ليبيا: الحل ليبي وليس برلينيا

نوفل البعمري

كان لافتا تصريح وزير خارجية المغرب وهو يجيب عن أسئلة الصحفيين حول عدم مشاركة المغرب في قمة برلين 2 بعد أن كان لم توجه له الدعوة لحضور القمة في نسختها الأولى، حيث أوضح أن المغرب يسعى لحل ليبي-ليبي وليس لحل برليني – نسبة إلى مدينة برلين حيث انعقدت القمتان – وهو ما يفسر عدم حضور المغرب رسميا للقمة، إذ الأمر لم يكن مقاطعة لها بسبب الجمود الدبلوماسي بين المغرب وألمانيا بقدر ما كان تجسيدا لاختلاف الرؤى بين رؤية المجتمعين في برلين وبين الرؤية المغربية-السياسية وللكيفية المثلى التي ستتم بها حلحلة الوضع في ليبيا الشقيقة، وضمان نجاح خارطة الطريق نحو إعادة بناء ليبيا على أسس من التوافقات والتفاهمات الداخلية التي ستؤدي إلى الوصول للانتخابات التي ستنعقد في القادم من الأسابيع، وهي انتخابات لا تعتبر غاية في حد ذاتها ونهاية المسار بل بداية الطريق نحو استكمال أسس البناء السياسي والمؤسساتي لليبيا حديثة، موحدة، ديموقراطية.
المغرب وهو يغيب عن قمة برلين 2، لم يكن غيابه مرتبطا، كما ذهبت الكثير من التحاليل، بالأزمة المغربية-الألمانية، بل يعود إلى عدة اعتبارات جوهرية نجملها في ما يلي:
– المغرب، في تعاطيه مع الملف الليبي، ظلت مقاربته تعتمد على منهجية الحوار الليبي-الليبي، بمعنى أن المغرب كان له دور المسهل لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، ودفعها للجلوس وجها لوجه على قاعدة أن ما يحرك المغرب هي المصلحة الفضلى للشعب الليبي ولليبيا، وهي مقاربة دفعت بمختلف أطراف الصراع للوثوق في المغرب خاصة وأن مختلف المباحثات التي تتم تحظى، ومازالت، برعاية ملكية سامية، هذه الرعاية تعتبر واعتبرت ضمانة أساسية للأطراف الليبية، مرحبا بنجاح المباحثات المنعقدة التي يحتضنها المغرب وعلى كونه كذلك لا يسعى لتغليب وجهة نظر طرف على طرف آخر، بل تسعى هذه الرعاية إلى إنهاء النزاع حفاظا على مصلحة ليبيا العليا ووحدتها ووقف كل مظاهر التطاحن، وهو ما تحقق من خلال توقيع اتفاق الصخيرات.
– قمة برلين في نسختيها، وعلى عكس اللقاءات والمباحثات التي تجري وجرت في المغرب التي تعتمد على رؤية حوار ليبي-ليبي، هي قمة تعتمد على مقاربة متعارضة حد التناقض السياسي مع المبادرة المغربية، إذ أن المجتمعين في برلين لا يناقشون حلا ليبيا، بل يتهافتون على الوصول لحل فوقي، يتم فرضه على الشعب الليبي وكأنه مسلوب الإرادة في تكريس لمنطق متعالي ينظر لشعوب دول الجنوب وكأنها قاصرة عن إيجاد المشترك للتعايش بينها.

هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬ألمانيا‭ ‬بالأساس،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتفق‭ ‬معها‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬لحل‭ ‬ليبي‭ ‬تكون‭ ‬قواه‭ ‬السياسية‭ ‬فاعلة‭ ‬وصانعة‭ ‬له،‭ ‬وليس‭ ‬تنظيم‭ ‬لقاءات‭ ‬لالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬وتبادل‭ ‬ابتسامات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬شاحبة‭ ‬عينها‭ ‬على‭ ‬البترول‭ ‬الليبي،‭ ‬والحوار‭ ‬‮«‬على‭ ‬ليبيا‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ليبيا‭ ‬كما‭ ‬يطالب‭ ‬بذلك‭ ‬المغرب،‭ ‬لذلك‭ ‬فمقاربة‭ ‬المجتمعين‭ ‬فيبرلين‭ ‬هي‭ ‬مقاربة‭ ‬خاطئة‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بدعم‭ ‬الليبيين‭ ‬وأدت‭ ‬لغياب‭ ‬الأطراف‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬البرلينية‭ ‬قمة‭ ‬فاشلة‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬مخرجا‭ ‬آمنا‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬
‮- ‬‭ ‬القمة‭ ‬البرلينية‭ ‬تتعاطى‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬تام‭ ‬لمختلف‭ ‬مخرجات‭ ‬المباحثات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬لتوقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬الصخيرات،‭ ‬ثم‭ ‬بعده‭ ‬تنظيم‭ ‬لقاءات‭ ‬ذات‭ ‬مستوى‭ ‬عال‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬وبوزنيقة،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬لقاءات‭ ‬حظيت‭ ‬بدعم‭ ‬أممي،‭ ‬الذي‭ ‬أعطى‭ ‬شرعية‭ ‬للمغرب‭ ‬ليستكمل‭ ‬احتضان‭ ‬الحوار‭ ‬الليبي‮-‬الليبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجاهلته‭ ‬ألمانيا‭ ‬ومختلف‭ ‬الدول‭ ‬المجتمعة‭ ‬ببرلين‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬وكأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬تراكم‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬تحقق،‭ ‬واستطاع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يقرب‭ ‬مختلف‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الليبية‭ ‬التي‭ ‬توافقت‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬بليبيا،‭ ‬وتتجه‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬السلطة،‭ ‬وتوزيعها‭ ‬وبنائها‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬
القمة‭ ‬البرلينية‭ ‬والمتجمعين‭ ‬هناك‭ ‬تجاهلوا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التراكم‭ ‬ويريدون‭ ‬القفز‭ ‬عليه‭ ‬وكأن‭ ‬الوضع‭ ‬الليبي‭ ‬جامد،‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬سياسي،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬ولا‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬العودة‭ ‬لنقطة‭ ‬الصفر‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬شبح‭ ‬الاقتتال‭ ‬الداخلي،‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬دولا‭ ‬معينة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬فوق‭ ‬ليبيا‭ ‬وفوق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬
‮-‬‭ ‬ المغرب‭ ‬له‭ ‬مقاربته‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬حد‭ ‬التناقض‭ ‬مع‭ ‬المقاربة‭ ‬البرلينية،‭ ‬بحيث‭ ‬الخطوة‭ ‬المغربية‭ ‬محصنة‭ ‬بدعم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وبالليبيين‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬قمة‭ ‬برلين،‭ ‬لذلك‭ ‬فمشروعية‭ ‬وشرعية‭ ‬اللقاءات‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬برلين‭ ‬محط‭ ‬تساؤل‭ ‬سياسي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مباحثات‭ ‬متقدمة‭ ‬وتحظى‭ ‬بدعم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وأمينها‭ ‬العام‭ ‬وتأتي‭ ‬ألمانيا‭ ‬لتنظيم‭ ‬لقاءات‭ ‬موازية‭ ‬لنسف‭ ‬اتفاق‭ ‬الصخيرات‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تختزل‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬كعكة‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬المسار،‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬ويحظى‭ ‬بدعم‭ ‬الليبيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬الذي‭ ‬تفطنوا‭ ‬للمطب‭ ‬الألماني‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬يقاطعون‭ ‬برلين،‭ ‬هذه‭ ‬المقاطعة‭ ‬تعتبر‭ ‬تشكيكا‭ ‬وعدم‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬البرلينية‭ ‬وفي‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬هذه‭ ‬القمة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬تعاطيهم‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬توجهوا‭ ‬إليه‭ ‬قبيل‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬البرلينية‭ ‬لإعلان‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬العاهل‭ ‬المغربي‭ ‬وفي‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬وتأكيدهم‭ ‬على‭ ‬استمرارهم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬اتفاق‭ ‬الصخيرات‭.‬
‮- ‬‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬موافقته‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬برلين‭ ‬2، ‬إذ‭ ‬رغم‭ ‬توصله‭ ‬بالاستدعاء‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يبد‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬منها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ملزما‭ ‬بالرد‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬عليه‭ ‬عدم‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بشرعية‭ ‬أممية،‭ ‬ولا‭ ‬بثقة‭ ‬الليبيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وتتناقض‭ ‬مع‭ ‬جوهر‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬أسسها‭ ‬بالمغرب‭ ‬وحظيت‭ ‬بغطاء‭ ‬أممي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬دعمه‭ ‬للجهود‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وهي‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تعززت‭ ‬نتيجة‭ ‬العناية‭ ‬الملكية‭ ‬بخارطة‭ ‬الطريق‭ ‬وبجدية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬ووقوفها‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية،‭ ‬ووعي‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬حل‭ ‬تكون‭ ‬صناعته‭ ‬ليبية‭ ‬خالصة،‭ ‬لذلك‭ ‬فقمة‭ ‬برلين‭ ‬هي‭ ‬قمة‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬شرعيتها‭ ‬لأنها‭ ‬تجري‭ ‬خارج‭ ‬المسار‭ ‬الأممي‭ ‬وخارج‭ ‬غطاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬هذا‭ ‬الغطاء‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬وتجاهل‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬محرز‭ ‬ومنجز‭.‬
خلاصة‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬البرلينية‭ ‬هي‭ ‬خلاصة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يتحرك‭ ‬بقناعة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬إرادة‭ ‬الليبيين‭ ‬وشرعية‭ ‬الصوت‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬جدية‭ ‬أممية،‭ ‬تقودها‭ ‬دولة‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬أية‭ ‬مطامح‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ولا‭ ‬تنظر‭ ‬للأشقاء‭ ‬الليبيين‭ ‬بمنطق‭ ‬فوقي،‭ ‬بل‭ ‬باعتبارهم‭ ‬أصحاب‭ ‬الحل‭ ‬وبهم‭ ‬سيتحقق‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتفاق‭ ‬الصخيرات،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬المقاربة‭ ‬المغربية-الأممية،‭ ‬مقاربة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬منهجية‭ ‬قيادة‭ ‬حوار‭ ‬ليبي‮-‬ليبي‮-‬‭ ‬وليس‭ ‬قيادة‭ ‬حوار‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 29/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *