من تنظيم اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملال – خنيفرة : «فعلية حماية النساء من العنف السيبيراني والالكتروني» تحت مجهر النقاش في يوم دراسي

تزامنا مع اليوم الدولي لتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1999، في دورتها الرابعة والخمسين، لقرار إعلان يوم 25 نونبر من كل سنة يوماً عالمياً  للقضاء على العنف ضد المرأة، أطلق «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» حملة وطنية تحت شعار «منسكتوش على العنف ضد النساء والفتيات»، واختار مواصلة حملته لسنة كاملة، من 25 نونبر 2021 إلى 25 نونبر 2022، بهدف تشجيع ضحايا العنف على التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب، وفي هذا السياق، نظمت «اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان»، بني ملال خنيفرة، يوم الخميس 2 دجنبر 2021، برحاب الغرفة الجهوية للفلاحة ببني ملال، يوما دراسياً حول موضوع «فعلية الحماية من العنف السيبيراني والالكتروني ضد النساء»، بمشاركة مهتمين من مجالات مختلفة، القضائية، الأمنية، السوسيولوجية، الجمعوية، وبحضور حوالي 140 فاعلا وفاعلة، بينهم طلبة وإعلاميون وجمعويون وممثلو مؤسسات رسمية، من مختلف أقاليم الجهة.
افتتح اليوم الدراسي بكلمة لرئيس اللجنة الجهوية ذ. أحمد توفيق الزينبي، أكدت على دواعي اختيار الاشتغال على تيمة «فعلية الحماية من العنف السيبيراني والإلكتروني ضد النساء : جهة بني ملال خنيفرة نموذجا»، وذلك في إطار التكامل بين اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي تيمة تأخذ بعين الاعتبار «الجوانب الحمائية والوقائية من جهة ، وكذلك الجوانب المتعلقة بضمان سبل الانتصاف للضحايا وعدم إفلات الجناة من العقاب من جهة أخرى»، موضحا أن اختيار الموضوع «يأتي لسببين أساسيين، أولهما يتعلق بتنامي حدة العنف السيبراني و تعدد تمظهراته (التنمر، السب، التحرش الجنسي، التهديد، التشهير، الابتزاز، السطو على المعلومات والصور الشخصية..) من جهة، وتكاثر أدواته من جهة أخرى (فيسبوك، تويتر، انستغرام، لينكد، واتساب، مسنجر، أقسام التعليقات الإلكترونية ..)، فيما يرتبط السبب الثاني بصعوبة انصاف ضحايا العنف السيبراني القائم على النوع الاجتماعي لأسباب متعددة، مسطرية وثقافية، تحول دون التبليغ أو تدفع للتراجع عن الشكاية مما يمكن العديد من الجناة من الإفلات من العقاب».
وعرف اليوم الدراسي مشاركة ذة. عائشة العلوي في موضوع «العنف السيبيراني والالكتروني بمواقع التواصل الاجتماعي»، ذة. حليمة طريقي (نائبة وكيل عام للملك) حول: «الحماية القانونية والقضائية للنساء والفتيات من العنف السيبيراني والالكتروني»، ذة. فاطمة يانوس (عميدة بولاية الأمن) حول «الوسائل الاجرائية والأمنية لمواجهة العنف السيبيراني والالكتروني»، ثم ذ. عبدالإله بن الصادق في «قراءة سوسيولوجية للعنف السيبيراني والالكتروني»، وذة. مليكة الزخنيني حول: «دور وسائل الإعلام والتحسيس بخطورة العنف السيبيراني والالكتروني»، وذة. نورة منعم حول «دور المجتمع المدني في الرفع من الوعي المجتمعي للحد من العنف الالكتروني».
انطلقت ذة. عائشة العلوي من التراكمات التي عرفها المغرب على مستوى الإعلام والتشريع، ومدى تطور مجال حقوق الانسان، لافتة إلى تسجيل «تراجعات في بعض المجالات على رأسها المجال النسائي، وفي ذلك ما هو مرتبط بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وطنياً ودولياً»، متوقفة عند «ثورة التطبيقات الالكترونية» التي ساهمت في تناسل عدة ظواهر سلبية ، ما يستدعي تعميق الإجراءات الحمائية الممكنة، مشيرة إلى «تهديدات العنف الالكتروني للضحية والأسرة»، مذكرة ب»أهمية دور المرأة في مواجهة تمظهرات العنف واللامساواة في فضاءات العمل والمدرسة والشارع، على اعتبار أن قضية المرأة هي قضية مجتمع، وقضية تتطلب من الجميع ثورة فكرية تعمل على التمكين الاقتصادي للمرأة»، محيلة على الأرقام المهولة ل « العنف الالكتروني « نتيجة عدة عوامل مجتمعية، منها أساسا «ترسيخ سمو جنس الذكر والصورة النمطية للمرأة ككائن لا يتجاوز كونه بضاعة ومتعة جنسية»، ثم «غياب الديمقراطية وضعف المشاركة السياسية والإدارية للمرأة»، كما تطرقت لجانب «»الألعاب الالكترونية التي تغذي احتقار المرأة.
وتناولت ذة. حليمة طريقي ما يتعلق بالحماية القضائية والقانونية للمرأة والفتاة من العنف السيبيراني والالكتروني، بانطلاقها من « أن تطور المجتمع رهين بارتقاء المرأة، واستحالة تحقيق أي نماء أو تنمية مجتمعية دون المرأة»، وكيف أن «التكفل بالنساء وتوفير الحماية لهن أضحى أمراً ضرورياً»، مستعرضة الاجراءات والتدابير المرتبطة بمجال الحماية القضائية عن طريق آليتي التكفل والتنسيق في ما يتعلق بالمرأة والفتاة ضحيتي العنف، مستعرضة جملة من النصوص القانونية على مستوى القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، والمتعلقة بأشكال العنف، وبجرائم التشهير والابتزاز المادي والجنسي واستغلال البيانات الشخصية وغيرها.
وتطرق العرض لما حدده المشرع بشأن الأفعال المضرة بالحماية القانونية للمرأة والفتاة، وما يعمل على تمكين الضحايا من الحق والإنصاف، مذكرة بالقانون 103/13 الذي حث المسؤولين القضائيين على الحرص على ضمان الحماية لهؤلاء الضحايا، وكذا مهام الخلايا المحدثة بمحاكم المملكة، على مستوى الاستقبال والاستماع والمساعدة الاجتماعية، والتوجيه والانصاف، والحق في عقد جلسة سرية لإشعار الضحية بالأمان من أجل التعبير عما تعرضت له.
مداخلة عميدة بولاية أمن بني ملال، رئيسة خلية حماية النساء ضحايا العنف، ذة. فاطمة يانوس، أبرزت نسب وأعمار ضحايا العنف، ومدى خطورة الجرائم المسجلة على مواقع الشبكات الالكترونية، و ما يحتاجه الفعل من تقنيات متطورة لضبط الفاعل، مذكرة بالإجراءات التي قامت بها المديرية العامة للأمن الوطني بخصوص مظاهر العنف الموجه للمرأة عبر التطبيقات الالكترونية، إلى جانب ما تقوم به خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف من تدابير أمنية وقانونية، وما تتوفر عليه هذه الخلايا من أدوات لوجيستيكية، وتستقبله من شكايات تتفاعل معها مصالح الأمن بالجدية المطلوبة.
واستعرضت المداخلة ما تقدمه مصالح الأمن، وخلايا التكفل بها، للنساء ضحايا العنف، على مستوى مراحل الاستماع والتوجيه والمتابعة، إلى مرحلة مساءلة الفاعل، داعية النساء ضحايا العنف إلى «التبليغ بأي شكل من أشكال العنف الذي قد يتعرضن له، وأن الباب سيظل مفتوحا لهن»، لافتة إلى مذكرة صادرة عن مديرية الأمن، تدعو إلى حماية محيط المؤسسات التعليمية من مظاهر العنف والتحرش.
وشارك الضابط الممتاز، رئيس فرقة مكافحة الجريمة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، ذ. عبد الإله بروگ، بمداخلة حول الوسائل الإجرائية والأمنية لمواجهة العنف السيبيراني والإلكتروني ضد النساء والفتيات، افتتحها بالتعريف بخصائص وأنواع الجريمة الالكترونية، وعبورها للقارات، وصعوبة اكتشاف فعلها الجرمي وإثباته، مذكرا بالقانون 07-03 المتمم لمجموعة القانون الجنائي، فيما يتعلق بالإخلال بسير نظام المعالجة الآلية للمعطيات، أي الفصول من 607 – 3 إلى 607 – 11 من هذا القانون، وكيف أن المشرع لم يحدد النظام المذكور بقدر ما ركز على تبيان الانتهاكات وعقوباتها.
واستعرض العرض مجموعة من القوانين المتعلقة سواء بالإرهاب، أو بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والأم، وبحماية الأشخاص الذاتيين تجاه حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبحماية العنف ضد النساء، مع التذكير بالاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب من أجل تبادل المعلومات وتسليم الفارين للعدالة، فضلا عما يتعلق بتجربة مديرية الأمن في مجال التحقيق والبحث السيبيراني، ومن ذلك مصالح مكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والجرائم المعلوماتية، وأفعال القرصنة والنصب عن طريق الانترنيت، والتهديد بالتشهير، والصور المنشورة من دون استئذان أصحابها.
كما تطرق لما وصفه ب «الاصطياد الالكتروني» المعني بمحاولات الحصول على المعلومات الخاصة بمستخدمي الانترنيت، سواء كانت معلومات شخصية أو مالية، عن طريق رسائل الكترونية أو مواقع تبدو أنها مبعوثة من شركات موثوقة أو مؤسسات مالية، مفسرا واقع «التحويل الدولي للمكالمات الهاتفية» و»مخاطر تقنية الربط عبر الويفي العمومي»، وما يترتب عنها من منزلقات ناتجة عن تبادل المعطيات الشخصية، ومدى تمكن المجرم الالكتروني من الولوج بشكل احتيالي إلى الحاسوب أو اللوحة الرقمية المرتبطة بالتقنية المشار إليها.
ذ. عبد الإله بن عبد الصادق، قام بقراءة سوسيولوجية انتروبولوجية للعنف السيبيراني والإلكتروني ضد النساء، انطلق فيها من الدعوة «لضرورة مساءلة الوضع المهين للمرأة، وهو الواقع المبني على الاعتراف بالتمييز ضد المرأة، والمحتاج أصلا لفعلية حمائية حقيقية وليس للمزيد من القوانين والمذكرات، ولتحديد ما ينبغي من المفاهيم ذات الصلة، ومنها مفهوم النوع الاجتماعي»، مستشهدا ببعض الدراسات التي تحث على النهوض بالمرأة ومحاربة أشكال التمييز ضدها، مشددا على ضرورة «ترسيخ ثقافة حقوق الانسان في جميع مناحي المجتمع والمدرسة، ومن غير ذلك لن نتمكن إطلاقا من إنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، ولا حمايتها من العنف والتحرش والجرائم الالكترونية»، داعيا وسائل الاعلام إلى العمل على «تسويق فعلية حقوق المرأة في الحياة العامة»، قبل التطرق لما طرحه المشرع المغربي بخصوص العنف عبر الوسائل الرقمية التي لايزال واقعنا يعاني من غياب الوعي المسؤول بها، وبطرق توظيفها واستعمالها والتفاعل معها، سواء بالأماكن الخاصة أو العمومية.
و تقدمت ذة. مليكة الزخنيني بمداخلتها حول دور وسائل الإعلام والتحسيس بخطورة العنف السيبيراني والالكتروني، انطلقت من مفهوم التحسيس؟، ومن يقوم بهذه المهمة؟، وكيف يمكن القيام بها؟، متسائلة: ما هو العنف؟، لافتة إلى أنه «ظل ملازما للبشر منذ فجر الحياة»، قبل تركيزها على العنف الممارس ضد المرأة «كحالة صادرة بصورة غير متكافئة من طرف شخص ما يزعم الاستقواء»، متطرقة للثورة التكنولوجية التي تخللتها مظاهر العنف الرقمي، و»ما نتج عنها من ظواهر جعلت من كل شخص يتوفر على هاتف إعلاميا»، وهي من أوضاع أخرى مكنت الرقمي من التأثير في الفعلي.
وتوقفت المتدخلة عند ما يتعلق «بالهوية الرقمية التي تنتصر للآن وليس الماضي»، و»العالم الرقمي الذي نتلصص منه على الآخرين دون إذن منهم، وواقع انتظارنا للجيمات واللايكات عن منشورات قد يكون فيها ضحايا لذلك»، ما يستوجب «ضرورة التحسيس، حبث يبقى مسألة وعي، على الإعلام الحقيقي الانخراط فيه «، طالما أن المطلوب منا جميعا هو «إنصاف المعلومة المتعلقة بالإجراءات والمبادرات العاملة على حماية النساء والفتيات من التمييز والعنف الالكتروني».
وبعدها، تحدثت ذة. نورة منعم عن «دور المجتمع المدني في الرفع من الوعي المجتمعي للحد من العنف الالكتروني»، معرفة بفيدرالية رابطة حقوق النساء، «كمنظمة تعمل جاهدة من أجل القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، وكحركة اجتماعية نسوية تجمع مختلف الشرائح و الفئات النسائية حول قيم المساواة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والتضامن والديمقراطية»، متطرقة لمفهوم المجتمع المدني و»ما عليه من أدوار قادرة على ضمان واستمرارية الفعل المدني بشكل منظم واحترافي والانتقال من الممارسة التطوعية العشوائية إلى الممارسة التطوعية الاحترافية بشكل واضح وشفاف»، قبل تفكيك مفهوم العنف المبني على النوع والأكثر انتهاكا لحقوق الانسان، باعتباره شكلا من أشكال التمييز، ثم مفهوم العنف الالكتروني الذي برز مع تطور التكنولوجيا، والذي يلحق ضررا نفسيا واجتماعيا بالعديد من النساء، والذي بلغ، حسب المتدخلة، تكلفة اقتصادية ناهزت 2.85 مليار درهم في السنة، وفق المندوبية السامية للتخطيط، لافتة إلى أن «قرابة مليون ونصف امرأة مغربية وقعن ضحية لهذا النوع من العنف»، أي بمعدل انتشار يصل إلى 13.8 بالمائة، أغلبهن بالوسط الحضري، وهي معطيات كشفت عنها أيضا المندوبية السامية للتخطيط، وفق نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء في عام 2019. وتزداد حدة العنف الالكتروني، حسب ذات المندوبية، بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات، مبرزة أن مرتكبي العنف الالكتروني هم في الغالب رجال (86.2 بالمائة) بينهم مجهولون بنسبة 72.6 بالمائة.
واختتمت أشغال اللقاء الدراسي بفتح باب المناقشة في وجه الفاعلات والفاعلين الحاضرين، والتي سجلت، من خلال تفاعلها مع المداخلات، مجموعة من المقترحات الغنية بمعطيات وتوصيات مهمة ركزت على السبل الممكنة لوقاية النساء، بالمجالين الحضري والقروي، من العنف السبيراني والإلكتروني، وإرساء فعلية الانتصاف وعدم إفلات المتورطين من المساءلة والعقاب.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 09/12/2021

أخبار مرتبطة

  عرف ملف الأساتذة الموقوفين منعطفا جديدا، صباح أمس الاثنين، فبعد أن كان المعنيون على موعد مع المجالس التأديبية التي

نصف المصابات بسرطان عنق الرحم يفارقن الحياة بسبب تشخيص المرض في مراحل متأخرة     أكد الدكتور محمد بنعزوز، المسؤول

لن يستغرب الشاهد على ما يجري في العالم القروي بإقليم تارودانت، وفي القبائل المنتمية إلى دائرة ايغرم على وجه الخصوص،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *