مخيمات تندوف: جرائم ضد الإنسانية

نوفل البعمري

 

في ظرف أسبوع كانت مخيمات تندوف على موعد مع عمليات استهداف بالقتل لأربعة شبان من شبابها من المنتمين جميعا لقبيلة سلام الركيبات، الذين يمتهنون التنقيب عن الذهب وتهريب المحروقات باعتبارهما من المهن الوحيدة، التي قد يستطيع سكان المخيمات ممارستها من أجل ضمان قوت يومهم، بعد أن أُغلقت في وجههم وتحولت لسجن كبير بفعل الطوق العسكري، الذي يفرضه الجيش الجزائري حولها، خاصة مع استمرار نهب المساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخميات من طرف قيادات تنظيم البوليساريو وجنرالات جزائيين بحيث يتم تحويلها للأسواق لبيعها.
هذا الوضع الاجتماعي والإنساني المزري فرض على شباب المخيمات البحث عن لقمة العيش في مهن خطيرة جدا، وبدل أن تتحمل الدولة الجزائرية مسؤوليتها في ضمان العيش الكريم لساكنتها نظير التزاماتها الدولية الناتجة عن اتفاقيات جنيف الأربع على اعتبار أنها تقدم نفسها حسب زعمها كدولة لجوء، فهي انتقلت اليوم من ممارسة يطبعها الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى مستوى آخر من مستويات هذه الجرائم التي ترتكبها، وهي جرائم تمس الحق في الحياة.
ما يحدث اليوم داخل المخيمات عمليات إعدام خارج نطاق القانون، إذ أن كل الشهادات الواردة من هناك رغم قلتها تؤكد أن ما حدث جاء بعد عمليات مطاردة لهؤلاء الشباب الذين تم اغتيالهم نهاية الأسبوع الماضي، والذين سقطوا برصاص وحدات الجيش الجزائري، وقد كان بإمكان الجيش بدل رميهم بالرصاص أن يتم إيقافهم من خلال التدابير المعمول بها في العالم عندما تكون هناك مطاردات للسيارات ويُفرض عليها أن تقف، لكن الجيش الجزائري استهدف بالرصاص الحي رأس هؤلاء الشباب ومن عاش منهم هو في العناية المركزة ينتظر حتفه في أي لحظة نظرا لخطورة الإصابة ولأنه إذا ما عاش سيكون شاهدا على هذه الجرائم.
عملية القتل لهذا الأسبوع إذا ما أضفناها لعمليات القتل البشعة التي تعرض لها شباب المخيمات في أحداث سابقة منها عملية الحرق التي قام بها الجيش الجزائري للشباب الأربعة من المنقبين عن الذهب، وقبلها استهدافات أخرى…. كلها تتعلق بجرائم بشعة تدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية التي لا يطالها أي تقادم، وتعتبر من أبشع الجرائم التي قد يتم ارتكابها، والخطير أنها صادرة عن جيش نظامي لدولة عضو بالأمم المتحدة، إذ لم يعد يقتصر الأمر على ما ترتكبه ميليشيات الجبهة من جرائم، بل بسبب التحولات التي تعيشها المنطقة خاصة منها أن حسم الملف المفتعل حول الصحراء لصالح الخيار السياسي المغربي دفع النظام الجزائري ليتحرك بنفسه ويفرض طوقا أمنيا خطيراعلى المخيمات لا يتورع في استهداف كل ما يتحرك بمحيطها أو خارجها، بسبب كونه أصبح مرعوبا من حالات الهروب والفرار الجماعية للعديد من الأسر من جحيم المخيمات في اتجاه وطنها الأم، لذلك لم يجد هذا النظام من حل لإيقاف هذه الهجرة الجماعية نحو المغرب بعد أن أوقفت الدولة الجزائرية من خلال البوليساريو، عمليات تبادل الزيارات بين الأسر الصحراوية، التي كانت تحت إشراف بعثة «المينورسو»، بسبب رفض غالبية من استفادوا منها وحلوا بالمغرب العودة لجحيم المخيمات، لم يجد غير تحويل المخيمات لسجن كبير وإرهاب ساكنتها واستهدافها بالقتل العمدي حتى لو تعلق الأمر بمحاولات لضمان لقمة العيش.
المنتظم الدولي اليوم عليه مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه ما يحدث، لا يمكن أن تظل الآليات الأممية صامتة أمام هذه الأحداث الأليمة، لأن صمتها لا يزيد إلا من حجم هذه المآسي التي يعيشها سكان المخيمات، بل فيها تشجيع لهذا النظام الجزائري ولوحدات الجيش التابعة له لارتكاب مثل هذه الجرائم اللإنسانية، لذلك فالمسؤولية تفرض عليه التدخل بشكل عاجل لوقف كل هذه الجرائم ومحاكمة كل المتورطين في هذه الأعمال الإجرامية الخطيرة التي تمس أسمى حق إنساني وهو الحق في الحياة، خاصة وأن حجم الخطر الذي بات يحدق بساكنة المخيمات يزداد، إذ كلما تقدم المغرب في حسم هذا النزاع المفتعل حول الصحراء إلا وازداد حجم البطش بسكان المخيمات، خاصة وأن هذه الأخيرة أسقطت جدار الخوف وباتت تقف ضد الاستبداد الذي أنتجته الدولة الجزائرية داخل المخيمات من خلال إطلاق يد مليشيات البوليساريو لارتكاب جرائم وانتهاكات حقوقية جسيمة في حق المدنيين العزل.
المغرب في كل مناسبة يدق ناقوس الخطر ويحاول تحسيس الرأي العام الدولي بخطورة الوضع داخل المخيمات، وبالتهديدات المحدقة بالمدنيين هناك، إذ سبق له أن أشعر الأمانة العامة للأمم المتحدة بهذه الأحداث وترافع عنها نيابة عن سكان المخيمات من أجل إنهاء معاناة هذه الساكنة وفقا للقانون الدولي، لكن وللأسف وأمام امتناع النظام الجزائري عن فتح المخيمات أمام الآليات الدولية الأممية المعنية بحماية حقوق الإنسان، التي يرفض التعاطي والتجاوب معها، واستمراره رفض إحصاء الساكنة الصحراوية المقيمة/المحتجزة بالمخيمات، يجعل من تدهور الوضع الحقوقي والإنساني داخل هذه المخيمات نهاية حتمية لهذا المسار المتعنت الذي يضع النظام الجزائري خارج المشروعية الأممية، وعلى هامش المنتظم الدولي بفعل هذه الممارسات والاختيارات السياسية في التعاطي مع الوضع الإنساني داخل المخيمات للحد الذي وصل لارتكاب جرائم ضد الإنسانية لا يطالها التقادم.
فمتى سيتحرك المنتظم الدولي لحماية المدنيين العزل في مخيمات تندوف؟

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 29/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *