ثلاثية المغرب، فرنسا،الجزائر.. : الذاكرة، الجيواستراتيجية والأمن

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

3 – الذاكرة وتوازن الرعب!

الواضح أن فرنسا لم ترفض فقط الاستسلام في الجانب المتعلق بالذاكرة، والذي صاغ بنوده مؤرخ يساري يعرف نفسه بأنه جزائري.. بل ترفض أن تسير مع الجارة الشرقية للمغرب في نفس الاتجاه في قراءة الماضي.
وقد كان مثيرا للغاية أن تتزامن ثلاث قضايا، بعضها يعود إلى ما لا يقل عن ثلاثة عقود، في نفس اللحظة السياسية والديبلوماسية، في التفاعل الرسمي الفرنسي، كما في المتابعة الإعلامية.
أول هذه القضايا الإلحاح الفرنسي على التعاون الأمني المشترك، وتزامن ذلك مع الخدمة الكبيرة التي قدمتها «الديستي» المغربية، لأجهزة فرنسية استخباراتية، مكنتها من حماية بلادها من ضربات إرهابية، بتوقيع من «داعشية» من أصل مغربي تقيم في فرنسا، وتنشط باسم التطرف الديني.
وهو أمر تطابق مع إعلان الناطق الرسمي باسم الجهاز المغربي، وإن كانت وكالة فرانس بريس، المعروفة على كل حال، أرادت إغماط المغرب حقه بعدم ذكر اسمه في العملية المنسقة.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار تصريحات وزير الخارجية الفرنسية فعلا ديبلوماسية لرد الحق لأصحابه، وأيضا لإعطاء التعاون كل مدلوله.
والقضية الثانية، ذات الصلة، هي عودة قضية اغتيال رهبان «تبحرين» إلى الواجهة الإعلامية – الأمنية.
وإذا كانت القضية قد شاعت وذاعت، بسبب تراجيدية وقساوة الجريمة فيها وعمت أخبارها كل الافاق، فإن الجديد فيها عودة الإعلام الفرنسي، لا سيما «لوفيغارو» برواية أخرى تحمل الجزائر مسؤولية موت الرهبان الفرنسيين على يد المخابرات/ الجزائرية…
وفي القضية جانبان:
الأول، هو أن الإعلام الفرنسي نقل حرب الكواليس إلى الطابق العلوي للأحداث، تماما كما فعل الإعلام الجزائري الذي كشف كواليس الجفاء الرسمي بين البلدين.
فقد ظلت الدولة صامتة وتركت للإعلام كشف خفايا الصراع والتوتر. وهنا كان هناك توازن الرعب عبر حرب الصفحات الإعلامية!
الثاني، هو عمق الإشارة فيها: مقابل الذاكرة البعيدة نسبيا، خمسينيات القرن الماضي، التي تتحمل فرنسا وزرها وآثامها، هناك ذاكرة أخرى جزائرية – جزائرية، في تسعينيات القرن نفسه، تتحمل الدولة الجزائرية نفسها ونظامها القائم مسؤولية أوزارها.
وفي تحميل الاستخبارات الجزائرية مسؤولية مقتل الرهبان الفرنسيين، جواب أولي، عبر الذاكرة الدموية الخاصة، على ما سبقها من ذاكرات حربية فرنسية، وعلى الهجوم على مواقف فرنسا في قضايا المغرب!
بمعنى آخر: هناك تراجيديا تستعمل الذاكرة كوقود سياسي وجغرافي!
والنسيان مستحيل في التراجيديتين معا.
القضية الثالثة، تتعلق بإعادة التذكير بقضية «أطلس آسني»، والجميع يذكر أنه في شهر غشت عام 1994 عرف المغرب أول عملية إرهابية فوق ترابه. حين هاجم مسلحون جزائريون فندق أطلس آسني بمدينة مراكش، وقتها اتهم المغرب المخابرات الجزائرية بالضلوع في الهجوم الإرهابي وفرض تأشيرة على الرعايا الجزائريين، وهو ما ردت عليه حينها الحكومة الجزائرية بإجراءات أكثر راديكالية، تمثلت بإعلانها إغلاق الحدود البرية من طرف واحد بين البلدين، وهو الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى اليوم. الحادث خلف مقتل 37 شخصا من بينهم سائح فرنسي! ومن المثير حقا، أن التذكير بالاغتيالين معا، جاء عن طريق الاسم نفسه هو المخابراتي الجزائري سابقا كريم مولاي.. وقد كشفت وكالة «قدس بريس» اللندنية أن «مديرية المعلومات والأمن DRS، هي التي خططت للهجوم الذي نفذ على فندق أطلسي آسني بمراكش (24 غشت 1994)، ولتوضيح اتهاماته قدم الشاهد هذه المعلومة الدقيقة المثيرة: «أنا شخصيا من كلف بالجانب اللوجستيكي لهذه العملية التي لم أكن أعرف أن هدفها هو تنفيذ هجوم».
والواضح أن الربط بن القضيتين في الإعلام الفرنسي، والعودة إلى مقتل فرنسيين في قضايا تتورط فيها المخابرات الجزائرية، يعطي دولة الضحايا حاليا ما تحرر به نفسها من دولة الجلادين سابقا في حرب التحرير الجزائرية!
ومن هنا يبدو أن التنويه بالتنسيق الأمني المغربي الفرنسي يثير حفيظة الطرف الشرقي من المعادلة الثلاثية، ولهذا أيضا نفهم لماذا صرح إعلاميون جزائريون في فلك النظام ومسؤولون رفضوا ذكر أسمائهم عن «استفزاز» فرنسي بالتعاون الأمني الإقليمي الديبلوماسي مع المغرب.
وظاهر الحكاية ذاكرة بعيدة …ووفد وزاري هزيل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/04/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *