البحث عن الثقة المفقودة!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

تم إحداث لجنة مركزية تتألف من وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ورئيس النيابة العامة، حسن الداكي، إلى جانب لجان جهوية وإقليمية على صعيد عمالات وأقاليم وعمالات المقاطعات وجهات المملكة، للسهر على تتبع العمليات الانتخابية المقبلة وضمان شفافيتها ونزاهتها، من خلال الحرص على التصدي لكل ما من شأنه المساس بحرمة الانتخابات ومصداقيتها.
في الواقع، إن أفضل أمنية، وأنفس مبتغى، هي ألا تجد هذه اللجن، المركزية منها والجهوية، ضرورة للعمل!
إن المشهد المثالي هو ألا يجد الأعضاء فيها ضرورة إلى التتبع من زاوية الاتهام، والمتابعة من زاوية التجريم.
غير أن هذا حلم طوباوي يفترض أن يتقيد جميع المشاركين بقواعد اللعب النظيفة، وأن يحتكم الجميع إلى الهدف الأسمى المنتظر اليوم من الاستحقاقات.
وبعيدا عن الطوباويات الشاعرية، فإن هذه الفقرة المأخوذة من بلاغ لرئيس النيابة العامة، قد تبدو مألوفة، ومعادة، باعتبار أنها كانت تدون في كل البلاغات السابقة، كلما حان وقت الاستحقاقات.
تلك الاستحقاقات التي كانت منبعا لانعدام الثقة وتراكمت بسببها، وبأسباب أخرى تتعلق بتدبير المسؤولين وآليات مراقبتهم، كل أعطاب الثقة في بلادنا.
ومع ذلك، فإنها فقرة تكشف النية في السعى إلى ضمان النزاهة والشفافية والتصدي للمس بحركة الاقتراع.
نحن أمام الوسيلة والغاية، أمام الوظيفة والهدف…
بمعنى الإعلان باسم الدولة عن تحقيق الثقة في الاقتراع بواسطة وظيفتي الضبط والمراقبة…
في الواقع، بالرغم من أن إعلان الإرادة مألوف، فإن السياق الذي ياتي فيه الاقتراع يختلف تماما عن سابقيه.
أولا، أهم عنصر هو أننا نترقب واقع ما بعد الوباء وقد أوشكنا على الخروج من معركة الكوفيد.
سنبدو كجنود خارجين من ساحة حرب، منهكين، أكثر ميلا إلى التقوقع، محتفظين بغير قليل من حركات الحجر وسلوكاته…
لوحده هذا الامتحان يشكل عقبة، ونحن نرى النسب التي تسجل في محيطنا الأورومتوسطي، والتي تربك كل عناوين الثقة وتزعزعها.
ثانيا، نحن نخوض الاقتراعات، وأزمة الثقة قد صارت بنيوية، رسميا معلنة، ولن نعود إلى كل تفاصيل هذه الأزمة المتعددة الأبعاد، ولا إلى أسبابها: لقد اختارت الدولة أن تقول الحقيقة من خلال تقرير النموذج التنموي الجديد، واختارت أن تعنون هذا التقرير بضرورة استعادة الثقة…
هل ستكون الثقة وبناء الثقة قبل مراقبة وضبط السلوكات المؤدية إليها، أم أنها، كما استخلصنا أعلاه، ستدعم مجهودها التشريحي بالضبط والمراقبة؟
وما هي درجات الرقابة والضبط؟
وفي هذه الثقة المفقودة، كسؤال وطني وليس سؤالا حزبيا أو تنافسيا.
فنحن نخوض الاقتراعات المرتقبة، وقد استنفدنا احتياطاتنا من الحلول التي كان يقدمها النموذج التنموي السابق.
ثالثا، نخوض الاقتراعات ونحن مطالبون بتأمين المسار السياسي المصاحب لتنزيل النموذج وخلق أولوياته، وأساليب تفعيله وثقافة تفعيله قبل كل شيء.
والحال أننا بالعودة إلى الدستور، الذي يشكل الإطار الفعلي لهذا النموذج، نسجل، مع الأسف، أن الممارسة السياسية – من خلال المكون الحزبي أساسا- لم تتوفق كليا في تطبيق إمكاناته المتقدمة والتقدمية.
لقد تم تعطيل الدستور بالممارسة السياسية وتعطيل كامل الإمكانيات الواردة فيه.
وهو أمر يحيلنا على القدرة على تقعيد إيجابي للتنافس السياسي والقدرة على تأمين مسارات تفعيل هذا النموذج خلال السنوات القادمة، إذا فشلت آليات الضبط والمراقبة في بناء الثقة المفقودة…
يمكن أن تكون هذه العناصر الثلاثة محفزة على الثقة:
كما حدث مع الوباء، رافقنا المعضلة البشرية بثقة عالية في المؤسسات الوطنية، بكل أبعادها، ولا سيما الأمنية والترابية والطبية والتعليمية، كما يمكن لقوة الصراحة التي طبعت التقرير أن تكون مصدر ثقة، وتحقيق الاقتناع في كون الحقيقة قد تكون وقود الثقة.. يبقى أن تأمين المسارات الانتخابية للنضج السياسي المطلوب مقترن بالدرجة المتحققة في أخلاق المسؤولية لدى المتنافسين…
وهنا ليس لدينا ما يفيد بأننا سننجح في إبراز طاقم جديد للدولة والمؤسسات المعبرة عن المجتمع، أو المناطق المشتركة بين الدولة والمجتمع في الرقي إلى ما أعلناه من نتائج متوخاة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *