والآن ماذا بعد مثول إبراهيم غالي أمام القضاء الإسباني؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

المغرب ينتظر موقفا صريحا بعدم استعمال الانفصاليين ضده، كما فعل و يفعل هو مع إسبانيا..

المغرب يميز بين خطأ الحكومة الحالية وبين قوة العلاقة مع الشعب الإسباني وعقلائه وقواه العادلة..

يستمع القضاء الإسباني، يومه الثلاثاء، إلى زعيم «البوليساريو» إبراهيم غالي في إطار تحقيقين حول ارتكاب أعمال «تعذيب» و«إبادة جماعية»..

 

بمثول زعيم البوليزاريو أمام القضاء الإسباني، تكون إسبانيا اعترفت قضائيا بخطأ سياسي، واستراتيجي وأخلاقي.
مثول المدعو الغالي باسمه الحقيقي ووجهه السافر وبأوراقه المعترف بها، هو دليل أن محاولة تبييض وجوده الفظيع بتزوير هويته لم تنجح، وهو اعتراف بأن إسبانيا قدمت الحجة التي طالما أنكرتها بخصوص ضيفها السري …
ولاشك أن المغرب سيرى الانتقال من الإنكار إلى محاولة التبرير، إلى ادعاء الإنسانية وراء القرار بالاستضافة، إلى محاولة تسويغ تهريبه بالحجة الطبية، ثم أخيرا القرار الإسباني باستدعائه، هو تطور يقتضي الإقرار أنه حصل، لسياق معروف وفي ظروف معروفة.
هل هذا كاف؟
كلا ..
فنحن نعرف بأن القضاء بيده الجزء الأساسي من الحل، بوضع حد نهائي لازدواجية السلطة السياسية ومحاكمة المجرم بجرائمه وتحويله إلى السجن، والتعرية عن الوجه القبيح لتنظيم سياسي وزعمائه الذين يقترفون، برعاية سياسية معروفة، أفظع الجرائم.
ستتعدد السيناريوهات:
– يمكن أن يبرأ المجرم بالقضاء، في ترتيب سياسي قانوني يثير الشبهة، وتكون المحكمة التي لجأ اليها المتقاضون هي السبب في حرمانهم من عدالة أثبتوا كل ما يدل على انتهاكها والإجرام في حقها.
– يمكن أن يذهب القرار الى التمطيط، إلى حين توفر شروط صحية أخرى، تستدعي من الطرف الجزائري تغيير قطع الغيار الانفصالية وتكليف أخرى بقيادة البوليزاريو، وهو سيناريو لا يهم المغرب في شيء لأن الجريمة التي يتابع بها الزعيم الانفصالي متولدة عن مشروع إجرامي كبير هو الانفصال، وليس العكس.
وبالتالي فإن إنهاء الانفصال ومشاريع معاداة المغرب، هي الأهم، وليس إنهاء من يقودها اليوم في تاريخ الناس هذا…
– يمكن لإسبانيا أن تترك القضاء يسير بالاتجاه الذي سار فيه في قضايا مشابهة، وبالتالي يكون قد عرى الوجوه التي كان يقدمها للرأي العام الإسباني بأنها لرجل ولأناس لهم قضية وللإسبان «عقدة ضمير» وهمية إزاءهم…
فالمحاكمة إثبات سلوك سياسي لإسبانيا سانشيز، وعليها أن تذهب بالمنطق إلى أقصاه، وهو الاعتراف بكل الضحايا الآخرين وما يترتب عن وجود أشخاص من قبيل الغالي..
وبعد ذلك وقبله، نعود إلى ما سبق وقلناه: لاشيء سيعود كما كان، لأن شيئا ما قد تكسر.. في مقالة «إسبانيا ونحن» المنشورة منذ أسبوع قلنا إن الثقة تكسرت وإعادة بنائها يتطلب زاوية نظر جديدة للغاية.
أشياء كثيرة تكسرت على ضفتي الأبيض المتوسط، ولن يعاد إصلاحها بالتقاليد السابقة للديبلوماسية المعروفة، والثقة أول شيء تكسر بيننا وبين مدريد.
فقد استقبلت العدو رقم واحد للمغرب، زعيم الانفصاليين، والذي أعلن الحرب على المغرب بمناسبة تطهير معبر الكركراتوقبله وبعده..
عندما استقبلته إسبانيا، تكون قد أعلنت الحرب على المغرب، باحتضان المحارب الذي يتوعد المغرب صباح مساء، ثم باستقباله تكون قد وضعت نفسها في الخانة التي توجد فيها الجزائر منذ بداية النزاع.
وهي ثاني محتضن، الآن، للغالي: لقد ادعت بأنها تحتضنه طبيا وإنسانيا، لكن بتصعيد الرد على المغرب تكون قد كشفت الاحتضان السياسي والديبلوماسي، وغدا ربما العسكري، بعد أن تكون المساعدات الإسبانية للانفصاليين قد تحولت من اليورو إلى الدبابات الروسية.
وعندما تحدث كثيرون منا عن عشرة ملايين يورو سنويا كدعم، مما يسمح بشراء عشر دبابات روسية في السنة..كانوا على الحق الآن اكثر من اي وقت مضي..
لقد تكسرت أيضا أعراف سياسية في المتوسط وزوايا نظر، كانت إلى حدود الأمس تحدد توجهات الريح والديبلوماسية في الحوض المتوسطي، حيث أن إسبانيا التي كانت مطالبة بالإجابات، صارت تطلبها من السفيرة المغربية.
وإسبانيا التي كان عليها أن تقدم إجابات عن استقبال العدو رقم واحد، بدأت تهرب إلى الأمام، وتبحث عن تغيير معطيات المشاكل وأساساتها، بالبحث في اتفاقية الهجرة، عن مطالب للمغرب، أو الزج بالاتحاد الأوروبي في الحرب ضد المغرب…
إسبانيا، في شخص حكومتها، كسرت توافقات داخلية كبيرة حول أولوياتها الخارجية، واستفرد بيدرو سانشيز بالمواقف الانفرادية المعادية للمغرب، ولم يستشر حتى مكونات بلاده، كا عبرت عن ذلك بلانتينا فيرو، الناطقة باسم المعارضة في البرلمان الإسباني، والتي اتهمت سانشيز بأنه ساير بوديموس الراديكالي في قضايا تهم »أجندة الدولة« الخارجية…
المغرب له معضلة ثقة اليوم يميز فيها بين القوى الصادقة والقوى الحية والشعب الإسباني، وقد بينت مواقف شخصيات إسبانية تقديرها وحبها للمغرب،و انتصارها للتوازن المغربي الاسباني ،ولا يمكن اتهامها بأنها لا تحب بلادها، وتبين بأن المغرب له علاقات قوية مع الفاعلين و الذين لم يتأثروا بالأجواء التي خلقتها حكومتهم معنا..
هناك عمق في المشكلة، وعلى الحكومة الإسبانية التي شوشت عليه أن تخلق ظروفا أخرى لتجاوزه، ليس أقلها الإعلان الرسمي عن خطئها وعن انحيازها للمعطى الجديد في المنطقة، وأن تكف عن اعتبار أن طموحها الوحيد في المنطقة هو معاداة المغرب أو العمل من أجل تحقيق طموحات أعداء المغرب…
ينتظر المغرب المعاملة بالمثل، بنفس السمو الأخلاقي وتقدير المصالح المشتركة، بنفس المعاملة في رفض تشجيع الانفصال عندنا كما فعلنا بالانفصال عندهم..عكس ما تقوم به الحكومة الحالية في مدريد، وقد سبق للخارجية المغربية أن طرحت السؤال في بداية الأزمة وفي وسطها لم تتلق عنه أي جواب، والحال أن أدبيات الديبلوماسية المغربية تحتفظ بتواريخ أساسية في هذا الباب:
لم يفتح أبوابه للانفصاليين ولا فتح قنوات اتصال معهم ولا قام بذلك بدون إشارة إسبانيا، كما حدث في 2017 لزعيم كبير الانفصاليين الكاطالانيين…
ينتظر المغرب قراءة مغايرة لقرار الولايات المتحدة بالاعتراف السياسي على الصحراء…
ينتظر المغرب تعاملا يليق بقوة ما قدمه من تضامن، والكف عن استعمالات استفزازية مع كل وضوح ديبلوماسي أو صراحة تشاركية أو علاقات في قراءة استقرار غرب المتوسط..
لابد من أن تكون المحاكمة، أيضا، محاكمة منذورة للتاريخ .. أي تحول صريح نحو مصلحة البلدين وليس اعتماد الاستفزاز كأسلوب إقناع…
وللرأي بقية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *