محمد نوبير الأموي رحيل مناضل نقابي شرس دافع باستماتة عن الطبقة العاملة

فقدت الساحة النقابية المغربية محمد نوبير الأموي، أحد أعمدة الفعل النقابي الجاد، الذي دافع باستماتة عن الشغيلة المغربية، منذ ستينيات القرن الماضي، بعد التحاقه بصفوف القوات الشعبية وانخراطه المبكر في الدفاع عن الطبقة العاملة بتوجيه من الشهيد المهدي بنبركة في بداية الستينيات بحرصه على تأسيس خلايا نقابية بمدينة الرباط .
وتوفي المناضل النقابي والسياسي، مساء أول أمس بإحدى مصحات الدار البيضاء، بعد معاناة طويلة مع المرض، وووري الثرى بمسقط رأسه بابن أحمد عن سن ناهز 86 سنة.
الراحل محمد نوبير الأموي، رغم أنه كان كاتبا عاما للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلا أنه لم يفقد أي شيء من أصوله الفلاحية.. يحدث له أن يستشهد بماركس، ولكنه لم يتعلم الصراع الطبقي في الكتب، كان معلما في بداية الاستقلال، ثم أصبح مفتشا في التعليم بعد 10 سنوات. وقد ناضل محمد الأموي أولا في صفوف المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل.
بهذه الكلمات عرّف عدد من الزملاء الصحفيين، الزعيم النقابي والمناضل السياسي محمد نوبير الأموي على مدار أكثر من 35 سنة، من خلال استجوابات وحوارات وطنية ودولية ما بين 1979 عند تحمله مسؤولية الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي انشقت عن الاتحاد المغربي للشغل إلى آخر حوار له سنة 2014 .
حوارات عن مسار حياته النقابية والسياسية بما فيها الحميمية والأسرية، وقد أشرف على جمع هذه الحوارات الأخوان شعيب حليفي ومحمد عطيف عن منشورات القلم المغربي والتي رأت النور في كتاب “أحاديث نوبير الأموي الزمن الاجتماعي بالمغرب”.


ينتمي الأموي كنقابي إلى ذلك الجيل الصلب من النقابيين المغاربيين، الذين جمعوا بين انتمائهم للحركة الوطنية التي تولت مهام تحرير البلاد من الاستعمار، وإصرارهم بعد الاستقلال على البقاء خارج السلطة والوقوف إلى جانب الطبقات الشعبية الفقيرة. كما يصنف الأموي كسياسي ضمن صفوف اليسار الديمقراطي. وبإمكان المتابع في حالته أن يضيف له صفات أخرى، فهو من جهة أخرى وحدوي عربي وصاحب علاقات إيجابية مع الحركات الإسلامية ومدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة.
تميز خطاب نوبير الأموي، كنقابي وسياسي، بنبرته النقدية اللاذعة للأوضاع السائدة في بلاده، وبهجومه المتواصل على الحكومات السابقة، التي طالما حملها مسؤولية الأزمات المتتالية، ومطالبته الدائمة بالتغيير الشامل على كافة الأصعدة. ولأنه كان راديكاليا في خطابه طيلة السنوات الماضية، فإن الأسئلة عن مواقفه من حكومة رفاقه، أنذاك، وأدائها، اكتسبت أهمية مضاعفة، خصوصا مع وجود مؤشرات أوحت بحصول تبدل في وجهات نظر الزعيم المغربي حيال الكثير من القضايا.
وفي سؤال للزميلة ” ليبراسيون ” بتاريخ 5 فبراير 1994 في حوار اختارت له عنوان ” الرسالة “: من هو محمد نوبير الأموي ؟ يجيب: “إنسان بسيط يأكل الخبز ويمشي في الأسواق. منذ ثلاثين سنة خلت، وعندما كانت زوجتي حاملا للمرة الأولى كتبت رسالة إلى ولدي الذي لم يولد بعد، قدمت له فيها اعتذاري المسبق إذا أنا لم أستطع ضمه إلى صدري وتقبيله عند ولادته، أو لم أستطع أن أكون حاضرا لأمنحه التربية الضرورية. ومازالت زوجتي تحتفظ بهذه الرسالة. في تلك الفترة كان لدي خيار: إما أن انكب على العمل في حزبي أو أخصص كل جهودي لأسرتي وأتابع دراستي، ولأني اخترت الخيار الأول فقد كان ذلك على حساب بيتي وأسرتي. في الحقيقة، كان عطفي على أسرتي أقل مما ينبغي، ولم أنتبه إلى ذلك إلا عند اعتقالي سنة 1972، بعدما حاولت تدارك ما ضاع مني من خلال اهتمامي بأسرتي بشكل أكبر” . وللإجابة على أسئلتنا، تردف اليومية، أخذ السيد نوبير الأموي يسرد على مسامعنا سيلا من المعلومات والبراهين كأنه لا يخاطب صحفيا، بل أحد المناضلين المضللين، ثم ينتهي أخيرا إلى جمع أفكاره في جمل مركزة وقصيرة.. ويبدو جليا أن السيد محمد الأموي ليس متعودا على لعبة الاستجوابات، الشيء الذي يضفي على حديثه مزيدا من الصدق والصراحة:
“أثناء اعتقالي في دسمبر 1972 غداة إضراب عام، تم استنطاقي وتعذيبي طويلا قبل أن أوضع في الاعتقال السري لمدة 16 شهرا”. وبدون شك أنه كان ضمن المستنطَقين.
إنه مناضل استثنائي، لأنه إلى جانب كونه مناضلا صلبا خبرته مسيرة طويلة من المعارك النضالية ومن الكفاح والصمود، ومن المحن أيضا، فإنه يبقى إنسانا بسيطا، يتوفر على حس إنساني عميق، إلى جانب كونه مثقفا ملما بالتاريخ، وعاشقا للشعر والموسيقى والأدب، حيث تزخر كلماته وخطبه وحواراته بالأحداث التاريخية وبالأبيات الشعرية، يدعم بها أفكاره ورؤاه لما يجب أن يكون عليه وطننا، والذي لا يخفي عشقه له، كما عشقه لشعبنا الذي يناضل من أجل وطن الحرية والكرامة والديمقراطية .
يقول الأموي : ” أعتقد أن المسألة الديمقراطية تبقى أهم التحديات التي سيترتب عنها مصير بلادنا . وإذا فرضت نفسها اليوم، فلأن المشاكل التي تواجه بلدنا وتهدده تهديدا حقيقيا، لا مجال للإفلات منها إلا بتصحيح الوضع اللاديمقراطي ووضع حد للتجارب المغشوشة التي عرفها منذ الستينيات إلى اليوم”.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 09/09/2021