تصورات قديمة لتنظيم صحافة جديدة

يونس مجاهد

خلال الأزمة التي عاشها المغرب، ومعه العالم أجمع، في متابعة محاولة إنقاذ الطفل المرحوم، ريان، ما كنا في حاجة مرة أخرى إلى أن نضاعف الألم المغربي ونحن نسجل ما صنعته بعض الصحافة الإلكترونية، من استخفاف تام بأخلاقيات مهنة تدعي أنها تنتسب لها. ولا يهم هل كان الأمر مقصودا لزيادة عدد المشاهدات، أم أنه مجرد جهل بقواعد وآداب الصحافة، فالأمر سيان، لأن الاشتغال بمهنة مثل هذه، يتطلب التزاما بمعاييرها الأخلاقية وبالكفاءة الضرورية على المستوى التعليمي، والدراية بمقومات العمل الصحافي.
من الواضح أن البحث العميق في هذه الحالة، سيؤدي إلى التساؤل حول طبيعة المقاولة الصحافية بالمغرب، والبنيات التي تتحكم في هياكلها، وكفاءة مسيريها، والنموذج الاقتصادي الذي تشتغل به. وإذا كان من الواجب الإشارة إلى أن هناك مقاولات في الصحافة الرقمية، تتوفر على مقومات مهنية وكفاءات، كما أنها تلتزم بالأخلاقيات وقواعد المهنة، فإن هناك نسبة غير يسيرة من هذه المقاولات، لا تتوفر على هذه المقومات، إما لأنها تغلب الطابع التجاري البحت في أدائها، وإما أنها لا تتوفر على الإمكانات المادية والموارد البشرية الكافية، كما أن البعض منها يجهل، أصلا، معايير العمل الصحافي.
وإذا كان من الضروري تصحيح هذا الوضع على الصعيد الأخلاقي، فإن معالجة الظواهر السلبية في تجربة الصحافة الإلكترونية، تتطلب أيضا، مراجعة شاملة للنموذج القانوني والاقتصادي والمهني لهذه الصحافة، حيث أن الأنظمة الحالية التي تسود شروط إنشاء مقاولة الصحافة، اعتمدت على تصورات قديمة لتنظيم الصحافة الورقية، التي هي بدورها لم تكن ملائمة، كلية، مقارنة مع الأنظمة المعتمدة في البلدان الديمقراطية، لإنشاء شركات الصحافة.
كل ما تم لحد الآن من إصلاحات في قطاع الصحافة، على مختلف المستويات القانونية، بالخصوص، لم ينفذ إلى عمق ما يتطلبه الواقع حتى يتوفر المغرب على صحافة قوية تتوفر على كفاءة عالية، قادرة على التجاوب مع ما ينتظره المجتمع، ليس على الصعيد الداخلي، فحسب، بل أيضا على الصعيد الخارجي، ولا يمكن للمغرب أن يتقدم في هذا المجال، وهو لايزال يجتر أنظمة لا تسمح بتطور صناعة صحافية وإعلامية، تندمج بشكل أكثر نجاعة وحسن أداء، في التحولات الكبرى التي يشهدها مجال التواصل، رغم أنه لا يمكن تبخيس المجهود الذي تبذله العديد من المقاولات الصحافية، من عمل جاد، رغم الصعوبات التي تعيش في ظلها.

الكاتب : يونس مجاهد - بتاريخ : 07/02/2022

التعليقات مغلقة.