مياه متوسطية في ‬أنبوب غاز

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

من يقرأ تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون بخصوص أنبوب الغاز، الذي يعبر ترابنا الوطني نحو إسبانيا، لن يستقر على رأي بخصوص ما يريده رئيس الدولة الجارة، ولأنه هو نفسه يبدو وكأنه لا يدري على أي قدم يرقص.
هذا الأنبوب الذي ينطلق من «حاسي الرمل» ويمر عبر المغرب إلى إسبانيا ويمتد الى البرتغال، مقابل أنبوب «ميدغاز» الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة، أصبح موضوع تساؤلات، كان من المنتظر أن يحسم فيها عبد المجيد تبون في الحوار الذي أجراه مع وسائل إعلامه.
والحال أن الاستماع إلى حوار الرئيس، وما نقلته وكالة أنبائه الرسمية يجعلنا نحتار ولا ندري هل يريد الرئيس قطع الأنبوب أو لايزال يفكر في الموضوع؟
فهو قال الشيء ونقيضه.
قال أولا. لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن تجديد عقد استخدام خط أنابيب لنقل الغاز يمر عبر المغرب… مضيفا. أن العقد الملزم للجزائر ينتهي في أكتوبر، وحتى ذلك الحين سنرى..
وبمعنى آخر فإن التردد سيظل سيد الموقف طيلة الأيام التي تفصلنا عن نهاية المدة المسجلة في العقد..
وفي نفس الحوار قال تبون، ثانيا لن يتم إمداد إسبانيا من الآن فصاعدا بالغاز الطبيعي عن طريق الأنبوب المغاربي.
بل ذهب إلى حد القول بأنه تم الاتفاق مع الأصدقاء الإسبان على تموينهم بالغاز الطبيعي عن طريق الأنبوب المباشر «ميدغاز» وفي حال حدوث أي خلل سيتم إيصال الغاز الجزائري لإسبانيا عن طريق البواخر الجزائرية….
بالنسبة لإسبانيا، لا شيء رشَح عما دار بينهم وبين الجزائريين، ولا يمكن الاعتداد بالتصريحات التي قالها تبون، نظرا:
أولا للتضارب المحيط بها، إذ كيف ينهي الموضوع مع الإسبانيين، الذين لهم ملاحظات تهم كلفة الشحن ونقل الغاز عبر مسارات أخرى غير مسارات الأنبوب المغاربي ­الأوربي، في وقت يتردد في الموقف مع المغرب، الذي لا يحتاج سوى ‬7‮ ‬٪ من الغاز المنقول سنويا؟
ثانيا، الموضوع من الزاوية الإسبانية له تعقيدات أكثر، من حيث الخصاص وكيفية تغطيته عبر القنوات المقترحة أي عبر أنبوب «ميدغاز» وعبر السفن؟
ويزداد الوضع تعقيدا، عندما نأخذ في الحسبان أن الشعب الإسباني، ونظيره البرتغالي في مرتبة ثانية، منشغل في هذه الفترة الشتوية بالغاز، نظرا لاستعمالاته المنزلية والمعيشية، وينتظر الحل الدائم والشامل أو على الأقل الحل المعتاد.
وما يهمنا، في مستوى ثان هو أن جزءا من النخبة في إسبانيا كان يرى أن قضية الخصاص من الغاز قد تبيح كل السلوكات المناهضة للمغرب، ومنها استقبال المدعو غالي بن بطوش بمقاربة ميكيافيلية لجزء من النخبة التي تدور في فلك الحكومة،كادت أن تعصف بالتعاون الاستراتيجي وبعقد من التعاون المثالي بين البلدين.
وقد جاءت التصريحات الرئاسية الجزائرية في لحظة إعادة بناء الثقة بين المغرب وإسبانيا، وكان من علاماتها الواضحة هوالموقف الإسباني من قرار محكمة العدل الأوربية الذي ألغت بموجبه اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة مع المغرب.
وهنا قد يتبادر السؤال التالي حارقا. هل تملك الجزائر الحق في إغلاق الأنبوب من طرف واحد بدون رأي الآخريْن ؟..
وهل ستقبل إسبانيا وتسلم بالقرار وهو يمس مصالحها ومصالح جارتها البرتغال ؟..
سينتظر المغرب مخرجات الاتفاق الإسباني – الجزائري، ويقدر وقتها هل يسير في منحنى الموقف الأخير من قرار المحكمة الأوربية، أم سيجعل مدريد قريبة من لحظة قبول بن بطوش في مستشفياتها؟
النقطة الأخيرة تتعلق بالتوقعات المغربية، وما بذله المغرب بخصوص الطاقات البديلة التي لم تغامر بها إسبانيا، في حين أقام المغرب منصات عالمية لتجاوز هذا التقاطب وتجنب الخضوع للضغوطات، وقد كان جلالة الملك واضحا بشأن المخزون الاستراتيجي الطاقي الذي لابد من توفيره لضمان السيادة الطاقية.
إسبانيا أمامها فرصة لتوطيد العلاقة حول المشروع المغربي للطاقات البديلة لتحرير نفسها، أو البقاء في الترنح بين مزاج الجنرالات ومصالحها الاستراتيجية..
لقد عودتنا الفرنسية، كلما أردنا وصف حالة توتر معينة في علاقات ما بالقول بوجود «ماء في الغاز»، وهنا نجد أن الأمر يتعلق ببحر من المياه المتوسطية في قضية هذا الأنبوب..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/10/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *