بالفصيح … صناعة صحافية متأزمة

يونس مجاهد

أكد التقرير، الذي أصدره المجلس الوطني للصحافة، حول وضعية المقاولات الصحافية، ما بعد الحجر الصحي، أن الأزمة التي يعيشها هذا القطاع بنيوية، بدأت قبل الجائحة، رغم أن ظروف الحجر الصحي أثرت فيها بشكل واضح، حيث أن مبيعات الصحافة الورقية، مثلا، بعد عودتها للسوق، تراجعت كثيرا بحوالي الثلثين، مقارنة مع الفترة السابقة. غير أن أزمة الصحافة الورقية بدأت قبل الجائحة، وهو واقع مشترك بين أغلب بلدان المعمور. لكن الوضع في المغرب مختلف كليا.
فقد كانت مبيعات الصحافة الورقية لا تتجاوز 200 ألف نسخة يوميا، وهو رقم لا يتناسب مع تعداد السكان، حيث تظافرت عوامل متعددة لتجعل المغرب، من بين أضعف البلدان في مبيعات الجرائد الورقية في المنطقة التي يتواجد فيها. ويشخص التقرير العوامل التي أدت إلى هذا الواقع، من أهمها ضعف معدلات القراءة ومشاكل الطبع والتوزيع… لكن الأهم من كل هذا هو بنية المقاولة الصحافية المغربية.
فمقاولات الصحافة المغربية، في أغلبيتها الساحقة، صغيرة أو متوسطة، لا تتوفر كلها على الأنظمة الضرورية التي ينبغي أن تتوفر في تسيير وتدبير الشركات، رغم أن البعض منها عمره عشرات السنين، وهي الجرائد الورقية التي كانت سائدة في الساحة الوطنية قبل ظهور ما سمي بـ «الصحافة المستقلة»، ولم تخرج تجارب الصحافة الرقمية عن هذا المنحى العام، بل أكثر من ذلك، فإن حوالي الثلث منها يكاد يكون مقاولات مجهرية.
وسيكون من أهم مشاريع الأبحاث التي أصبحت ضرورية، دراسة بنية مقاولات الصحافة المغربية، لقياس مدى تجاوبها مع معايير التسيير الجيد المعمول به في الشركات الناجحة. غير أن هذا الواقع الذي نسجله في نظام هذه المقاولات لا ينبغي أن يخفي المحيط «الطبيعي» الذي تسبح فيه، وهو محبط أيضا، بالنسبة لعادات القراءة والمنافسة القوية لشبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحولت عادات القراءة والمشاهدة أكثر فأكثر إلى الأنترنيت، وفي الوقت الذي من المفترض فيه أن تملأ الصحافة الرقمية هذه الساحة إلا أن أوضاعها العامة، المتسمة في أغلبها بالهشاشة، لم تساعد على ذلك.
ومن الآفات التي تنزل بكل ثقلها على الصناعة الصحافية بالمغرب، واقع الإشهار، إذ أن 9 في المائة، فقط، من الإعلانات، وزعت على الصحافة الورقية، بينما توجه حوالي 40 في المائة من المعلنين إلى الوسائل الرقمية، 75 في المائة منها نالتها المنصات العملاقة العالمية، بل أكثر من ذلك، فقد لجأت مؤسسات عمومية مغربية لهذه المنصات، ولم تتوجه للصحافة الوطنية.
وإذا كان التقرير المشار إليه قام برصد هذا الواقع، فإن ما ورد فيه يسائل كل المعنيين والمتدخلين في هذه الصناعة الصحافية المتأزمة في المغرب، هل يمكن تصور بلد متقدم بدون صحافة احترافية مزدهرة؟ الحلول وأدوات العلاج ممكنة، لكنها تتطلب إرادة مشتركة.

الكاتب : يونس مجاهد - بتاريخ : 13/12/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *