65 % من الأشخاص الذين يعانون منها يتم التكفل بهم من طرف أسرهم : الهشاشة تُغرق الدارالبيضاء ونواحيها وواقع الحال يسائل المخططات والإنجازات مابين 2015 و 2021

لم تحل البرامج ذات الطابع الاجتماعي التي تم تسطيرها من طرف مختلف المتدخلين، من القضاء على مظاهر الهشاشة التي يعاني منها العديد من المواطنين بتراب العاصمة الاقتصادية ونواحيها، ومن القطع مع مشاهدها المختلفة، بل أن الرقعة زادت اتساعا بعد الانتقال ترابيا من جهة الدارالبيضاء المحمدية إلى جهة الدارالبيضاء سطات، وإن تم في وقت سابق القيام بتشخيص أكثر تطورا وبمنهجية علمية سنة 2014 بالاعتماد على مؤشرات سوسيواقتصادية بلغ عددها 23 مؤشرا، يطوي صفحة إحصاء 2006 الذي جاء لرصد خرائط الهشاشة، والذي تم إنجازه بمساعدة أعوان السلطة المحلية، ثم إحصاء 2008 الذي اشتغلت على إعداده نفس الفئة بتنسيق مع مصالح التعاون الوطني، وتم تحليل النتائج من طرف مصالح المندوبية السامية للتخطيط.
وكشفت خارطة الهشاشة التي تم إنجازها في 2014 عن أن أغلب الفئات المتضررة تتمركز في كل من مديونة، النواصر والمحمدية، تتصدرها النساء في وضعية هشاشة قصوى، إلى جانب المسنين ثم المعاقين بدون موارد. وأظهرت الأرقام المتعلقة بالأشخاص الذين تم إحصاؤهم والذين تتجاوز نسبة 57 % منهم 50 سنة، أن متوسط سن الأشخاص في وضعية هشاشة هو 51 سنة بالنسبة لكافة الفئات، وبأن 34 % من الأشخاص في وضعية هشاشة سنهم 60 سنة وما فوق، بالإضافة إلى أن نسبة 58  % لديهم إعاقة حركية و 22 % يعانون من إعاقة ذهنية، تليها الإعاقة البصرية في المرتبة الثالثة.
معطيات تجعل المتتبعين للشأن المحلي تحديدا، يطرحون أكثر من علامة استفهام بشأن مردودية المجالس المنتخبة بأكملها ومعها سلطات الولاية، وما الذي تمكنت من تحقيقه عمليا للتقليص من حدة الفوارق وتحقيق العدالة وضمان تكافؤ الفرص، في الحقوق، ما بين 2015 و 2021، خاصة وأن الأرقام التي تهم الدارالبيضاء المحمدية لوحدها، كانت قد أكدت على أن 42 % من الأشخاص الذين شملهم الإحصاء هم بحاجة لمساعدة شخص، وبأن 62 % من مجموع المحصيين مصابون بمرض مزمن واحد أو إعاقة على الأقل، لاسيما بالنسبة للأشخاص المسنين. وأوضحت المعطيات الرقمية أن أكثر من 60 % يعانون من أمراض مزمنة من قبيل أمراض القلب والشرايين وداء السكري وغيرهما، كما خلص التقرير الذي تم إنجازه بكيفية تشاركية ما بين الولاية وعمالات المقاطعات والأقاليم وبين وكالة التنمية الاجتماعية والتعاون الوطني والمندوبية السامية للتخطيط إضافة إلى جمعية مدنية، إلى أن 61 % من الساكنة ليس لديها أية تغطية صحية، وبأن 65 % من الأشخاص في وضعية هشاشة يتم التكفل بهم من طرف أسرهم.
وإذا كانت الهشاشة مصطلحا موجزا قد لا يعكس طبيعة وحجم المعاناة التي يعاني منها من هم مصنّفون في دائرتها، فإن تحليل المفهوم يحيل على وضعية مرتبطة بعدم الاستقرار، ويؤكد على أنها تعتبر مصدرا للإقصاء والتهميش باعتبارها ناتجة عن غياب عنصر واحد أو أكثر من الضمانات، خصوصا تلك المرتبطة بالشغل، مما لا يمكّن العائلات من تحمل مسؤولياتها المهنية، العائلية والاجتماعية وبالتالي الحرمان من التمتع بالحقوق الأساسية. هشاشة قد ترتبط بالدخل أو الشغل أو بالبنية الجسمانية على مستوى الإعاقات، أو التمدرس والتكوين أو المجال، كما أنها قد تكون هشاشة عائلية، أو لها صلة بالانحراف، أو مرتبطة بالنوع.
وإذا كانت هناك برامج تم تسطيرها للإجابة عن احتياجات هذه الفئات، كما هو الشأن بالنسبة للاستراتيجية الجهوية لمحاربة الهشاشة ما بين 2006 و 2013، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها، فإنها تظل ناقصة، في غياب حصيلة رقمية مضبوطة، خاصة وأن هناك فئات عانت من الهشاشة لسنوات طوال، إذ وبالعودة إلى إحصاء 2014 سنجد على أن 20 في المئة من الأشخاص الذين شملهم الإحصاء وتم إدراجهم باعتبارهم معنيين بمضمونه، قد قضوا أكثر من 20 سنة وهم على تلك الوضعية، و 14 في المئة ما بين 16 و 20 سنة، واللائحة طويلة، التي تكشف المشاهد التي يعاينها الجميع اليوم في مختلف الأزقة والشوارع، بأن خللا ما يتواصل يحول دون تحقيق الأهداف المسطرة في البرامج والمخططات. صور من قبيل تلك التي تهمّ الأشخاص المختلين بدون مأوى، الذين يعتبرون مشهدا ثابتا في مختلف الأحياء، ونفس الأمر بالنسبة للمتسولين، والأطفال والشباب بدون مأوى. ويكفي التجول وسط المدينة وعلى مستوى العنق والمحطة الطرقية والقيام بإطلالة على خط السكة الحديدية للوقوف على حجم المعضلة، بالإضافة إلى المسنين الذين لا يجدون مقرات تقدم لهم خدمات نهارية، تزاوج بين ما هو صحي وما هو ترفيهي، وهنا يُطرح سؤال عريض، عن عدد الفضاءات المختصة التي تم إحداثها خارج فضاء بوركون بتراب عمالة مقاطعات آنفا، ينضاف إليهم الذين يوجدون تحت رحمة الإدمان، الذين لا يجدون سبيلا إلى المراكز المختصة، بسبب إكراهات ذاتية وموضوعية، بشرية ولوجستيكية، ثم إشكالية إدماج السجناء السابقين، والأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم،  وغيرها من المعضلات الاجتماعية، التي تجعل من الدارالبيضاء تحديدا عاصمة للمتناقضات، دون الانتقال إلى هشاشات أخرى مرتبطة بالصحة والتعليم وبالعزلة في مجالات قروية أخرى في تراب الجهة.
وضعية تجعل العنصر البشري، الذي هو رأسمال الكثير من الدول التي حققت نهضة كبرى في مجالات مختلفة بوأتها مكانة الريادة عالميا، في الوقت الذي لم تكن تتوفر فيه على موارد طبيعية ذات قيمة مادية، يعاني الأمرّين وعوض أن يكون مساهما في تحقيق التنمية فإنه يصبح عائقا أمامها، لأنه لم يجد الجسر الذي يربطه بها ويمكنه من المرور إلى تفاصيلها، حتى يقوم بدوره كاملا في النهوض بنفسه وأسرته ووطنه، الأمر الذي يجب معه القيام بتقييم حقيقي لواقع التنمية وانعكاساتها الفعلية على المواطنين في كبرى حواضر المغرب وضواحيها.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 02/10/2021