رسائل ملك

نوفل البعمري

الخطاب الملكي المُخلذ للذكرى 46 للمسيرة الخضراء لهذه السنة كغيره من الخطب التي قدمها العاهل المغربي، كلها رسائل وطنية، سياسية ودبلوماسية للداخل والخارج، وخطاب يعتبر مناسبة لتحديد التوجيهات الاستراتيجية للمغرب في عدة قضايا ذات أهمية كبرى، أبرزها القضية الوطنية التي تحظى بحرص وعناية ملكية شخصية من أجل الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء بشكل لا يمس الوحدة الترابية، الوطنية للمغرب، بل يعززها ويعزز مسار التنمية فيها.
لقد شكل خطاب هذه السنة مناسبة للتأكيد على المواقف الثابتة للمغرب من العملية السياسية ومن مسار الحل، ولبعث رسائل اتسمت بالوضوح اللازم وبالواقعية التي طبعت كل خطب محمد السادس منذ توليه العرش. هذه الرسائل التي تضمنها خطاب السنة يمكن إجمالها في:
1- رسالة شكر ودعوة للوضوح مع المغرب:

لم يكن اعتباطيا أن تكون أول فقرة يوجه فيها العاهل المغربي رسالته، تكون لأفراد القوات المسلحة الملكية، التي تقوم بدورها الكبير والكامل في حماية الوطن، و تأمين الحدود المغربية شرقا وجنوبا، هذا العمل الوطني الذي يقوم به الجيش المغربي يتداخل فيه التزام دولي، أممي للمغرب بحفظ السلم وضمان حرية التنقل ما بين المغرب وموريتانيا الشقيقة، وبالتزام وطني لتحصين كل المكاسب التي حققها المغرب سياسيا بخطوات ميدانية استراتيجية. هنا تأتي أهمية العملية الأمنية التي قام بها الجيش المغربي التي سنخلذ ذكراها بعد أيام قليلة لكونها لم تكن فقط ذات بعد أمني، استراتيجي للمغرب فقط، بل اتخذت بعداً شعبيا وخلقت زخما وطنيا كبيراً في صفوف المغاربة تأكيداً على الدور الوطني للقوات المسلحة الملكية المغربية، هذا الدور ساهم في تعزيز تموقع المغرب في المنطقة وأظهره بالبلد القادر على حماية حدوده، وتأمين عمل بعثة المينورسو التي لم تسلم نفسها من بلطجة مليشيات الجبهة، وحظي بدعم أممي واضح.
وقد كان لافتا أن يخصص الخطاب فقرة خاصة بتحية الجيش المغربي، مع المواقف التي عبرت عنها الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، حيث ثبت أن هذا الموقف الأمريكي هو موقف لا يرتبط بهذه الإدارة أو تلك، بل يعتبر بالنسبة إليها استراتيجيا يدخل في إطار الالتزامات التي تربطها مع المغرب، و في إطار الوضوح الذي يطبع علاقة البلدين. هذا الوضوح هو ما يبحث عنه المغرب مع باقي الشركاء الذين لم يعد مقبولا منهم أية ازدواجية في الموقف، أو ضبابية في الخطاب، بل على العكس من ذلك كما أن المغرب وفي لشركائه، فهو لا يطلب غير أن يعامل بنفس الروح، و الوفاء، إذ لا مجال لأية شراكة ولا اتفاقيات ستربط هذه البلدان التي مازالت ضبابية في مواقفها تجاه المغرب، أو لا تكون الأقاليم الصحراوية الجنوبية جزءا من هذه الشراكات ومستفيدة منها، ومحط نقاش أو تشكيك من طرفها. فالشراكة يجب أن يطبعها الوضوح، و أن تكون شاملة لكل التراب الوطني لا فرق فيها بين طنجة والكويرة.
2- لا تفاوض على الصحراء

هذه العبارة التي ترددت في الخطاب الملكي حققت «تراند» في وسائل التواصل الاجتماعي من طرف كل رواد هذا العالم. لقد التقط المغاربة، بذكاء كما عادتهم، رسالة الملك التي أكد فيها أن المغرب بانخراطه ودعمه للعملية السياسية الأممية فهو لا يضع هذه الاقاليم محط تفاوض، أو نقاش … بل المباحثات التي يدعمها المغرب تتعلق بمسار التسوية، وبإنهاء النزاع على أرضية مبادرة الحكم الذاتي حيث لا مجال فيها للتفاوض أو التفكير في المساس بالوحدة الترابية المغربية التي تعتبر خطاً أحمر لكل المغاربة ملكا وشعبا، وهي رسالة ليست للمغاربة لأن الشعب المغربي لطالما كان مستوعبا لطبيعة انخراط المغرب في مسار التسوية، بل هي للأمم المتحدة وخاصة للمبعوث الجديد الذي يُنتظر منه أن ينطلق في إحياء المسلسل المتوقف منذ استقالة سابقه، هذا المسلسل الذي لن تكون فيه مغربية الصحراء محط تفاوض، بل ما يمكن أن يناقش هو مبادرة الحكم الذاتي التي تظل أرضية للحل وللتفاوض لاستجابتها للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة من خلال تقارير الأمين العام، ولقرارات مجلس الأمن و للتطور الذي شهدته خطة التسوية السياسية.
3 – المنتخبون دىموقراطيا ممثلين شرعيون للساكنة المحلية:

لطالما كان موضوع من يمثل الساكنة الصحراوية الجنوبية محط نقاش أممي كبير، خاصة مع ما أصبح تنظيم البوليساريو يمثله في المخيلة الجماعية للصحراويين كتنظيم فاشي، استبدادي، مارس القمع والاستبداد داخل المخيمات وتفنن في كل أصناف التعذيب الذي تعرضت له ساكنة المخيمات طيلة سنوات، مما أصبح معه هذا التنظيم مُفتقدا للشرعية والمشروعية للحديث باسم الساكنة الصحراوية المقيمة والمحتجزة في المخيمات. بالمقابل في الأقاليم الصحراوية الجنوبية كانت الساكنة منذ التجربة الانتخابية الأولى التي عاشها المغرب تصنع تجربتها الديموقراطية المحلية وتُطورها مما أَّهل المنتخبين ليكونوا ممثلين شرعيين للساكنة الصحراوية، خاصة وأنهم جزء أساسي من الوفد الذي قاده المغرب في جنيف مع المباحثات التي توقفت سنة 2019.
إن المنتخبين الذين تم انتخابهم من طرف الساكنة المحلية، هم ممثلون شرعيون ووحيدون لكل الصحراويين والصحراويات، سواء منهم المتواجدين بالأقاليم الصحراوية أو المقيمين/ المحتجزين بالمخيمات مادام أن مخيمات تندوف لم تشهد يوما أية انتخابات نزيهة، وغالبيتهم رافضون للبوليساريو، وأغلبيتهم المطلقة عادت للمغرب وقامت بالمراجعات السياسية والوطنية وعادت لوطنها.
4- وحدة الشعوب المغاربية

الثابت اليوم في خطاب العاهل المغربي هو توجهه لشعوب منطقة شمال إفريقيا من أجل التقدم و التنمية، ومن أجل تحقيق طموحها في العيش الكريم. لقد بات الملك في كل خطبه يؤكد أن الرهان داخل المنطقة ليس على عدم استقرارها، أو دفعها نحو التأزم، بل على وحدة شعوبها تكاملها الاقتصادي والسياسي.
إن بناء المغرب الكبير اليوم، مغرب الشعوب التواقة للتقدم أصبح رهانا خاصا للمغرب من أجل كسب التحديات التي تواجهها المنطقة خاصة منها مواجهة العناصر الدخيلة عليها، والأطماع الأجنبية، وكل التعقيدات التي سيخلقها وضع ما بعد كورونا لكسب رهاناته التنموية. هذا الرهان التنموي، للأسف، يصطدم اليوم في المنطقة بوجود أنظمة غير مستقرة سياسيا، وأخرى هشة وأخرى عسكرية ترى في تأزيم المنطقة استمرارية لها، كلها عناصر لا تساعد على تكامل مغاربي رسمي، مما يجعل الرهان على تكامل الشعوب رهانا استراتيجيا للمغرب.
خطاب المسيرة الخضراء، خطاب الرسائل الأربع التي أشرنا إليها سابقاً، وهي رسائل تتعلق أساساً بكون مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، مغرب اليوم قوي بتلاحم جل مؤسساته الوطنية، وبيقظة أجهزته الأمنية،وبتأهب جيشه وبالتفاف الشعب المغربي على كل مكوناته الوطنية، وبملكية متجذرة، قائدة لمشروع إصلاحي كبير للمغرب ولشعوب المنطقة، مبادرة دبلوماسيا وقائدة بها، حماية للوحدة الوطنية.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 08/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *