيدنا لم يكن متجبرا أو متسلطا برأيه أو فكره، بل كان رجلا ديموقراطيا في أبرز وأفضل معاني الديموقراطية، والديموقراطية لا يراها فقيدنا في نظام الحكم ولا في التنظيمات القانونية، ولكن الديموقراطية عنده هي أسلوب حياة فتراه ديموقراطيا مع أستاذه أو تلميذه ،أو مؤطره، وتراه ديموقراطيا مع المنخرطين حزبيا أو نقابيا، وتراه ديموقراطيا في الشارع العام مع كافة أطياف الناس، وأستاذنا الكريم يرسخ قبل هذا وذاك هاته القيمة عبر المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات الحزبية أو النقابية أو الجمعوية، إنه أصيل أصولي في معتقده، اشتراكي اجتماعي في فكره ورؤاه، إنسان رحيم بالفئات الاجتماعية الهشة، يرى أن حل معضلاتنا ومشاكلنا لا يمكن إلا أن تكون بالتدبير الديموقراطي في الفعل التربوي أو السياسي أو الجمعوي.
3 ـ الحركية والنشاط الدائب: المرحوم المناضل كان غاية في النشاط وغاية في الحركة، تجده في كل ناد وتنظيم وفي كل المعارك والساحات النضالية والحقوقية، إنه كان رجلا حيويا له نشاط حر وواع خدمة لفئته ومهنته وحزبه ونقابته، فقد كان فقيدنا يمثل النشاط الإنساني في أسمى صوره وبالتالي يمثل الحياة في أزهى حللها ويجسد لنا هذا النشاط ببعديه العقلي والجسدي كما صوره ارسطو، فهو يعمل بقوة جسدية كما يعمل عبيد أثينا لكن دون أن يكون مستعبدا وفي نفس الآن يعمل فكريا، وعقليا ،وإبداعيا ، ومكرسا البحث عن السبل والحقائق الكفيلة بتدليل الصعوبات التربوية والاجتماعية، وبذلك يجمع بين استمتاع العبد الأرسطي بالعمل، واستمتاع المفكر والمبدع الأرسطي بالتفكير الحر.
فالفقيد هو والدنا وأبونا بالفكر وبالعقل وبالنشاط الحر ونحن نستحضر ذلك لأنه نموذجنا وقدوتنا، وليس عيبا أن نقتدي بأساتذتنا وشيوخنا ومربينا، لأن الأصل هي أن العلاقة بين فقيدنا الشيخ سيدي محمد مرشد، وبين طلابه وأساتذته ورفاقه هي علاقة روحية متينة تفوق في قوة أواصرها علاقة الأب بولده، لأن الأب يتسبب في الوجود المادي للابن والذي يشارك فيه كل الأحياء، وأما الشيخ أو المربي فيسبب في الوجود الروحي والمعنوي الذي ارتبطت به قيمة الإنسان وأهميته وكما يقال الولادة الروحية بالنسبة للإنسان أهم بكثير من الولادة المادية، ولذا قيل سابقا:
أبو الإفادة مقدم على ++++أبي الولادة كما قد نقلا
لقد كانت علاقتنا بشيخنا وفقيدنا وأستاذنا محمد مرشد على امتداد تاريخه العلمي والأدبي والسياسي علاقة متينة وصلبة نجد فيها:
1 ـ اتباعه والسير على نهجه والإقتداء به سلوكا وفكرا وتربية.
2 ـ التنويه والإشادة بشعره وفكره ونضاله وأخلاقه.
هذا كله يجعلنا كي ندافع عنه حيا وميتا، لأنه رسم لنا طريق فيها الصدق والاحلاص والتقوى وحب الفقراء، وتقدير رجال التربية والتعليم، وهذا ما يفرض على المسؤولين بمدينة تارودانت والغيورين من طلبته ومؤطريه وأصدقائه ومعارفه، تخصيص أيام للتعريف بمآثره ومناقبه، ولم لا إطلاق اسمه على مؤسسة تربوية أو على معلمة أو على مرفق من المرافق الثقافية والفنية، اعترافا باسهامه في تنشيط الحركة الثقافية والفنية بتارودانت لعقود وعقود، فهل وصلت الرسالة؟


الكاتب : محمد طمطم

  

بتاريخ : 06/01/2021