تجليات المكان/ الفضاء في السينما من خلال نماذج فيلمية مغربية»..

 مقاربة تحليلية نوعية للتجربة السينمائية في المغرب

 

لاعتبارات منهجية هامة وأساسية، هندس الطالب الباحث عبد الإله الجواهري البحث الذي تقدم به لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع « تجليات المكان / الفضاء في السينما، من خلال نماذج فيلمية مغربية» على مداخل ثلاثة في المدخل الأول: شخص وضعية الاهتمام بالسينما المغربية بعين الخبير المتمكن و في المدخل الثاني: رصد حضور مفهوم الفضاء في أدبيات السينما عامة، أما في المدخل الثالث: فقد عمل بوعي محكم على تحديد إشكالية الدراسة، التي جاءت في فصلين أساسين: نظري وتطبيقي، تطلب أكثر من أربع ساعات من المناقشة ليتم منح الطالب عبد الإله الجواهري شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التنويه وتوصية بالطبع صبيحة يوم السبت 3 يوليوز بمدرج الندوات، وقد ساهم في المناقشة الدكاترة: أحمد الغازي عن جامعة ابن طفيل بالقنيطرة وعز العرب العلوي عن جامعة محمد الخامس الرباط وسمير بوزويتة عن جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس وأيوب بوحوحو عن جامعة القاضي عياض بمراكش وعبد الرحيم الحلوي عن جامعة ابن زهر بأكادير وعبد الرحمان طنكول عن الجامعة الأورومتوسطية بفاس.
وللوهلة الأولى، لابد من التأكيد على أن تيمة البحث تعتبر إسهاما جادا في مجال السينما و المكان ما يزال بعيدا عن دائرة الاهتمام النقدي الأكاديمي في بلادنا. لذلك سيوضح الباحث حيثيات اختياره لتيمية البحث الذي انطلق من ملاحظات أولية، ترتبط بتجربة السينما المغربية، وتختزل الوضعية الاعتبارية لهذه التجربة نظريا و أكاديميا.
الباحث الجواهري أبرز أسباب هذا القصور المتمثلة في ندرة الاهتمام بالتجربة من قبل الباحثين و الأكاديميين و النقاد، معتبرا أن منجزاتها لم تحظ على مدى خمسة عقود بالتقييم العلمي والموضوعي. كما أن أغلب المحاولات التقييمية ذاتية و انطباعية و قيمية تتراوح بين السلب و الإيجاب. و فيما تعتبر بعض التقييمات التجربة سائرة نحو التطور، ترى أخرى أنها مجرد محاولات فردية، بدون هوية أو خصوصية جمالية أو فكرية. ( بل هناك من يشكك أصلا في وجود سينما مغربية، و يتحدث بدلا من ذلك عن أفلام مغربية).
انطلاقا من هذه المؤشرات الهامة، وقع اختيار الباحث على دراسة مكون الفضاء، باعتباره أحد أهم المكونات الفيلمية، إن لم يكن أكثرها قربا من خصوصية الفن السينمائي تبعا للمبررات الآتية: أولا. الفضاء مكون جوهري في السينما، لأن السينما فن فضائي بامتياز، حيث يصعب تصور وإنجاز فيلم سينمائي في معزل عن الفضاء. ثانيا، بناء جهاز مفاهيمي لوصف الفضاء الفيلمي، ورصد تحققاته المختلفة، وإعادة تركيبها في بناء منسجم يفسر المعطى، ويغني الجهاز التحليلي والمقاربات النظرية. ثالثا، تُمكن دراسة الفضاء نظريا، من تعميق فهمنا للآليات الإبداعية، وتطوير جهازنا المفاهيمي و التحليلي، و تقوية الممارسة السينمائية المغربية.
و من أجل تجاوز هذه الوضعية، و إعطاء التجربة السينمائية المغربية وعيا نظريا و اهتماما أكاديميا تقترح الدراسة التي تقدم بها الباحث، مقاربة تحليلية نوعية للتجربة السينمائية في المغرب؛ و ذلك باعتماد منهجية تفكيكية تدرس المنجز الفيلمي من الداخل، و تبرز تحققاته اللغوية السمعية – البصرية، و تشكلاته المقطعية و الحكائية و الخطابية. ثم تنتقل إلى التركيب و إعادة البناء اعتمادا على مكون فيلمي واحد بدراسته بكيفية معزولة، كبنية داخلية، و رصد علاقته بباقي المكونات، و إبراز دوره في البناء الكلي للحكاية التي ينبني عليها الفيلم. ثم تطبيق هذه المنهجية على عدد من منجزات الفيلموغرافية المغربية، و تقييمها بشكل موضوعي و ملائم.
و جاء تصنيف البحث في فصلين نظري: ارتكز على أربعة مباحث، جاءت على الشكل التالي: في المبحث الأول، تمت دراسة ثنائية المكان / الفضاء، من خلال الوقوف عند حدود التماس و التداخل و الانفصال بين اللفظتين، لبناء مفهوم جديد للفضاء، يصف تحققهما داخل البناء الفيلمي. حيث انطلقت الدراسة من تمييز فضاء خارجي يتم تصويره، عن فضاء داخلي تنتجه الآليات الفيلمية. في المبحث الثاني، تم التركيز على آليات بناء الفضاء الفيلمي، كتحقق بصري على سطح الشاشة و في عمقها، و خارجها. و قد تم الاعتماد في البداية على بعض التحديدات الأولية المتداولة في أدبيات الدراسات السينمائية التقنية و النظرية و المدرسية. و تتمثل هذه الآليات في التأطير و تحققاته، و في زوايا النظر و مواقع و حركات الكاميرا. في المبحث الثالث، تم التركيز على العلاقة الداخلية للفضاء في السينما مع باقي المكونات الفيلمية ( الزمن – الشخصيات )؛ تلاها تسليط الضوء على العلاقة الخارجية مع الفنون البصرية التي اشتغلت على الفضاء (ٍ التصوير الفوتوغرافي – التشكيل – المسرح – النحت – المعمار – الرقص ). و في المبحث الرابع، عرض ثلاثة نماذج نظرية، و نموذجين تحليليين. مكتفيا بذكر الخطوط العريضة لكل نموذج.
أما في الفصل التطبيقي فقد درس فيه الباحث نماذج فيلمية مغربية متمثلة، في أربعة أفلام وهي: بادس، و طرفاية، و أندرومان من لحم ودم، و درب مولاي الشريف، و الغرفة السوداء، وفق المنهج و الخطاطة التحليلية المتحدث عنهما سابقا، و خلص إلى أن هناك اختلافا في تعامل هذه الأفلام، مع الفضاء الفيلمي، انطلاقا من نوع التأطيرات:
أ- هناك نموذج يهمين فيه التأطير الكلي نسبيا، و يسود فيه الاهتمام بتشكيل الفضاءات المفتوحة ( بادس ). نموذج يتجاوز فيه التأطير الكلي التأطير الجزئي، حيث يتم الاهتمام بالجانب التشكيلي، مع التركيز على الفضاءات المفتوحة في عمق الحقل ( طرفاية ). نموذج يتغلب التأطير الجزئي فيه على التأطير الكلي، حيث يتم الاهتمام بالشخصيات و تأطير الحوارات، دون إهمال الفضاءات الحكائية المؤطرة التي تتموقع في فضاءات شاعرية ( أندرومان ). نموذج يهيمن عليه التأطير الجزئي هيمنة مطلقة، حيث تتراجع الفضاءات المفتوحة إلى خارج الحقل ( درب مولاي الشريف ). ليخلص الباحث إلى وجود أربعة نماذج اختلفت حسب نوعية التأطيرات المستعملة، الكلية و الجزئية، و مدى حضور كل نوع. حيث يتم تركيب الفضاءات في ضوء العلاقة بين النوعين، لبناء الفضاء الفيلمي.
و فيما يتعلق بالفضاء الحكائي، و رغم التنوع السطحي للفضاءات الحكائية، فقد سجل الباحث أنها في العمق محكومة بمنطق قائم على مجموعة من التقابلات، التي تمكن المتلقي من إعادة بناء الفضاء الحكائي، الذي يدركه مجزأ و يعيد بناءه، بإدراك العلاقات العميقة التي تخلق الانسجام بين هذه التقابلات، و من خلال استحضار أدوات التأطير و الربط في الفضاء الفيلمي.
انطلاقا من التجارب الأربع المدروسة، يمكن مساءلة السينما المغربية في علاقاتها بالفضاء؛ لكن الأمر يتطلب مقاربة استقرائية تتناول أفلام هذه التجربة في كليتها. و هو أمر لا يرى الباحث أنه من أهداف و غايات هذه الأطروحة، التي لا تتوخى سوى فتح المجال أمام دراسات مستقبلية متخصصة، تتعامل مع المنجزات الفيلمية من الداخل، بالتركيز أساسا على العلاقات و المكونات، حتى يتسنى امتلاك رؤية أكثر نضجا و وعيا و تأثيرا، لدى الباحثين و النقاد و عشاق السينما. هكذا تحقق في هذه الدراسة الاشتغال على مفهوم الفضاء كمكون معزول و مستقل، ثم كمكون فاعل في البناء و التفسير و التأويل. من هنا يتشكل طموح هذه المقاربة، لإثبات فاعلية الفضاء كرهان أساس في التفكير الجمالي و النظري في السينما. من جهة و إعادة النظر في فهمنا لتطور تاريخ الأشكال الفيلمية، من زاوية فضائية من جهة ثانية.
و قد ختم الباحث الأطروحة بخلاصة عامة تمحورت حول علاقة الفضاء الفيلمي بالأمكنة السابقة على المنجز الفيلمي، حيث يتبين تأثير هذه الأمكنة في الاختيارات الفنية و التقنية و الجمالية لكل مخرج. ذلك لأن: صانع الفيلم قد يتأثر بالأمكنة في اختيار نوعية التأطير، لكن ليس بإمكانه أن يعيد إنتاج سوى أجزاء منها، ليقوم بتركيبها، و بالتالي تفقد الأماكن طبيعتها خارج الفيلمية، لتتحول إلى فضاءات تخييلية. و يمكن أن يكون الفيلم تسجيليا أو إشهاريا، حول أمكنة معينة خارج فيلمية، غير أنه يخضع للغة الفيلمية وللوظيفة الحكائية فيتحول إلى محض فيلم تخييلي.


الكاتب : إعداد وتقديم: عزيز باكوش

  

بتاريخ : 08/07/2021

أخبار مرتبطة

كشفت مؤسسة مهرجان “موازين”، عن لائحة الفنانين المشاركين في دورة 2024، التي ستنظم من 21 إلى 29 يونيو المقبل بالعاصمة

  احتضنت جزيرة فويرتي فينتورا بلاس بالماس، النسخة الرابعة من مهرجان “ما بين الثقافتين (entre 2 culturas)، الذي تنظمه الجمعية

  تقاس ثقافة الشعوب باهتمامها بالتاريخ الحضاري والمستقبلي ،ذلك ما تعمل على بلورته دولة كندا حيث أقامت عددا هاما من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *