الحماية الاجتماعية، الثروة الأخرى..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لدي قناعة عميقة، بأن جلالة الملك م ، انخرط بوعي تاريخي في المصالحات الكبرى ( طي صفحة الماضي، المرأة والمدونة، المواطنة اللغوية، جبر الضرر الترابي …إلخ )، من أجل أن تتفرغ البلاد إلى ما هو في مرتبة التكوين الجيني للدولة والمجتمع، ونقصد به مؤشرات التنمية البشرية.
وليس صدفة أن تقرير الخمسينية الشهير، الذي يخص بؤر المستقبل الممكن للمغرب تزامن تقديمه مع تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، بمعنى ترادف التقريرين، هو عدم حصر حقوق المغاربة في ما هو سياسي ومدني، إلى ما هو اجتماعي بشكل شامل وفي قلبه التأمين الاجتماعي والصحي ودعم التمدرس وضمان الشغل إلخ….
الأمر، اتضح بقوة أكبر في خطبه للسنوات الأربع الأخيرة.، لا سيما في خطاب العرش الثامن عشر، والذي كانت فيه النبرة قاسية وصريحة وواضحة ، فيما يشبه نقدا ذاتيا لم ينتظر جلالته حتى يبلغ أربعين سنة من الحكم ليُقْدم عليه..
وفي سياق تقوية النسيج الوطني، تتجاوز التغطية الاجتماعية ،بالمبلغ المعلن عنه،15 مليار درهم (انظر جانبه) الفعل الإجرائي لتطبيق عدالة مجتمعية إلى ما هو أعمق، أي أولوية الدولة باعتبار الحماية الاجتماعية أداة للتنمية.
ولعل التوجه الحالي، يمتح من السياق الدولي العام، كون التغطية صارت أداة مفضلة، ووسيلة مرجحة، في السياسات ذات العلاقة بالتنمية..
وهو مبتغى دولي لبلوغ أهداف الألفية، التي انخرط فيها المغرب بثناء دولي ، وثقة به، في تدبير المخاطر الاجتماعية.…
ولعل اليسار الوطني والقوى الاجتماعية الحاضنة له ، عليهما الاعلان بوضوح تام الانخراط في المبادرة، بل تثمينها باعتبارها نجاحا لما ناضلت من أجله، لا سيما أنها تتجاوز فكرة الضمان أو التأمين الاجتماعي، التي تقتصر على المنخرطين والأجراء.. وتشمل كل من هو في حاجة إلى التغطية الاجتماعية..
الكلفة المالية، يبينها-بوضوح- الرقم الذي كشفت عنه الجهات المسؤولة،
وهناك بالفعل كثيرون، سيرون فيه طريقة في ضرب ليبراليتهم المتوحشة، بل لعل البعض ممن يفتقرون إلى روح التضامن قد يرون فيه، وإن لم يصرحوا بذلك، تشجيعا لـ«ثقافة الفقر»، بتعبيرات البنك الدولي في زمن التقويم الهيكلي!
لقد كانت السنة الثامنة عشرة في العهد الجديد، سنة التعبير الصريح عن المغرب الجريح. وتكلم الملك في خطاب المناسبة تلك، عن صدمة الحصيلة والواقع، و«تواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم».
ولعل المعاينة بالعين المجردة، هي التي أظهرت أن «برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشرعلى تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا» حسب المنطوق الملكي..
وجاء التوجه الذي تم الإعلان عنه ليعطي انطلاق مسيرة جديدة، «مسيرة التنمية البشرية والاجتماعية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي تهم جميع المغاربة…»..
وكان المشهد الاجتماعي في المغرب، يتميز بفسيفساء، وتناسل المبادرات مما وضحه ملك البلدا في الخطاب بالقول «ليس من المنطق أن نجد أكثر من مئة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام، وترصد لها عشرات المليارات من الدراهم، مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، والمتدخلين العموميين. وفضلا عن ذلك، فهي تعاني من التداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها.
فكيف لهذه البرامج، في ظل هذا الوضع، أن تستجيب بفعالية، لحاجيات المواطنين وأن يلمسوا أثرها»؟
سؤال استوجب الجواب، في خطابين تاليين من خطب العرش.
والواقع أن الوعي بأن العمل هو أرقى أشكال الحماية الاجتماعية.. والاستثمار رافعة لهذا التحدي.،يضع الاطار الصحيح لتقديم الاجوبة..
ولهذا كانت السنة التاسعة عشرة في الحكم، مناسبة للملك من أجل وضع آليات للتفكير في إيجاد حل لمعضلة الحماية الاجتماعية، عبر دعم المبادرات الموجودة مثل «تيسير» وإبداع آخرى..
وتعزز هذا المنحى، ليس فقط بالانكباب الحصري على معضلة الحماية الاجتماعية، وتوفير مكانيزمات الوصول إليها، بل وتحدد – عميقا – في إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، الذي لم يصل مداه إلى جزء كبير من المغاربة و جعل فئات واسعة منهم خارج رادار الاقتصاد العصري أو المنتج.
وفي خطاب عشرين سنة من العهد الجديد، تم وضع رهان العدالة الاجتماعية والمجالية : لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع. كأحد الرهانات الأربعة التي يجب على المغرب رفعها بإجابية ومردودية، إلى جانب التسريع الاقتصادي أو توطيد الثقة في المؤسسات الوطنية..
نحن أمام تصور شامل وعميق، يتجاوزاعتبار الحماية الاجتماعية نوعا من صمام الأمان، لتفادي الصدمات الاجتماعية الممكن حدوثها، بفعل التفاوتات الطبقية أو اختلال ميزان العدالة الاجتماعية والعدالة بين الجهات والأقاليم.. إننا، أمام ترصيد للثروة البشرية،من جانب تأهيلها وحمايتها، وأيضا بصدد ثورة ذات أبعاد لا يغفلها الضمير الجماعي للمغاربة كلهم.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *