بسبب نظام «الفصل العنصري»، اللقاح للأغنى والبقاء للأسرع

سبع سنوات تفصلنا عن العودة إلى الحياة الطبيعية

 

قالت وكالة «بلومبيرغ» إن العودة للحياة الطبيعية ما قبل انتشار فيروس كورونا في العالم، يحتاج إلى سبع سنوات إذا ما استمرت حملات التطعيم بالوتيرة الحالية.
وبناء على قاعدة بيانات لقاحات كورونا التي أعدتها الوكالة، فقد قال الخبير الأمريكي أنتوني فوتشي، إنه يجب تطعيم 70% – 85% من سكان العالم حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
وتوضح قاعدة بيانات بلومبيرغ التقدم الذي تحققه البلدان في التطعيم.
وقالت إنه إذا بقيت التطعيمات في العالم بالوتيرة الحالية، وبقيت دول العالم الغنية أسرع في توزيع اللقاحات، فإننا نحتاج إلى 7 سنوات للعودة إلى حياتنا الطبيعية.

 

لقاح نظام «الفصل العنصري»

من جهتها نشرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية، تقريرا تناول تأثير توزيع لقاح كورونا على دول العالم، معتبرة أنه يدفع نحو نظام «فصل عنصري».
وقالت روزا فورنو، المراسلة في مكتب الصحافة الاستقصائية في الصحيفة، إنها قارنت توزيع اللقاحات بين الدول الغنية والفقيرة، وكذلك طريقة التوزيع داخل الدول، مشيرة إلى أنها تسبب عنصرية وتمييزا، كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين.
وتشير التوقعات، حسب التقرير، إلى أن غالبية السكان في غانا لن يقع تطعيمهم حتى سنة 2023، وأن بعض البلدان الأخرى من أفريقيا جنوب الصحراء ستنتظر اللقاح حتى سنة 2024. كما لن تكون البلدان الفقيرة مضطرة إلى الانتظار فحسب، بل ستُفرض على العديد منها أسعار أعلى بكثير عن كل جرعة. فعلى سبيل المثال، أعلنت أوغندا عن صفقة لتلقي ملايين اللقاحات من «أسترا زينيكا» بسعر 7 دولارات للجرعة الواحدة – وهو سعر أعلى بثلاثة أضعاف مما دفعه الاتحاد الأوروبي مقابل نفس اللقاح.
وجاء في التقرير أن تطعيم كل مواطن سيكلف أوغندا 17 دولارا باحتساب رسوم النقل. ونتيجة لذلك، يحذر نشطاء وعلماء من أننا في طريقنا نحو إرساء نظام «فصل عنصري» خاص باللقاحات، تُمنح فيه الشعوب التي تعيش في جنوب الكرة الأرضية اللقاح بعد سنوات من تلقيح الشعوب التي تعيش في دول الشمال.
ستكون آثار غياب العدل في توزيع اللقاحات واضحة. تشير النمذجة التي أجرتها جامعة نورث إيسترن إلى أنه إذا وقع توزيع أول ملياري جرعة من لقاحات كوفيدـ19 بشكل متناسب حسب عدد السكان، فإن الوفيات في جميع أنحاء العالم ستنخفض بنسبة 61 بالمئة. ولكن إذا احتكرت 47 من أغنى دول العالم هذه الجرعات، فإن عدد الضحايا سيقل بنسبة 33 بالمئة فقط.
في الوقت الذي يضغط فيه الاتحاد الأوروبي على شركة أسترا زينيكا بعد أن دخل معها في مشاحنات الأسبوع الماضي حول تأمين المزيد من اللقاحات، ردد القادة في الكتلة شعار «لا أحد في مأمن حتى يصبح الجميع آمنين». لكن التوزيع غير المتكافئ عالميًا للقاحات سيضر بنا جميعا مما يترك مناطق في جميع أنحاء العالم يمكن أن ينتشر فيها الفيروس وتظهر سلالات جديدة متحورة منه قد تكون أكثر خطورة. وبسبب الاقتتال الداخلي والحمائية في الغرب، نحن نسير على نحو أعمى إلى عالم ستزيد فيه حالات الإصابة بالفيروس، وسيشهد المزيد من الفوضى الاقتصادية، وحصيلة أكبر من الوفيات.

البقاء للأسرع

في إطار الاندفاع لتأمين اللقاحات لمواطنيها، وقبل أن تعرف أيها سيكون أكثر فعالية، رتّبت البلدان الغنية بسرعة صفقات لشراء مليارات الجرعات من اللقاحات. بيعت حوالي 12.7 مليار جرعة من مختلف لقاحات فيروس كوفيد-19 حتى الآن، وهي كافية لتطعيم ما يقرب من 6.6 مليارات شخص. (وفي حين تتطلب جميع اللقاحات المعتمدة حتى الآن جرعتين، فإن طلبات بعض الدول للتمتع بلقاح بجرعة واحدة لم يقع الموافقة عليها بعد).
بيعت أكثر من نصف هذه الجرعات – 4.2 مليارات مضمونة، مع خيار شراء 2.5 مليار أخرى – للبلدان الغنية التي لا يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليار نسمة. اشترت كندا جرعات كافية لتلقيح كل كندي خمس مرات، بينما اشترت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلندا وتشيلي ما يكفي لتطعيم مواطنيها مرتين على الأقل، وذلك على الرغم من أن بعض اللقاحات لم يقع الموافقة عليها بعد.
تغطية مبادرة كوفاكس: تأمل مبادرة كوفاكس توفير ملياري جرعة من اللقاحات هذه السنة، وهي كافية لتطعيم 20 بالمئة من السكان في جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 145 دولة.
إن هذه الطلبات الضخمة الحالية تترك جرعات أقل للدول الفقيرة وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت مبادرة كوفاكس – التي تهدف لضمان وصول البلدان منخفضة الدخل إلى اللقاحات – ستكون قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في تطعيم الفئات الأكثر عرضة للخطر في جميع أنحاء العالم هذه السنة. (أخبرت منظمة كوفاكس مكتب الصحافة الاستقصائية أنها واثقة من أنها ستحقق الهدف وتأمل في تجاوزه).
لقد أبرمت البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل صفقات مباشرة مع شركات الأدوية، لكنها لم تؤمن حتى الآن سوى 32 بالمئة من الإمدادات العالمية لتغطية 84 بالمئة من سكان العالم.
في إسرائيل، التي تميزت بأسرع برنامج تطعيم في العالم، حصل أكثر من ثلث السكان على جرعة واحدة من اللقاح، بينما حصل أكثر من خمس السكان على جرعتين. ولا يزال السكان في الأراضي الفلسطينية ينتظرون تلقي لقاحات من مبادرة «كوفاكس»، وذلك رغم إعلان إسرائيل مؤخرًا أنها ستخصص خمسة آلاف جرعة لتطعيم العاملين الفلسطينيين في الخطوط الأمامية.
قالت فاطمة حسن، مؤسِسة مبادرة العدالة الصحية في جنوب أفريقيا: «نحن في خضم أزمة هائلة. وإذا لم نتمكن حتى في جنوب أفريقيا من تطعيم نصف السكان قريبا، فلا أستطيع أن أتخيل كيف ستصمد زيمبابوي وليسوتو وناميبيا وبقية أفريقيا أمام هذه الأزمة. وفي حال استمر هذا الوضع لمدة ثلاث سنوات أخرى، فلن نكتسب أي نوع من المناعة القارية أو العالمية».

الطلب يتجاوز العرض

هذا التهافت الجنوني على اللقاحات سببه العرض المحدود. وبعد تطوير وإنتاج اللقاحات، يجب على شركات الأدوية تعديل منتجاتها حتى يصبح من الممكن تصنيعها على نطاق صناعي، قبل نقل التكنولوجيا إلى المصانع المرخصة حول العالم.
منحت شركة «أسترازينيكا»، الشركة الراعية للقاح المرتكز على الفيروسات الغدانية الذي طورته بالتعاون مع جامعة أكسفورد، ترخيصًا لـ 10 شركات أخرى في المملكة المتحدة والهند والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية والصين وأستراليا وإسبانيا والمكسيك والأرجنتين لتصنيع منتجها، إلى جانب مصانعها الخاصة في المملكة المتحدة وأوروبا.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الشركات لديها ترخيص بتصنيع اللقاح لمنطقة جغرافية معينة فقط، إلا أن هذا الأمر يعدّ بمثابة محاولة لتصنيع اللقاح على نطاق عالمي. ويُذكر أن الناشطين انتقدوا شركات الأدوية العملاقة الأخرى لفشلها في منح التراخيص للمزيد من الشركات لتصنيع اللقاح حول العالم.
بدلا من ذلك، يبدو أن بعض هذه الشركات تركز على تزويد الغرب بأقصى قدر من الجرعات. فقد وجدت مؤسسة «ﺑﺎﺑﻠﻴﻚ ﺳﻴﺘﻴﺰﻥ» الأمريكية أن شركتي «بيونتيك» و»فايزر» منحتا مبادرة كوفاكس اثنين بالمئة فقط من الإمداد العالمي، بينما يعتقد الأشخاص المطلعون على خطط شركة «موديرنا» السنة الماضية أن الشركة الأمريكية تعتزم إعطاء الأولوية للدول ذات الدخل المرتفع. وفي شهر كانون الثاني/ يناير، قالت حكومة جنوب أفريقيا إن شركة «موديرنا» لا تعتزم تسجيل لقاحها في البلاد.
تعدّ لقاحات «فايزر» و»موديرنا» مكلفة مقارنة بغيرها. وعلى الرغم من أن العديد من صفقات اللقاحات ظلت سرية، إلا أن المعلومات التي سرّبها مسؤول بلجيكي أظهرت أن الاتحاد الأوروبي دفع ما بين دولارين و18 دولارًا للجرعة الواحدة، في حين يعد لقاح الرنا المرسال من شركتي «فايزر» و»موديرنا» الأعلى تكلفة بسعر تجاوز 14 دولارا للجرعة الواحدة – وهو أكثر بكثير مما تستطيع البلدان منخفضة الدخل تحمله.
صرحت شركة «فايزر» بأنها «خصصت جرعات لتزويد البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بسعر غير ربحي»، في حين وعدت شركة «أسترازينيكا» بتوفير لقاحها بسعر التكلفة في دول الجنوب بشكل دائم (مقابل فترة زمنية غير محددة لدول الغرب). ولكن بعض الدول الفقيرة انتهى بها المطاف بالفعل إلى دفع المزيد مقابل لقاح «أسترازينيكا» تحت اسم آخر.
في الهند، حيث تجري معظم عمليات تصنيع الأدوية في العالم، ينتج معهد الأمصال أكبر شحنات من لقاحات «أسترازينيكا» و»نوفافاكس». ونظرا لأنه يمتلك ترخيصًا غير تجاري للقاح «أسترازينيكا»، يمكن لمعهد الأمصال تصدير نسخته الخاصة – لقاح كوفيشيلد – إلى 92 دولة من أفقر دول العالم.
على عكس شركة «أسترازينيكا»، لم يتعهّد معهد الأمصال بالحفاظ على نفس سعر التكلفة بل فرض رسومًا تقدّر بثلاثة دولارات للجرعة الواحدة بالنسبة للهند، وخمسة دولارات على جنوب أفريقيا والبرازيل، وسبعة دولارات على أوغندا، بينما اشترى الاتحاد الأوروبي اللقاح من شركة «أسترازينيكا» مقابل دولارين. ولم ترد «أسترازينيكا» ولا معهد الأمصال على طلب التعليق.
لجأت العديد من الدول، لا سيما في أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط، إلى اللقاحات الروسية والصينية التي لم تحظ بعد بترخيص من قبل هيئة تعتبرها منظمة الصحة العالمية هيئة تنظيمية صارمة. ووفقا لموقع الشركة المصنعة، تقدمت أكثر من 50 دولة بطلب للحصول على لقاح سبوتنيك في الروسي.
وصلت الشحنة الأولى من لقاح سبوتنيك في الروسي إلى طهران، في الرابع من فبراير.
أعطت الصين ما لا يقل عن 30 مليون جرعة من اللقاحات المحلية لمواطنيها، كما بدأت إندونيسيا وتركيا في تقديم الجرعات. وفي حزيران/ يونيو الماضي، وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ الدول الأفريقية بأنها ستكون «من بين أول المستفيدين» من اللقاحات الصينية، لكن ليس من الواضح ما إذا استلمت أي من هذه اللقاحات بعد. أما في أوغندا، فقد سُمح لشركة صينية واحدة على الأقل باستيراد لقاحات لتطعيم عمالها الصينيين وعائلاتهم قبل المواطنين الأوغنديين.
في ظل نقص الإمداد الذي يُعزى أساسا إلى التأخير وتوزيع اللقاحات بشكل غير متكافئ في الوقت نفسه، يدعو العديد من خبراء الصحة العامة والناشطين شركات الأدوية إلى التنازل عن براءات الاختراع لكي تسمح للمزيد من المصانع بإنتاج اللقاحات. في غضون شهرين من إعلان الوباء، أنشأت منظمة الصحة العالمية آلية لتقاسم الملكية الفكرية والبيانات. وعلى الرغم من أن العضوية طوعية، لم تقدم أي شركة أدوية طلب ترشحها لمشاركة براءة اختراعها.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، طلبت مجموعة من الدول بقيادة الهند وجنوب أفريقيا من منظمة التجارة العالمية تعليق حقوق الملكية الفكرية بشكل مؤقت للقاحات والأدوية المضادة لكوفيد-19، مما يعني أنه يمكن لأي جهة البدء في صنعه. وحتى مع دعم منظمة الصحة العالمية للفكرة، تقف الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى جانب شركات الأدوية لمعارضة هذا المقترح. ومع ذلك، فإن الخلاف الأخير حول التأخير في توريد جرعات لقاح أسترازينيكا في أوروبا يعني أنه حتى مجلس الاتحاد الأوروبي يناقش مقترح التنازل عن حقوق الملكية الفكرية.
حسب ما صرّحت به الدكتورة مهجة كمال ياني، مستشارة السياسة الصحية العالمية في تحالف اللقاحات الشعبية، لمكتب الصحافة الاستقصائية: «جميعنا نكافح من أجل قطع فطيرة صغيرة. لماذا لا نزيد من حجم الفطيرة حتى يتمكن الجميع من الحصول على قطعة بشكل عادل؟».
أفاد النقاد من صناعة الأدوية بأنه لا توجد قدرة تصنيع فائضة، سواء في المصانع المعتمدة أو لدى الفنيين المدربين، لذا فإن تعليق براءات اختراع اللقاح لن يضمن زيادة العرض.
أبلغت شركة «فايزر» مكتب الصحافة الاستقصائية أن أولئك الذين يطالبون بإعفاءات الملكية الفكرية «يتجاهلون الظروف المحددة لكل موقف وكل منتج وكل بلد. ستواصل الملكية الفكرية أيضًا لعب دور حاسم لفترة طويلة بعد انتهاء هذا الوباء، لضمان استعداد العالم لحلول مبتكرة للأزمات الصحية العالمية المستقبلية، فضلا عن احتياجات الرعاية الصحية الملحة الأخرى».

الاعتماد على مبادرة كوفاكس

ستجعل صعوبة تأمين إمدادات اللقاح العديد من البلدان الفقيرة تعتمد على مبادرة كوفاكس التي أطلِقت في نيسان/ أبريل 2020 لتوفير «وصول مبتكر ومنصف إلى تشخيصات وعلاجات ولقاحات كوفيد-19»، وذلك بتنسيق من منظمة الصحة العالمية، وائتلاف ابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين.
تهدف مبادرة كوفاكس إلى تقديم ملياري جرعة على مستوى العالم، بما في ذلك 1.3 مليار جرعة على الأقل لـ 92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، بحلول نهاية سنة 2021. سيكون هذا كافيًا لتلقيح 20 بالمئة من سكان كل بلد – مع إعطاء الأولوية للعاملين في قطاع الصحة وكبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة – على الرغم من التشكيك في هذا الهدف باعتباره غير مناسب للتعامل مع الوباء.
تم التفاوض على الصفقات بشكل مسبق لشراء الملياري جرعة المتاحة. ومع ذلك، يعتقد محللو جامعة ديوك أنه لا يمكن تسليم الجرعات هذه السنة إلا حسب المعايير المخطط لها وذلك إذا كان بإمكان «معهد الأمصال» تقديم 900 مليون جرعة طُلبت على أنها «خيارات»، والتي يرون أنها غير ممكنة نظرا لقدرة الشركة المعلنة والطلبات الحالية.
بدلا من ذلك، يقدر المحللون أن مبادرة كوفاكس ستوفر ما بين 650-950 مليون جرعة مقسمة بين 145 دولة – بما في ذلك بعض الدول التي أبرمت صفقات مؤكدة كافية لتلقيح مواطنيها عدة مرات.
قال أتشال برابالا من مشروع «أكسيس إيبسا»: «تكمن المشكلة في عدم عمل التحالف العالمي للقاحات والتحصين على إرساء وضع يتنافس فيه مع الدول الغنية على اللقاحات. لم يكن أبدا في موقف يحاول فيه توفير لقاحات مطلوبة بشدة في البلدان النامية وفي الغرب».
يتفهم مكتب الصحافة الاستقصائية أن مبادرة كوفاكس تعتمد على اتفاقية ملزمة قانونيا مع «معهد الأمصال» لتقديم جميع الجرعات المختارة، وأن بياناتها لا تشمل الجرعات التي تبرعت بها الدول الأخرى.
على الرغم من أن العديد من الدول التي يحق لها الحصول على لقاحات كوفاكس قد رتبت بالفعل صفقات أخرى للحصول على المزيد من الجرعات، إلا أن حالة عدم اليقين الناجمة عن تأخر الإمداد يفسر السبب الذي جعل الدول الغنية بما في ذلك كندا ونيوزيلندا تختار تلقي لقاحات كوفاكس في الموجة الأولى، بدلاً من الانتظار حتى تتلقى الدول الفقيرة لقاحاتها أولا.
وحسب مبادرة كوفاكس: «لم تنشأ من قبل مبادرة تشبه كوفاكس. كما رأينا في جائحة إنفلونزا الخنازير لسنة 2009، تُركت البلدان التي ليس لديها القدرة على الدفع بلا لقاحات، وهو أفضل طريق للخروج من هذا الوباء، ربما لمدة سنة أو أكثر بعد البلدان الأكثر ثراءً. نحن الآن على الطريق الصحيح لتقليل هذا التأخير إلى عدة أشهر».
في يناير، أعلن رئيس الاتحاد الأفريقي سيريل رامافوزا عن إبرام صفقة للحصول على 270 مليون جرعة لقاح من عدة موردين، وأشار إلى أن القارة لا يمكنها الاعتماد على مبادرة «كوفاكس» وحدها.

سبيل أكثر عدلا للمضي قدما

تتفاوت آراء الخبراء بشأن حلول أزمة إمدادات اللقاح. طلبت منظمة الصحة العالمية من الشركات المصنعة إعطاء الأولوية لتزويد «كوفاكس» وحثت الدول التي تطلب جرعات تتجاوز احتياجاتها على التبرع بالفائض – إلا أن ذلك يبدو غير ملائم سياسيًا بشكل متزايد مع مواجهة البلدان تأخيرات في الإمدادات.
وبدورها، أنشأت «كوفاكس» آلية للتبرع مؤخرًا. حتى الآن، وحدها النرويج، التي سجلت أقل من 600 حالة وفاة بسبب كوفيد-19، قد وافقت على التبرع بفائض الإمدادات في نفس الوقت الذي تشرع فيه في تنفيذ حملة التطعيم الوطنية. في المقابل، ستقدم كندا ما يصل إلى خمسة ملايين دولار كندي لتمويل آلية التبرع، لكنها لا تستطيع الالتزام بإطار زمني للوقت الذي ستبدأ فيه تسليم الجرعات.
هناك محاولات متفرقة للتبرع خارج هذه الآلية. فقد وافق الاتحاد الأوروبي، متراجعًا عن المقترحات السابقة لتقديم تبرعات منتظمة إلى «كوفاكس»، على إرسال جرعات لتلقيح المهنيين العاملين في مجال الصحة في جميع أنحاء أفريقيا وغرب البلقان. ولدى أستراليا ونيوزيلندا خطط مماثلة لبيع أو التبرع للدول المجاورة في المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا وجزر بولينيزيا.
وفقًا لصحيفة «ذا تايمز»، أقر وزير الصحة البريطاني مات هانكوك بأن اللقاحات التي طلبتها وزارته، وقد بلغت 400 مليون جرعة، «تفوق ما يحتاجه سكان المملكة المتحدة»، مشيرا إلى أن الحكومة ستكون معطاءة إلى جانب استكمال حملة التطعيم الخاصة بها.
في المقابل، يعتقد بعض النشطاء أنه من الحماقة أن تعتقد منظمة الصحة العالمية أن مطالبة الدول بالتبرع هو بالفعل الحل الأمثل. في هذا الصدد، قال برابالا: «بصراحة، أعتقد أنه أكثر الحلول سخافةً وتعقيدًا… بل هو أكثر الحلول إثارة للمشاكل على الإطلاق. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لأي شخص في هذه اللحظة أن يبرر التبرع باللقاحات التي حصل عليها، وينجح في ذلك».

تأخيرات مميتة ومدمّرة

دون توزيع اللقاحات بشكل متكافئ، تتزايد المخاوف بشأن افتقار العديد من البلدان منخفضة الدخل لمخزون كافٍ لتلقيح فئات السكان الرئيسية، بمن في ذلك العاملون في مجال الرعاية الصحية في عام 2021. حاليا، يعاني العاملون في الرعاية الصحية على الصعيد الميداني.
حيال هذا الشأن، قالت المنسقة الوطنية لإدارة الكوارث في الصليب الأحمر في جنوب أفريقيا، إيرين موتومبوا، إن «الأوضاع شديدة التوتر. وحياة الجميع في خطر، بالأخص إن كنت أحد الأفراد المشاركين في العمل المجتمعي».
كما يشعر العلماء بالقلق بأن السماح للفيروس بالانتشار بلا هوادة في بعض البلدان قد يفضي إلى مخاطر أكبر للجميع. وقد أوضحت عالمة الفيروسات ومديرة الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الصحية والطبية، الدكتورة ماري بول كيني، أنه «كلما زاد انتشار الفيروس، زادت فرص تحوره». ويمكن أن تؤدي السلالات المتحورة بدورها إلى تزايد الوفيات المباشرة في البلدان التي لم يخضع سكانها للتلقيح، بل وقد تصبح اللقاحات أقل فعالية مع مرور الوقت.
يمكن أن تكون التكلفة الاقتصادية العالمية باهظة. قدرت دراسة أجرتها مؤسسة «راند» للأبحاث والتطوير أن الفشل في ضمان توزيع عادل للقاحات كوفيد-19 قد يكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 1.2 تريليون دولار سنويًا. (بينما وضعت دراسة أخرى رقما أعلى من ذلك بأكثر من سبعة أضعاف). وأظهرت نماذج مؤسسة راند أنه حتى لو قامت الدول الغنية بتلقيح سكانها، فإنها قد تخسر حوالي 119 مليار دولار سنويًا إذا حُرمت الدول الأكثر فقراً من الإمدادات.
وفقًا للمؤلف الرئيسي للدراسة ماركو هافنر: «إذا سألت أي شخص من عامة السكان، فلن يعتقد أبدًا أننا نعتمد اقتصاديًا على البلدان منخفضة الدخل بأي شكل من الأشكال». ولكن نظرًا لاعتماد الدول الغنية على روابط التجارة العالمية، فإن التباطؤ الاقتصادي في الدول الفقيرة الناجم عن قيود الجائحة سيكون له تأثير ضار في جميع أنحاء العالم. وأضاف هافنر أن هناك «حوافز اقتصادية حقيقية لتأكيد التوزيع العادل للقاحات على الجميع، بدلاً من مجرد اعتباره نوعًا من الأعمال الخيرية. فإذا قارنت تكاليف [تمويل «كوفاكس»] بفوائده، ستجد الدول الغنية أن التكاليف ضئيلة جدا».
أشارت كمال ياني إلى أن الحكومات باتت تدرك حقيقة شعار (لا أحد في أمان حتى يصبح الجميع آمنين)، الذين كانوا يرددونه دون الالتزام به فعلا، لذلك يجدون أنفسهم في خطر الآن. وقالت الدكتورة إن «الطفرات تسببت الآن في إدراك الدول الغنية أنها لا تستطيع الاكتفاء بتطعيم شعوبها فقط».
في المملكة المتحدة، يأمل سينام وشقيقاه الذهاب إلى غانا في عطلة عيد الميلاد بمجرد تلقي التلقيح، ويرون أنه من الظلم الحصول على اللقاح قبل والدهم الأكثر عرضة للمرض. يقول سينام: «إنه أمر محبط للغاية. كل ما نراه على الأخبار حاليا هو مجرد مشاحنات سطحية بين الاتحاد الأوروبي وشركة «أسترازينيكا» لا يُسمع فيها سوى كلمة «أنا». وذلك يبين مدى أنانية العالم الغربي حقيقةً».

خسائر احتكار اللقاح

على عكس الاعتقاد السائد بأن الدول الغنية ستسعى قدر الإمكان إلى الاستحواذ على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وأنها ستعمل على حرمان الفقراء منها.. إلا أن الدراسات القائمة على إحصاءات تحذر من هذا الاحتكار؛ لما له من خسائر يتكبدها المحتكرون من الأغنياء قبل غيرهم، الأمر الذي يعني عدم وجود أي جدوى من التنافس على احتكار اللقاحات.
وقد تفاقم الحديث عن احتكار اللقاح مع ردود الفعل الأوروبية على بعض حالات تأخير تسليم الدفعات التي شهدتها البلدان الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، حيث لوَّح الاتحاد الأوروبي باستخدام الأدوات القانونية المتاحة لضمان التزام شركات الأدوية بعقود اللقاحات التي وقَّعت عليها.
وإذا كان من المفهوم أن تسعى أية دولة لتأمين جرعات كافية من اللقاحات لتطعيم مواطنيها، فإن هناك تساؤلات أخرى بشأن مدى قدرة الدول الفقيرة على تأمين جرعات اللقاح لمواطنيها هي الأخرى، وماذا قد تكون نتيجة تطعيم الدول الغنية لمواطنيها جميعا أولا قبل أن يأتي الدور على مواطني الدول الفقيرة؟
وللإجابة على ذلك، ترى دراسة أعدتها غرفة التجارة الدولية ـ التي تُعد من أكبر المنظمات التجارية العالمية والمدافع الأول عن قطاع الأعمال العالمي ـ أن الدول الغنية ستدفع ثمن عدم حصول الدول الفقيرة على اللقاح، وذلك جراء تفاقم الضرر الاقتصادي العالمي.
وحذرت الدراسة من أنه في حال احتكار توريد اللقاحات، فإن الدول الغنية لن تنأى بنفسها عن الخسائر؛ فالدمار الاقتصادي الناتج سيضرب البلدان الغنية بنفس القدر تقريبا مثل تلك الموجودة في العالم النامي.
ووضعت الدراسة الفرضية الأكثر تطرفا والمتمثلة في تطعيم الدول الغنية بالكامل بحلول منتصف هذا العام، وإغلاق الدول الفقيرة إلى حد كبير، وحينها سيتعرض العالم لخسائر تتجاوز تسعة تريليونات دولار، وهو مبلغ أكبر من الناتج السنوي لليابان وألمانيا معا.
أما السيناريو المرجح أكثر عند الباحثين فهو الذي تقوم فيه البلدان النامية بتحصين نصف سكانها بحلول نهاية العام، ومع ذلك سيستمر الاقتصاد العالمي في استيعاب ضربة اقتصادية تتراوح بين 1.8 تريليون دولار و3.8 تريليون دولار، أغلبها سيتركز في البلدان الغنية.
وفي تصريحات صحفية حول الدراسة لفتت سيلفا ديميرالب، خبيرة اقتصادية وأحد المساهمين في الدراسة إلى أن جميع الاقتصادات مرتبطة، وبالتالي لن يتعافى أي اقتصاد بشكل كامل ما لم تتعافَ الاقتصادات الأخرى.
ويتجلَّى شرط التعافي الجماعي للاقتصادات في طبيعة التجارة الدولية في الوقت الحالي، والتي تعتمد على سلاسل إمداد عالمية تنتج قطع الغيار اللازمة للصناعات، وستظل هذه السلاسل معطلة إذا ظل الفيروس نشطا.
كما أن انعدام القدرة على العمل في الدول النامية والفقيرة بسبب الإغلاقات والإجراءات الاحترازية فإن ذلك سيؤثر أيضا على القدرة على الإنفاق، وبالتالي التقليل من مبيعات المصدرين في الدول الغنية.
ولهذا تخلص الدراسة إلى أن التوزيع المتساوي للقاحات يصب في المصلحة الاقتصادية لكل البلدان، خصوصا المعتمدة على التجارة، فمشاركة اللقاحات مع الدول الفقيرة مصلحة تجارية وليست عملا إنسانيا.

حقيقة تسبب لقاح
«كورونا» بالعقم

أوضحت منظمة الصحة العالمية حقيقة تسبب لقاحات فيروس «كورونا»، بالعقم.
ونشرت مديرة التحصين، واللقاحات، والأحياء البيولوجية بمنظمة الصحة العالمية، الدكتورة كاثرين أوبراين، فيديو رسمي عن شائعات أثيرت مؤخرا حول لقاحات «كورونا».
وحول ما إن كان لقاح «كورونا» يسبب العقم، قالت أوبراين: «لقاحات كورونا لا يمكن أن تسبب العقم».
وتابعت: «هذه شائعة ارتبطت بالعديد من اللقاحات المختلفة، ولا صحة لها، ولا يوجد لقاح يسبب العقم».
وعن شائعة وجود مواد كيماوية في بعض اللقاحات، قالت أوبراين: «اللقاحات التي لدينا آمنة».
وتابعت أن «جميع المكونات المستخدمة في اللقاحات تخضع لاختبارات مشددة، للتأكد من أن كل ما فيها، وفي الجرعات المحددة، آمنة للبشر».
ولفتت أوبراين إلى أن «عملية تصنيع اللقاح تخضع للإشراف المستمر لضمان تمتع كل عنصر في اللقاح بأعلى مستويات من الجودة».

تأثير تعدد السلالات
على لقاح كورونا

قال كبير المستشارين الطبيين في بريطانيا، كريس ويتي، إن تعدد سلالات فيروس كورونا، قد يقلل فعالية اللقاحات المضادة.
وأوضح ويتي أن هناك العديد من السلالات المتشابهة مع بعضها من عدة نواح، وبإمكانها تقليل فعالية اللقاح بشكل طفيف، وفي بعض الحالات هي تقلل الفعالية بصورة كبيرة.
لكنه أشار إلى أن العلماء في هذه الحالة يعيدون تصميم اللقاح بشكل يسمح بإعادة التطعيم لمواجهة السلالات الجديدة.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 18/02/2021