من كانت هجرته إلى أزمة يعممها، فهجرته إلى ما أراد!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

كانت سنة الوباء، سنة لاكتشاف البحر، واكتشاف قوة النموذج السياسي في تبرير الأزمات وإن كانت متراكبة..
لا يمكن أن نقرأ المبادرات ذات الصلة بالهجرة والمهاجرين، في القرار المعلن عنه باستقبال القاصرين غير المرفوقين، أو في تسهيل عملية العبور وشروطها المصاحبة خارج السياق العام الذي وردت فيه، وفي قلبه الأزمة بين إسبانيا والمغرب.
كان قرار الاتحاد الأوروبي المنحاز والمتعالي، قد ربط، في عنوانه، الأزمة بما سماه «انتهاك حقوق الأطفال »المهاجرين، وكان واضحا أن الأسبانيين أرادوا جعل الأطفال المغاربة «صك» اتهام ضد بلادهم. فالأمر لا يتعلق بأطفالنا فقط، كما هو واضح، لكن كان الخبث الأوروبي يجعل من القاصرين شهود إثبات ضد بلادهم، ولهذا كان المغرب يريد أن ينزع ورقة الهجرة، من يدي الفضول الأوروبي، كانت الرسالة قبل صدور القرار، وما زالت، متواصلة، ورافع المغرب عمليا وليس بالبلاغات، لحل معضلة تتحمل الدولة الأوروبية قسطا وافرا من المسؤولية في بقائها عالقة.
لقد سقطت الورقة الأوروبية، والآن سيكون العالم متابعا، لا فصولا جديدة في الهجمة الإسبانية على بلدنا من زاوية القرار، بل من زاوية ما اقترحه المغرب كحل بدعوته إلى استقبال أبنائه القاصرين.
سيتضح أولا أن الدول الأوروبية المعنية عاجزة عن توفير شروط ترحيلهم، وسيتضح ثانيا أن الأمم المتحدة صاحبة الرأي في القضية (الطفولة والهجرة) ستكون أمام لوحة واضحة المعالم، وسيكون عليها أن تعالج الوضع من زاوية صلاحياتها التي اندس فيها البرلمان الأوروبي بدون وجه حق.
العنصر الآخر، يتعلق بتعليمات الملك إلى كل المتدخلين لحل معضلة العودة.
عندما تعلق الأمر بأبنائه، لم يتردد المغرب في إيجاد الحل الذي مازالت الدول الكثيرة، بالرغم من امتلاكها للأسطول البحري الكبير والأسطول الجوي الأكبر، تتلعثم في حله.
القرار يدخل في سياق استمرارية الاعتداد بالمغربي والمغربية كجوهر للسيادة والسياسة العمومية، وأيضا في إطار إعطاء دليل ملموس على التحولات الجوهرية التي يريد المغرب إحرازها على براديغمات الحكم. وبلغة أخرى، مقدمة لما سيكون عليه مغرب النموذج الجديد …
والنقطة الثانية، هي أن المغرب يعامل أبناءه المهاجرين من زاوية القرار السيادي الأول، ولسان حاله هو:هذا هو تعاملنا مع أبنائنا المهاجرين، وهذا تعاملنا مع المهاجرين عموما ..
لقد أرادت قوى مناهضة تغليف الأزمات الحقيقية معها بأزمة حول الهجرة..ونجحت الآلة المعادية إلى حد ما في استدراج البرلمان الأوروبي ليرى نصف الكأس الفارغة…
وعليه، فخطوات المغرب تعطيه وضعا مريحا في استعادة مبادرته في هذا الباب:
أولا، بتركيزه على عودة القاصرين من الدول الأوروبية.
ثانيا، بإسقاط هذه الورقة أمميا والتركيز على حصرية الملف بين يدي المقرر الأممي لحقوق الطفولة واليونيسيف.
ثالثا، ننشر في هذا العدد خبر إدانة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، لإسبانيا، بسبب انتهاكها لحق الأطفال المغاربة في التعليم بمدينة مليلية المحتلة، بعد شكاية تقدمت بها والدة طفل مغربي مزداد في المدينة المحتلة سنة 2013 تم رفض التحاقه بالمدرسة. مما يكشف أن إسبانيا بذاتها في حالة دفاع في قضية فردية، وأن ما تم تسويغه أوروبيا لا يتم هضمه دوليا.
رابعا، حل المغرب لمعضلة المهاجرين في كل جهات العالم، وفتح سمائه وبحره لعودتهم، فيه درس بليغ عن تقدير المغرب للهجرة والمهاجرين، وليس استعمالهم كورقات للضغط السياسي أو الجيواستراتيجي.
بل يمكنه أن يتسامى، من خلال استفادة كل المهاجرين الأجانب، بمن فيهم الأوروبيون، من مجهودات في التلقيح وفي خلق شروط جيدة..للإقامة في ظروف مقلقة عالميا…
إن ما تكشفه المبادرات في مجال الهجرة يتجاوزها بكثير للغاية، بالرغم من مركزيتها في الهنا والآن، إنه يمس صلب التصور الخاص بالسياسة، والوطنية والعلاقة بين الشعب وقائده، وأيضا قدرة المؤسسات على تدببر مراحل وقضايا حساسة للغاية وغير مسبوقة، قضايا يتراكب فيها الجيو استراتيجي، بالوبائي، باليومي المعيش لقطاعات واسعة من الناس، ويتجاور السياسي فيها بالاقتصادي والإنساني بالجغرافي، والثابت بالمتحول……

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *