لا شيء مستعجل في القدس، الآن، أكثر من السلام!

عبد الحميد جماهري

باسم الله
باسم موسى
باسم عيسى
باسم محمد
باسم مريم العذراء
باسم الروح القدس
باسم الجلجلة..
باسم الصخرة
باسم حي المغاربة
باسم عرفات
لن نعتاد على المشهد ولو تكرر ألف مرة
ولن نروض الروح على الوحشية والإجرام والتنكيل والهدم،
ولو تكرر المشهد طول الحضارات والأمم والقبائل،
من الهيكسوس
إلى سيد الرومان
من ثور بابل
إلى جندي التساهال..
ففي القدس، عندما يعتصرنا الألم، نغمض العينين كي لا نتألم أكثر لمشهد الضحايا..
لكننا نرى الجلاد بوضوح أكبر
وبغضب أكبر
وبعاصفة من السخط. لا تتقادم ولا تسقط بفعل التكرار!
فكأنه مشهد تتاري عن الهمجية القديمة، يعاد تحيينه اليوم على شاشات العالم.
مسلحون عتاة، مدججون بأحقادهم وبأساطير التلمود، يدوسون النساء والشيوخ والأطفال المدنيين وينكلون بالمصلين..
لقد جاء التتار بوجوه جديدة
يعودون على مرأى من الكرة الأرضية برمتها، محاولة سطو علنية
على سقيفة الله
كأنما قبائل الدم القديمة تبحث عن آثار قدم، لنبي نائم في الكتاب، يستوجب العثور عليها ضحايا من الأبرياء..
هو ذا سليمان، يُسْلب منه اسمه وتسلب منه نبوته، ويعين حارسا ربانيا احتياطيا
في جيش الاضطهاد، ولتبرير القتل والتنكيل،
باسم هيكل لم يبق منه سوى الدم الفلسطيني على الإسفلت
وعلى الطرقات:يا سليمان الله وابن الانسان، إنهم يكذبون باسمك،
يرفعون الكذب كتابا منزلا ليحلو القتل
وليكتبوا اسمك محرَّفا :
بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط،
وبقنابل الصوت،
وبالغاز المسيل للدموع..
في بيت الله يحلو للكاميرا أن تلتقط مشاهد الفزع: إنهم يجعلون الله شاهدا على طغيانهم
وهم يبتسمون!
ومن بيته المقدس، يرى الله أبناء فلسطين
سلالة المسيح المصلوب على شجرة الأنساب النقية
ومن مهبط وحيه،
يسلم على وارثة الأنبياء كلهم
في كنعان القديمة وفي المقدس، تقف بسبابة وصوت في وجه الآلة العسكرية، القدس
تكتفي بالقلب
وتتمهل في نشيج العاطفة.
تحفن صرخاتها، وترمي بها في وجه الهواء الممتد من آسيا إلى تخوم الجليد الأعلى في الكرة الأرضية..
في القدس،
في الحرم الشريف،
وفي الشيخ جراح،
تدور معركة وجود قوية.
ويحضر صوت ياسر عرفات، الشهيد :
على القدس رايحين. شهداء بالملايين..ولا يستشهد سوى من لا يأتيها من بعيد
يجرح ويعطب ويصاب من يقيم فيها،
من آلاف السنين
قبل الهيكل وبعده
قبل الجنود وبعدهم..
يقيمون في بيوتهم، لأنها دليل خارطة لبيوت الله كلها
وعتبات بيته الكبير..
هنا والآن تحتاج القدس إلى السلام.
لاشيء في القدس، الآن، مستعجل
بعد الغضب والشهادة
سوى السلام!
والسلام لا يتفاوض حوله الأنبياء
إنهم يعيشونه في طمأنينة الخلود في رحاب الله تعالى وعلا
السلام يصنعه المحاربون
الذين يدفعون الدم
والذين يسيلونه
الذين يدافعون عن الحق
والذين يطأون على من ينادي به..
لا شيء مستعجل لمدينة السلام أكثر من استرجاع بهاء اسمها..
فالسيدة التي تقف بجسدها، متراسها الأخير، في وجه الجنود
لا تغضب سليمان
ولا تغضب مو«سى، لكنها تغضب رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
فالأمر واضح، الذين يحرسون شعلة الأنبياء هم المدنيات والمدنيون في القدس وفي حي الشيخ جراح.
لا بد للقدس من دولتين، كي يستطيع الأنبياء السهر بسلام في مسائها وكي لا تكون السماء شاغرة، كما لو أن حظر التجول الاستعماري يصل إلى الطبقات العلى..
لا شيء سوى السلام للقدس
وإنصاف الضحايا وتوقيف الميز العنصري..
نحن نعرف بأن الديبلوماسية لن تعوض الغضب والألم
والرغبة في الشهادة، ولكن الدبلوماسية الآن، في مجلس الأمن وفي الأمم المتحدة، هي الطريق لكي نحول المسيرات والتظاهرات والشعارات، في ظرفنا الوبائي، إلى خطاطة لحماية المقدسيين والمقدسيات…
لحماية فلسطين …
للقدس سلام!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *