كلام عابر في لقاء عابر إلى قاعة الكبار أو تهافت الحكومة الإسبانية

محمد العربي هروشي

كل الأعين والكاميرات وعيون العالم اقتنصت لحظة شرود وقع فيها رئيس الحكومة الإسبانية سانشيث وهو يلتقي في كلام عابر بممر للعبور إلى قاعة اللاعبين الكبار في السياسة الإقليمية والدولية، يتحدث إلى أقوى رجل بأقوى بلد في العالم، وهو يلاحقه في ثوان معدودات، عن مشاكل إسبانيا مع الجارة الجنوبية، المملكة المغربية وعن أشياء أخرى.
وزاد من بهارات السخرية تصريحات وزيرة الخارجية أرانشا التي اعتبرت لقاء كهذا من منجزات الدبلوماسية الإسبانية، والتي إنما ترجمت فقط حجم هذا البلد المتطاوس، الذي قصرت قامة رئيس حكومتها عن طول، فباتت قامة منحنية بلا ظل.
ولست وحدي من علق على الحدث، بل إن الداخل الإسباني من كل المستوايات اعتبر اللقاء مهزلة وrediculo ومسا بكرامة وهيبة الدولة، تم تداول ذلك في البرنامج التلفزي الإسباني La HORA DE LA 1 :LA HORA DE LA MANANA . إن انفراجا في أفق هذه العلاقة السيزيفية بين المملكتين غير ممكن، والتي تجر معها قرونا من سوء الفهم والتقدير وارتفاع منسوب التوجس لدى أصدقاء محارب الطواحن الهوائية ثربانطيس.
يبدو أنهم لم يستفيدوا من حكمة سذاجة فارسهم الثاوية في ثنايا سخريته اللاذعة، فقد كان حريا بالحكومة الإسبانية بعد سقطتها الفظيعة دبلوماسيا مع جار تربطه به مصالح حساسة ومتعددة من المطبخ إلى بوابة الأمن من لهيب انفجارات الإرهاب إلى التدفق الجارف لدول الساحل وقلب آسيا جراء اختلال التوازن بين الشمال والجنوب.
كان حريا بالحكومة الإسبانية أن تنصت للمعارضة، على يمينيتها ،مترجمة في الحزب الشعبي وتلجأ بحكم الدستور الإسباني إلى عاهل البلاد فليبي السادس ليفتح باب الحوار والتفاوض مع ملك المغرب محمد السادس لوضع حد لهذا التوتر والبحث في هدوء عن حلول واقعية وعن احترام إسبانيا، قولا وفعلا، لجارها الجنوبي، عوض أن تلجأ إلى أوروبا ودولنة التوتر لاستصدار قرار أخرق، وهو ضم الثغرين السليبين لشينغن وفرملة القرار الأمريكي بالاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء «الغربية».
محاولة يائسة بالرغم من قرار الإدانة غير المتوازن المستصدر من الاتحاد الأوروبي، حيث اعتمد على نصف الكأس الفارغة، ولم ير سوى قصر يقتحمون سبتة، وغض العين اليسرى عن التنكيل والقمع الشرس الذي واجهت به القوات الإسبانية من كل صنف هؤلاء الأطفال فحضرت حقوق الطفل هنا وغابت هناك؟
ثم إن إسبانيا لا تريد أن تقتنع بأنها من بقايا بلدان الاستعمار القديم، وقد آن الأوان وبندية متكافئة، أن نطالبها بتصفية الاستعمار عوض أن تلهي العالم باختلاق مبررات واهية في الصحراء المغربية، والتي أضحت قضية مقضية بقوة الواقع وبحكم، أيضا، ما قدمه المغرب من اقتراح معقول منح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، والذي وجد فيه عقلاء العالم صيغة مثلى لاستقرار المنطقة وأمنها .
إن الدعم الذي استصدرته إسبانيا من الاتحاد الأوروبي ينسى بأن مصلحته كليا مع المغرب تترجمها الأرقام وليس العاطفة، إذ يعتبر المغرب الشريك الأول له من خارج أسوار الاتحاد الأوروبي بما يحصل عليه من واردات تغطي 66,7 في المئة، فيما المغرب يستفيد أيضا من صادراته التي تصل إلى 53.1 في المئة وإذن هنا مربط الفرس، ليست مصلحة الاتحاد أن يتخذ هذا الموقف لأنه أولا يخلق شرخا داخليا في مكوناته إضافة إلى ما يعانيه بعد خروج بريطانيا، كما أن للمغرب أصدقاء، وقد أبان التصويت فرزهم، وبناء على ذلك يجب مراجعة السياسة الخارجية المغربية وإعادة صياغة العلاقات وفق خريطة جديدة ضمن الآفاق المفتوحة في وجه المغرب مع قوى دولية وإقليمية جديدة ستكون محور التقاطبات الإقليمية والدولية الجديدة.

 

 

الكاتب : محمد العربي هروشي - بتاريخ : 19/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *