الثقة والفساد في النموذج التنموي الجديد ؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

استهلال لم يكن منتظرا

أكد المغرب خلال أشغال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي خصصت لموضوع مكافحة الفساد، أنه بالرغم من النجاحات التي تحققت على مستوى العالم في هذا المجال فإن بلوغ الأهداف التي حددتها الاتفاقية الأممية والاتفاقيات الإقليمية ذات الصلة لم يرق إلى المستوى المطلوب.
وسجل رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، في كلمة باسم المغرب خلال هذه الدورة التي عقدت بصيغة افتراضية من 2 إلى 4 يونيو، أن الفساد “أصبح أكثر تفشيا وتعقيدا، وتأثيره أكثر حدة على اقتصاد الدول بحكم اختراق المفسدين لكل ثغرات أنظمة التدبير العمومي واستغلال الإمكانيات الهائلة التي يتيحها النمو التكنولوجي وتطور الآليات والشبكات المالية العالمية، مبرزا أن ذلك يستدعي مواصلة الجهود، لا سيما في ظل الظروف الاستثنائية التي يعرفها العالم جراء انتشار جائحة كوفيد 19”. وأوضح بلاغ للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أول أمس الأربعاء، أن الراشدي اعتبر أن تحقيق نتائج ملموسة في مجال مكافحة الفساد رهين باعتماد مقاربة استراتيجية وشاملة تجمع بين التوعية والتربية والوقاية والزجر، مع تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة.
***
سادت أزمة الثقة، اصطلاحا ولغة ونسقية، على تقرير لجنة بنموسى، وذلك من الشعار الذي عنوانه، تفاصيل المقترحات التي جاء بها.
وقد تكررت كلمة ثقة، سلبا أو بالدعوة إلى إعادة بنائها، واحدا وأربعين مرة41‪.. مقابل ذلك، فإن الفساد، لم ينل حظه من اللجنة سوى 3 مرااات!
إحدى المرات فيها جاءت على لسان مواطنين، أي كتعبير من مشارك في الحوار الوطني…وهو بذلك وصف حالة جاء مقترنا بالموضوع المتعلق بالغش الضريبي.
وتقول العبارة المواطنة إن»الفساد والغش والمحسوبية في تحصيل الضرائب هذه هي المشكلة.»( انظر الصفحة 20) من التقرير.
وهنا، مقارنة مع عدد المنخرطين كأفراد في الحوار، يبدو الاهتمام هزيلا للغاية، نحن أمام حالة واحدة من بين 9.700 شخص شاركوا مباشرة في الحوار.
وفي المرتين الأخريين، وردت كلمة فساد، مقرونة بسياق أوسع…
والملاحظ أن العبارة شاملة تتحدث عن «المناطــق الرماديــة وجيــوب الفســاد والمصالــح الفئوية»، وهي تصف مقومات وضع « إطار لترسيخ الثقة والمسؤولية» كما تم التنصيص عليها في ص 64.
ووردت الكلمة مجددا عند الحديث عن تأمين المبادرة المقاولاتية، ضمن عبارة «بــؤر العرقلــة وعــدم الثقــة والفســاد» وما يصاحبها من نقــص الشــفافية فــي قواعــد اللعبــة الاقتصاديــة…
والواضح أن العلاقة جدلية بين الفساد والتراجع والخصاص المسجل في الثقة، تجاه جميع مناحي الحياة.. العامة.
ومن الواضح أيضا أن اتساع رقعة الفساد هو أحد الثغرات الواسعة التي تتسرب منها أزمة الثقة في مكونات البلاد وسياساتها ومبادراتها…
الفساد ، نظام ورجال.
‏ un systèmes et des hommes…. »تعبــئة الطاقــات بــكل تنوعها أن يكتفي بثلاث عبرات واسعة المعنى ومبثوثة في تخوم النص النهائي، لمواجهة معضلة تمس جوهر تدبير العلاقات بين مكونات يهيكلها فساد العلاقات وأزمة الثقة ؟«
هو « الشــعور بالانتمــاء إلــى أمــة تعــد مــن بيــن أعــرق الأمــم في العالــم» والذي « يشــكل أحــد الدعامــات لبنــاء مســتقبلنا المشــترك»، يمكنه أن يقفز على وقفة مطولة ونسقية حول معضلة الفساد؟
..
والوضع الحالي يعد الشروط لإخراج يساير إرادة ملك البلاد في تطهير الدولة والإدارات والحقل السياسي ومراكز القرار من كل أنواع العرقلة والتعطيل، هل نخلق شروطا كافية بالفعل لكي يحدث « التــوازن بيــن دولــة قويــة وعادلــة ومجتمــع قــوي ودينامــي».
كيف يمكن للفساد والمفسدين ألا يسقطوا المشروع النهضوي الكبير والتنموي غير المسبوق، ونحن نرى في الآونة الحالية مشاريع الإفساد تتجول في الدواوير والمداشر والحارات والقرى، في المدن والحواضر، كما لو أنها تقتفي خطوات اللجنة وهي تنصت للمواطنين وتقترح عليهم نماذج «التقفيف» الجديد للبلاد ولسياساتها؟
ألا يستحق بالفعل اقتراحات تتجاوز الإرشاد القانوني إلى تفكيك بنية الفساد والمفسدين، وتقوية المجتمع وتقديم المساعدة له لأنه في خطر؟
في مجتمع يتهدده الفساد والمفسدون، تدرك الدولة القوية، بعد قرون من إضعاف المجتمع، أن قوتها وقوته ضروريتان للمستقبل، ومتلازمتان لبناء زمن مغربي آخر، بل هي التي تعمل على تقديم مساعدة لمجتمع في خطر؟
لقد عاش المغاربة مسارات قضائية وأخرى سياسية، كان محورها الفساد بكل تجلياته، وراكم المغرب تجربة غير يسيرة في مجال إعلان الحرب على الفساد، والمفسدين، كما أن فضاءه الوطني العمومي يعرف مركزية شبه ثابتة لهذه الموضوعة، وقد أشار التقرير إلى أنه «وعلــى امتــداد مراحــل إعــداد هــذا التقريــر، تــم التعبيــر بشــكل صريــح عــن العديــد مــن الانشــغالات لدى كل المشاركين، المواطنــون والأحــزاب السياســية والفاعلــون المؤسســاتيون والاقتصاديــون والشــركاء الاجتماعيــون وممثلــو المجتمــع المدنــي والهيئــات الكبــرى»، فهل يكون الفساد قد حظي باهتمام لا يزيد عن ثلاث مرات، في نفس الوقت يبقى فيه الريع، «هو أعقل أشكال الفساد وأكثرها قانونية؟».
المواطنون، ومعهم كل القوى الحية وأقوياء النفوس يعرفون أن الفساد يتجول الآن، في كل المناطق يحمل القفف ويحمل الوعود ويحمل نماذج أخرى غير نموذج التنمية الذي اتفق عليه الجميع وثمنه الجميع وشكره الجميع، من أبسط مواطن إلى أعلى هرم السلطة، اليوم يتعرض لتحرش سياسي من المفسدين، ويعرفون أن الدخول إلى تفكيكه من الداخل يمر عبر إحدى الأدوات الأساسية لعمل المجتمع أي السياسات وصناديق الاقتراع…
في اليوم الذي كان ملك البلاد يستقبل أعضاء اللجنة ويشيد بما قدموه من مجهود وطني وقوة ذكاء جماعي، كان مرشحون معروفون يجوبون الدوارير والجماعات ويقدمون مقترحاتهم للخمس سنوات القادمة..أي لنفس المدة المقترحة لإنضاج النموذج وإنجازه…
هذا أمر يسائلنا..….
ولا تخلو جلسة من الجلسات الموضوعية والمفتوحة بين المغاربة دون سؤال مقلق وممض: أبهولاء يمكن غدا إنجاز هذه القفزة الحضارية، التي يملك المغرب مقوماتها، حقيقة، ولكن تعطلها مشاريع الفردانيات القاتلة والهويات التي لا تقل دموية عنها؟
سؤال نتلقاه من القطاعات الواسعة، ولا يمكن أن يظل في خانة المسؤولية الخاصة للمواطنين بل لا بد من قسوة القانون وقوته في تمنيع المجتمع وتأمين مسارات تفعيل هذا النموذج…
هناك طبيعة اقتصادية للفساد وهناك طبيعة سياسية له، كما أن له طبيعة حزبية وطبيعة أخلاقية وطبيعة إدارية، وهو بذلك نسق يستوجب حلا نسقيا أكثر من توصيفات محدودة مهما كانت بلاغتها وقوتها..
ما يفسد المجهود الوطني، أيضا، هو القدرة على التنكر لقاعدة الانطلاق الجديدة، من القوى السياسية التي قادت نصف المرحلة التي قطعناها والتي همت التقرير المقدم للملك، قوى تعتبر بأن زاوية نظرها هي التسجيل العلني للتراجعات التي شكلت مادة وجودها في قلب الدولة.
وليست هناك ثقة يمكن أن تنهار أكثر من ثقة المصلين في المسجد عندما يقول لهم الإمام، يا أهل المسجد أعيدوا صلاتكم إن الصلاة وراء الكافر حرام..
وهو هنا كافر بالخيار الديموقراطي بعد عقد من الزمن..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *