اقذفيه في يَمِّ سبتة، يا أمه!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الطفل بملابسه الصيفية الخفيفة، الواقف خلف طفل آخر في صف الانتظار على شاطئ الفنيدق،
وهو يمني النفس بالأرض السليبة،
لا يعرف الديبلوماسية،
وهو يهاجر، سريا، من طفولته إلى سن الرشد …
له غدو، في مخيلته فوق أراضي الآخرين..
وله زرع ونبات في حقول الآخرين..
وله رغيف في معامل الآخرين..
والمهاجر الإفريقي الذي يتسلق السياج المعدني حول سبتة المحتلة، لا يعرف منه سوى أنه عثرة في وجهه باتجاه أوروبا..
هو بدوره لا يفهم كثيرا في العلاقات الدولية.. ولا في الاتفاقيات المبرمة على موائد التفاوض..
يعرف فقط أنه قادم من جنوب الصحراء، إلى شمال البحر
ومن دول الساحل، إلى الساحل..
يعرف فقط أنه هارب، من فقره الحاضر إلى وهم الخلاص غدا..
لهذا يكون المشهد الذي تطلعنا عليه شواطئ الفنيدق أو رمال المدينة المحتلة، مشهدا ضاربا في الإنسانية الجريحة، إنسانية الهاربين من الحاجة ومن انسداد الأفق…
الهاربين من السياسيين الكذابين، الذين يوزعون البلاد بينهم ويوزعون الوعود على الفقراء
ويوزعون صكوك الجنة حينا
وقفف الإحسان أحيانا كثيرة..
وقبل أن نطرح سؤال الهجرة، بمصطلح السياسة والجيواستراتيجية، ونعلق على صواب الخطوة أو خطأ القرار،
ننظر مليا في آلاف القاصرين
وآلاف الشابات
وعشرات العائلات تودع أبناءها… إلى البحر

كل مغربية هنا، أم موسى:
فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ
فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ…
ولنتأخذ**** من بعد الحرس المدني المحتل، وليعده إليك
وأعيدي الكرة مرات أخرى..
وإذا خفت عليه الضياع في بلاده
وخفت عليه البطالة
وخفت عليه مستقبلا شبحا غير مضمون
فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ ..
وانتظري، ولا شأن لك بالديبلوماسية
وفي غيرها من قاموس العالم الحديث والنزاعات بين الدول!
في خضم اليم، هناك مع ذلك السياسة
فقد ظهر بالملموس، أن ساعة واحدة من ال«الاستراحة المغربية » قد تجر على دولة إسبانيا، ومن ورائها أوروبا، سيلا بشريا كبيرا، واتضح أن هذا المجهود اليومي، وعلى مدار الأسبوع، وعلى مدار السنوات، ثم على مدار الأعوام والعقود، يمنع من وصول إفريقيا إلى أوروبا..
وأن جنوب القارة العجوز عليه أن يحسب حسابا عسيرا للمال في القارة السمراء ويحي المغرب على ما يفعله لأجله.
لنا معضلتنا الاجتماعية والإنسانية في الهجرة، لكن الدور المغربي هو ألا نحمل القارة، وفي مقدمتها إسبانيا، حالتنا الإنسانية، في وضوح النهار وفي جنح الليل…
ولا أحد يمنع المغاربة، بحسهم الفطري، أن يسألوا صاحب القرار الإسباني : ماذا لو أننا عممنا حالة إنسانية واحدة، وجعلنا من مهاجر سري مزور، مهاجرين وتركناهم يدخلون سرا إلى إسبانيا، كيف يمكن أن يكون المشهد، ولا سيما أن المغرب ليس بحاجة إلى قرار تاكتيكي أو استراتيجي، في الأمر.
يكفي فقط أن يغمض عينيه ساعة واحدة!
من الأكيد أن سلاسل البشرية الراغبة في فتح ثغرة في السياج الأمني الترابي والمائي حول السليبتين، تؤلمنا وتهز كياننا، ولا يمكن للعجز الإسباني أمام التدفق الكبير للمهاجرين أن يواسينا عن عمق الهزة النفسية التي تطالعنا ونحن نشاهد صفا من أطفالنا، بملابس صيفية أو نصف عراة يتجهون نحو الحدود، في نهاية أسبوع يليها التمدرس المعلق …
كما أن المغرب، ليس دولة للابتزاز، حتى وإن لم يأمر بها ولم تسؤه، لكن من حقه على جيرانه أن يقدروا مجهوده لحمايتهم من بؤس العالم.. ومن بؤس أبنائه..
ومن حقهم أيضا أن يقدروا مجهوداته في استضافة الأفارقة واحتضانهم وتمتيعهم بإنسانيتهم التي هدرتها الطرقات والمسالك والمفازات القاهرة التي تصل بين المغرب وبين بلدانهم.
قدر إسبانيا أن تكون الأندلس الدائمة، وقدرها أن تكون بجوارنا، نحن الذين أحرقنا مراكبنا للدخول إليها.
وقد يحرق الأفارقة معنا المراكب، ونحن على مرمى ذراعين، سباحة حرة، وعلى مرمى قدمين من مدينتنا السليبة وشقيقتها في الأسر..
ولا تستطيع إسبانيا أن تحرمنا من أرضنا، اليوم أو غدا، لكن عليها أن تحرم نفسها من الزهو الاستعماري، والزهو الأوروبي الغني عندما تنظر جنوبها..
المغرب يلتزم بشرف اتفاقيته، وعلى إسبانيا أن تسأل نفسها عن حدود الشرف في التزامها بالاتفاقيات وبما تكتسبه من ذلك، وعلى عقلائها أن يحرروها من انتهازية استعمارية لم تعد تصنع جوارا استراتيجيا ناجحا..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *