الطفولة العربية والاستعمال السيئ الأنترنيت

 

أورد الأكاديميي الليبي الدكتور على محمد رحومة في منجزه العلمي القيم « مجتمع المعرفة و بلدان المغرب العربي» الصادر عام 2007 أن أعداد مستخدمي الأنترنيت ببلدان المغرب العربي للفترة 2000 / 2006 بلغ 7 ملايين و692 ألف وشكل نصيب المغرب منها 4 ملايين و600 ألف مستخدم . بمعدل استخدام 15.2 بالمائة ، فيما احتلت الجزائر الرتبة الثانية بـ 1 مليون و920 ألف، معدل استخدام 5.8 بالمائة بفارق مليوني و نصف مستخدم تقريبا، متبوعة بتونس 953 ألف مستخدم، 9.3 بالمائة، تليها ليبيا ب 205 الف مستخدم نسبة استخدام 3.3 بالمائة. ثم موريتانيا بـ 14 ألف مستخدم. معدل استخدام 0.5 بالمائة».
اليوم، وبعد مضي 15 سنة عن هذا التوصيف العلمي الدقيق، من شبه المؤكد حصول تطورات كمية ونوعية مست قاعدة البيانات، بالنظر إلى عامل الزمن من جهة، واعتبارا للتطورات التيكنولوجية المتسارعة التي تمس هذا المارد الرقمي يوما بعد يوم، بل ساعة بعد أخرى من جهة ثانية. ما يستوجب على الباحث نفسه مواصلة مشواره العلمي بتحديث هذه المعطيات و تحيين أرقامها ووضعها رهن إشارة المهتمين والباحثين.
وبخصوص تطور استعمال الأنترنيت بالمغرب، كشف البحث السنوي الميداني الذي أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدى الأسر والأفراد أن عدد مستخدمي الإنترنت بالمغرب قد انتقل من 4 ملايين و600 ألف إلى 18.5 مليون خلال سنة 2016، أي بنسبة 58.3 في المئة من الساكنة مقابل 57.1 في المئة سنة 2015. ويتوقع أن يتجاوز الرقم 30 مليون مستخدم مع حلول 2021 بالنظر إلى التطور الهائل الذي شهده قطاع الاتصال و التواصل بالمغرب.
جدير بالإشارة إلى أن الكتاب المومأ إليه، هو في جوهره دراسة مقارنة في المنجزات والتوجهات المعلوماتية «خصصه د علي محمد رحومة لكشف مستويات مختلفة من مقاييس ومؤشرات الاستخدام المغاربي لشبكة المعلومات الدولية الأنترنت، وذلك ارتكازا على الأهمية العلمية والاقتصادية والثقافية للاستخدام الشبكي الواسع لهذه المنظومة الدولية للمعلومات، وهو ما سلط عليه د علي محمد رحومة الضوء بشيء من التفصيل في معظم أجزاء الكتاب.
اليوم، أصبح من الضروري مساءلة هذا المعطى الحضاري من زاوية عقلانية هادئة تراعي التنشئة الاجتماعية الإيجابية بعيدا عن أي انحراف. ما يجعل موضوع الاستعمال الإيجابي للأنترنيت في عالمنا العربي في حاجة ماسة إلى نقاش هادئ و رصين، حتى ندرك و ننبه إلى ما يجره الاستخدام السيئ للإنترنت على مجتمعاتنا وشبابنا العربي من المحيط إلى الخليج، بفئاته وأعماره من مصائب و فوضى و أمراض نفسية خطيرة.
فبحسب دراسة حديثة أنجزها الدكتور محمد اسحق الريفي يبدو من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى تكاثف الجهود من أجل إنشاء عيادات ومصحات نفسية إلكترونية في مختلف أنحاء الوطن العربي، مختبرات بحث وتمحيص على مدار الوقت تعمل بمساعدة متخصصين وخبراء على توجيه أبنائنا نحو أفضل الطرق إلى الاستفادة من الإنترنت في حل مشاكلهم الدراسية، وفي التفاعل بإيجابية مع الحياة والمجتمع، لا سيما التعلم الإلكتروني ومختلف مجالات التنمية البشرية.
لقد باتت المعطيات الرقمية والإلكترونية، بمثابة سلاح لإلحاق الضرر، وآلية لارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون. إذ مع التوظيف السلبي من طرف الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتحول الوضع إلى ناقوس خطر.
ويتخذ الاستعمال السيئ للأنترنيت أشكالا مختلفة، منها بعث رسائل تهديد مجهولة المصدر، كتابة تعليقات غير لائقة، إرفاق صور بتعابير وتوصيفات منشورة على الإنترنت وتداولها بين أوساط الأسرة والمجتمع. والأخطر من ذلك، يعمد البعض إلى تصوير أشخاص عن سابق إصرار وترصد من دون علمهم، بهدف الإساءة إليهم عبر نشرها و تقاسمها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، إلى غير ذلك من أساليب الابتزاز و التطاول.
إن استخدام الإنترنت، و توظيف التقنيات المتعلقة بها بهدف إلحاق الضرر بالآخرين بطرق متعمدة وعدائية، ظاهرة لم تسلم منها فئة كبيرة من المراهقات والمراهقين في الوطن العربي. الأمر الذي يحتم على الأسرة والمجتمع الوعي والانتباه، والعمل من أجل تفعيل آليات تلقي المساعدة النفسية عبر التواصل الدائم والتفاعل الإيجابي عبر خطوط دعم موضوعاتية تنشؤها المؤسسات التربوية والاجتماعية الرسمية. ليس بهدف ضمان حماية المراهقين من كل أشكال الابتزاز الإلكتروني التي قد يتعرضون لها، بل كذلك التأكيد على أهمية ارساء التواصل الفعال و الدائم بين الآباء و الأبناء من أجل محاصرة ما قد ينجم من مشاكل واضطرابات نفسية و سلوكية التي قد تتعرض لها هذه الفئة العمرية اليافعة. وذلك من خلال متابعة مسارهم الدراسي والحياتي ومواكبة مراحل نموهم بما يعزز الثقة بالنفس و الشعور بالأمان والإطمئنان الداخلي للأسرة الصغيرة والكبيرة والمجتمع برمته ..


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 14/09/2021