الصيد العالمي في أزمة كورونا: ارتباك في الإمداد واختلال في الأسواق وتراجع في الإنتاج والعمالة

“رغم أن كوفيد19 لا يصيب الأنواع المائية، إلا أنه طال النظم الغذائية لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية كما لم تفعل أي صدمة من قبل” ورد ذلك في الملحق الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والذي خصصته لتأثيرات جائحة كوفيد19 على قطاع مصايد الأسماك، مبرزة فيه حجم هذه التأثيرات المتسارعة.
بالنسبة للمغرب كشف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الذي يحمل عنوان” الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا والسبل الممكنة لتجاوزها”(رقم الإحالة 28/2020) أن قطاع الصيد البحري لم يتأثر كثيرا من الجائحة. حيث تظهر المقارنة بين الأنشطة حسب نوع المركب( صيد السردين، صيد بالخيط الطويل، الصيد بالقارب..) وحسب مجموعة الأنواع( الأسماك السطحية، الأسماك البيضاء، الرخويات، القشريات..) انخفاضا طفيفا بلغ حجمه 7 بالمائة وقيمته 15 بالمائة من 1 يناير إلى 15 يوليوز 2020. وهو الانخفاض الذي تم التخفيف منه بالزيادة في صيد الأسماك البيضاء بحوالي 22 بالمائة والمحار بما يناهز 107 بالمائة.
ورغم محدودية تأثر قطاع الصيد البحري بالمملكة بتداعيات أزمة كورونا، إلا أن التشخيص الذي قدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يشير إلى أنه إلى غية 14 يوليوز 2020 تم تسجيل توقف 33 مصنع مختص في التجميد من أصل 198 مصنع، تسعة منها أغلقت بسبب الجائحة. كما توقف 21 مصنعا للتعليب من أصل 51 معمل، 20 منها أغلقت أبوابها بسبب الجائحة أيضا. وسجلت الصادرات البحرية انخفاضا في حجمها بنسبة 2 بالمائة و 12 بالمائة في قيمتها. حيث انخفضت حصة أسواق الاتحاد الأروبي بنسبة 3 بالمائة و إفريقا جنوب الصحراء ب4 بالمائة والبرازيل ب53 بالمائة. وبالمقابل تم تسجيل تنويع تصاعدي تجاه أسواق آسيا ب33 بالمائة، و تركيا ب 12 بالمائة، وروسيا ب 29 بالمائة.
ومن جهتها كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن 33,8 بالمائة من مقاولات الصيد البحري أغلقت أبوابها بسبب جائحة كورونا ، مقابل أزيد من 78 بالمائة في مجال الصناعات الغذائية.
وحسب “مرصد الصيد العالمي” فإن نشاط الصيد العالمي قد انخفض بما يناهز 6.5 في المائة في نهاية شهر أبريل 2020 مقارنة مع ما كان عليه خلال السنوات الماضية، نتيجة للقيود ونقص العمالة بسبب حالة الطوارئ الصحية التي فُرضت لاحتواء الجائحة. حيث أن التدابير الوقائية التي أقرتها الحكومات في مواجهة انتشار فيروس كورونا أثرت على كل مرحلة من مراحل سلاسل إمداد الأطعمة البحرية من الصيد وصولا إلى إنتاج تربية الأحياء المائية، مرورا بالتجهيز و النقل و البيع بالجملة و بالتجزئة.
انعكاسات الجائحة حدت أيضا من الإمدادات مثل الثلج و الوقود و معدات الصيد و الطعوم، بسبب إقفال المجال أو تعذر توفير المدخلات بالدين من أنشطة الصيد، كما أوضحت ذلك المنظمة الأممية للأغذية و الزراعة التي كشفت التأثير الحاد لنقص العمالة بسبب الجائحة على أنشطة الصيد، و خاصة في الحالات التي كانت فيها الطواقم مؤلفة من عمال مهاجرين. فترتبت عن ذلك نتائج اجتماعية قاسية، حيث كان على أسر هؤلاء العمال في بلدانهم الأصلية التعامل مع انخفاض تدفقات التحويلات المالية أو توقفها كما بين ذلك تقرير البنك الدولي لسنة 2020.
و سجلت منظمة الفاو تفاوت التأثيرات على تربية الأحياء المائية بحسب الأقاليم و الأنواع و الأسواق و القدرة المالية للمزارع. وفي هذا السياق تشير المنظمة الأممية المذكورة في تقريرها المشار إليه أعلاه، إلى أن العديد من المستزرعين العاجزين عن بيع مصيدهم اضطروا إلى الإبقاء على كميات كبيرة من الأسماك الحية. مثلما تعذر على البعض الآخر منهم استكمال المهام الموسمية كافة مثل تربية الأسماك. ليؤدي هذا الوضع إلى ارتفاع التكاليف وزيادة المخاطر خاصة في الحالات التي شهدت فيها إمدادات المدخلات اختلالات، بما يستتبع ذلك من تأخير في عملية تجديد الأرصدة وعمليات الصيد اللاحقة.
وتؤكد منظمة الفاو أن الأنواع التي تُربى لغرض التصدير كانت الأشد تأثرا بفعل الاختلالات التي طالت النقل الدولي، وهو ما دفع الكثير من المقاولات المعنية بهذا النشاط في مواجهة الإفلاس رغم الدعم الذي قدمته بعض الحكومات أو المؤسسات المالية.
وتسبب إقفال أغلب مدن العالم بسبب الجائحة في انعكاسات خطيرة على نشاط مزارعي تربية الأحياء المائية التي تستهدف تموين المطاعم والفنادق وباقي المؤسسات السياحية. وهو ما اضطرها إلى إعادة توجيه منتجاتها إلى أسواق أخرى، خاصة المتاجر الكبرى والبيع بالتجزئة بما في ذلك استخدام الأدوات الرقمية التي برزت كابتكار تسويقي أساسي خلال الأزمة. مع العلم أن مبيعات التجزئة ظلت مستقرة أو زادت بالنسبة للأسماك المجمدة والمعلبة والمتبلة والمدخنة ذات الصلاحية الأطول.
ويكشف تقرير منظمة الفاو أن تداعيات الجائحة أفرزت محنا كبيرة على مستوى التدفقات المالية بالنسبة للمؤسسات والمزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم الخاصة بتربية الأحياء المائية، حيث أن الأزمة لم تقلص مداخليها فحسب، بل انطوت على تكاليف جديدة نتيجة ارتفاع كلفة العناية بالأرصدة الحية في مرافق الإنتاج.
ومن مظاهر الأزمة الحادة التي تسببت فيها جائحة كوفيد19 على قطاع صيد الأسماك، ما أشارت معطيات منظمة الفاو بخصوص أجزاء من منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث أُجبر أكثر من 90 في المائة من صغار الصيادين على التوقف عن العمل بسبب عدم القدرة على بيع ما يصطادونه. وقد تفاقم ذلك في كثير من الأحيان بسبب انخفاض الأسعار.
ويقول المدير العام للفاو شو دونيو: “من المعروف أن الأسماك ومنتجات مصايد الأسماك هي من بين أكثر الأطعمة الصحية على وجه الأرض، وليس ذلك فحسب بل إنها من المنتجات الأقل تأثيراً على البيئة الطبيعية”، مشدداً على أن هذه المنتجات يجب أن تلعب دوراً أكثر مركزية في استراتيجيات الأمن الغذائي والتغذية على جميع المستويات.
وتعتبر الفاو أن الانعكاسات المشخصة أعلاه لكوفيد 19 على نشاط صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، لا يمس فقط الخسائر المالية والأضرار الاجتماعية الناتجة عن فقدان مناصب الشغل، بل أثر أيضا على حق إنساني أساسي وهو الحق في الغذاء، لا سيما أن الأسماك لا تزال مصدرا أساسيا للبروتينات الحيوانية المغذية الدقيقة والأحماض الذهنية أوميغا 3 التي تعد حيوية في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض والدول الجزرية النامية حيث تعتمد الأنماط الغذائية إلى حد كبير على الأسماك.


الكاتب : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 23/03/2021

أخبار مرتبطة

بعد كل من جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا، يستعد المغرب للانضمام قريبا إلى نادي الدول الإفريقية التي تصنع الطائرات العسكرية بدون

سجل مطار الداخلة، عند متم شهر مارس 2024، ارتفاعا في حركة النقل الجوي بنسبة 19 في المائة مقارنة مع نفس

كشفت الأرقام الصادمة التي جاء بها التقرير الفصلي حول سوق الشغل، الذي نشرته المندوبية السامية للتخطيط أمس، عن فشل ذريع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *