مجلس مدينة الدارالبيضاء يغرق التوجيهات الملكية.. في الفيضانات ! 

فيما ستنفع هذه الخرجات التفقدية التي يقوم بها رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء للمواقع التي نُكِبت، ولمحطات تجميع المياه بعد هذه النكبة التي أغرقت المدينة؟
هذه الخرجة سبقتها خرجة أخرى غير موفقة عبر الشاشة، إذ عوض تحمل المسؤولية الأخلاقية والتدبيرية والسياسية، لم يجد من مهرب سوى مواجهة الناخبين بالقول التالي: من تضرر فما عليه إلا أن يتوجه للقضاء.
ألا يدخل ذلك في خانة التحريض على شركة موكول له مهمة مراقبتها ، وتتبع أشغالها والقانون منحه كل آليات ذلك من خلال اللجنة الدائمة للتتبع؟
أين هي نتائج هذه اللجنة؟ وأين العقوبات التي سطرها العمدة ضد الشركة قبل الكارثة؟ فاللجنة لم تجتمع منذ شهور وكان من المفروض أن تكون قد صاغت قبل ذلك إجراءات مراجعة العقدة مع ليدك.
ما الذي منع العمدة من ممارسة هذه الصلاحية المخولة لديه بكل أريحية؟ كل المعطيات التي بين أيدينا تفيد بأن جماعة الدارالبيضاء غارقة في ديون سترهن خزينتها لعقود قادمة، ومن بين هذه الديون أموال بالملايير تعود للشركة التي لم يستطع أن يراجع العقد معها. فهل قام العمدة ونوابه بواجبهم؟ هل قامت اللجنة الدائمة بمهمتها؟
كل خرجات المسؤولين بالجماعة تقول بأنهم راسلوا قبل أشهر شركة ليدك لكنس البالوعات (القواديس). فهل تفقد العمدة ونوابه ذلك بخطوات عملية على أرض الواقع؟
نعم، إن ليدك مسؤولة لكن المسؤولية الأكبر تقف عند باب العمدة ، وهنا وجب التذكير بأن آخر مراجعة كانت في سنة 2009 والمفروض ان المراجعة التي تليها أن تتم في 2015، إلى حدود الآن لم تتم هذه المراجعة فمن يتحمل مسؤولية خر ق القانون في هذا الباب؟
منطق المظلومية الشبيه بالجسد الراكع أمام فقيه الرقية الشرعية في بناء مدينة ، يفرض علينا أن نحسب عدد السفريات التي قام بها العمدة إلى الخارج وعدد المهمات التي وقف عليها لنقارن على من تقع المسؤولية؟
صندوق أشغال شركة ليدك الذي تتحكم فيه الجماعة، وهذا الصندوق منه ترسم برامج البنى التحتية لقنوات الصرف وقنوات مد المياه، لن يقوى أي مسؤول جماعي اليوم أن يعطينا ما هي محصلته؟ هل يتوفر على موارد مالية، أم هو فارغ؟ وإذا كان فارغا، فمن أفرغه؟ ولأي سبب؟ وإن كانت فيه الأموال لماذا لم تستثمر لاتقاء الفيضان؟
المؤشرات تدل بأنه فارغ ، في الحقيقة هذه هي الأمور التي كان على العمدة ان يأتي ليقدمها، وبكل مسؤولية وشفافية، ومعها تفاصيل دفتر تحملات كما تنص عليها العقدة مع الشركة.
هذه هي الشفافية المثلى، أما محاولة الهروب من المسؤولية، فهذا لن يجدي ولن تنطلي على أحد.
إن هذا المجلس ليس له مثيل في التنازل عن اختصاصاته، فقد تنازل عن جميع اختصاصاته لشركات التنمية وغيرها، وذلك ربما للوصول إلى مثل هذا الجواب اليوم، أي التملص من تحمل المسؤولية، ومن اانعدام الكفاءة، وهما أمران يستوجبان إعلان الفشل في تدبير شؤون المدينة ، رغم الهدايا التي صادفها المجلس منها خطاب الملك أمام البرلمان في 2013 الذي رسم لمدينة ستدخل عالم العواصم العالمية، وتخصيص 3300 مليار للبرنامج التنموي للدارالبيضاء، لجعلها عاصمة للمال والأعمال بمشاريع مهيكلة كبيرة ستكون معظم رسومها في رفوف الخزينة المالية للجماعة، بل إن الدولة تدخلت لضمان قرض مالي من البنك الدولي لفائدة الجماعة بمقدار 200 مليار سنتيم لتكون الجماعة في عصب المساهمين في هذا البرنامج، لنجد في الحصيلة أن الجماعة لم تتمكن حتى من بناء مرحاض عمومي واحد، بل إنها ستترك وراءها ديونا كبرى منها 5 ملايير لفائدة موظفيها و800 مليار كباقي استخلاصه. فأي فشل بعد كل هذا ، وفي الأخير تكافئنا بالتملص من المسؤولية؟ !
هنا لا بد من التذكير بكرونولوجيا الإقلاع بالدارالبيضاء نحو عالم عواصم العالم، ذلك أنه بعد الفيضانات التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء في سنة 2011، وبعد العديد أيضا من التعثرات التي رافقت تسيير المنتخبين لمدينة الدار البيضاء، شعرت الدولة بأن المدينة تئن تحت وطأة وضعية مزرية لن تواكب الطموحات الواعدة للسلطات العليا في البلاد ، وقد ظهر ذلك حين أفرد جلالة الملك في خطاب أمام نواب الأمة سنة 2013 جزءا كبيرا من هذا خطابه لمدينة الدار البيضاء، وهو الحدث الذي اعتبر سابقة خاصة أن جلالة الملك تحدث عن معضلة التسيير في هذه المدينة، مشخصا أوضاعها والنقائص التي تجتر في سفينة مشاكلها، وقال الملك: «فإضافة إلى ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، فإن من أهم الأسباب، أسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة، التي تعاقيت على تسييرها والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم، وبكلمة واحدة فالمشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة «في ذات الخطاب سيركز الملك على معضلة التطهير بالعاصمة الاقتصادية، وكأنه يتحدث عما تعيشه المدينة اليوم بعد مرور8 سنوات ، يقول الملك «.. وخير مثال على ذلك، مايعرفه مجال التطهير من خصاص كبير ، بحيث تظل المنحزات محدودة وأقل بكثير من حاجيات السكان.. « بل سيذهب الخطاب الملكي إلى التناقضات الصارخة التي تهيم فيها المدينة، عندما قال : «فالدارالبيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها..» ، وتساءل خطاب الملك « هل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي»، وخلص الملك بعد أن رسم طموح المدينة في أن تصبح عاصمة للمال والأعمال إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية حينما قال «إن هذا الوضع المعقد يتطلب تشخيصا عاجلا ، يحدد أسباب الداء وسبل الدواء ، ذلك أن تقدم المدن لا يقاس فقط بعلو أبراجها وفساحة شوارعها، وإنما يكمن بالأساس في توفير بنيتها التحتية ومرافقها العمومية وجودة نمط العيش»، ودعا الملك الأحزاب إلى ضرورة العمل على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، أمام ما تشهده العديد من المدن الكبرى والمتوسطة والمراكز القروية من اختلالات.
بعد هذا الخطاب سيتم المرور إلى الأجرأة العملية والفعلية الممهدة لجعل الدارالبيضاء عاصمة للمال والأعمال، تضاهي باقي العواصم العالمية وتكون نقطة جذب للاستثمارات الدولية، ويشع الدور الذي أريد لها في محيطها الإقليمي والدولي، هكذا تم تعيين والي جديد على رأس المدينة له خبرة أكاديمية في مجال التدبير، وكانت مهمته هو وضع تصور شامل للبرنامج الذي رسمته أعلى سلطة في البلاد والذي يهدف إلى السمو بالمدينة إلى مصاف المدن المهمة في العالم ، وبالفعل قام الوالي بلقاءات مع الأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين والجمعيات النشيطة والمقاولات الكبرى والحرفيين والمهندسين المعماريين والمنتخبين وكل الفاعلين والأطراف المتدخلة.
وقد أسهمت عصارة هذه اللقاءات والاجتماعات والمجهودات، التي استغرقت أكثر من سنة ونصف، في وضع البرنامج التنموي 2015/2020، الذي سطرت فيه مشاريع وبرامج كبرى ، وهو البرنامج الذي وقع أمام الملك في سنة 2014، وتضمن مشاريع مشرقة، منها تشييد مسرح كبير وبناء محطات لتجميع مياه الأمطار والصرف الصحي لمواجهة الفيضانات وتأهيل الحدائق المنهوكة حديقة الجامعة العربية وحديقة الحيوان عين السبع وتحديث النقل الحضري، وتشييد قناطر وإعادة تأهيل الأحياء التي تعاني الهشاشة والتهميش كالمكانسة والهراويين وغيرها، والأهم هو أن الدولة سترصد لكل هذا 3300 مليار سنتيم، وهو اعتماد مالي ضخم، بل إن الدولة لم تتوقف هاهنا. بل اضطرت إلى التدخل لضمان قرض مالي من البنك الدولي بقيمة 200 مليار سنتيم لفائدة جماعة الدارالبيضاء، لتسهم في تنفيذ البرنامج، وهو ثاني قرض تمنحه هذه المؤسسة المالية لفائدة جماعة ترابية. كما تم إحداث عدة آليات لتنفيذ ما تم تسطيره، وتبقى أهم آلية هي شركات التنمية المحلية، فضلا عن ذلك جعلت الدولة الجماعة الترابية عصب البرنامج من خلال إسهامها بنسبة 10 في المئة في كل هذه البرامج ، وكان من المفروض أن تكون هي الرابح ماليا من هذه المشاريع التي توجد في ترابها، مع كل العائدات الرسومية أو التجارية.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 12/01/2021