خفايا الصراع الدولي في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية

بقلم: سري القدوة

 

من شأن أي متتبع لطبيعة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا أن يخلص باستنتاج طبيعي يؤكد أن تلك الحرب وما تنطوى عليه من خلفيات كانت ضرورية جدا لتأمين الأمن القومي الروسي، وهي وليدة لسلسلة من الأحداث الأمنية القصوى بالنسبة لروسيا، ومن الواضح أن العملية العسكرية كانت خيارا اضطراريا، والتي بدأت منذ 8 سنوات من الأزمة الموجودة بأوكرانيا بعد الانقلاب عام 2014، حيث كانت روسيا تحاول العمل على حل الأزمة بالحوار ومن خلال الاتفاقيات التي حدثت وأبرزها اتفاقية مينسك، ولكن لم تكن هناك استجابة في كييف لهذه الجهود دائماً، حيث كانت هناك مماطلة وموضوع تهرب من الالتزامات، وكان هناك نهج قيادي في كييف في السنوات الماضية أدى إلى انفجار المسألة في الوقت الحالي .
ومن الملاحظ أن العمليات الأمنية اليومية هي محدودة ولديها أهداف محددة لدرء الخطر الذي يمثله وجود «الناتو» في أوكرانيا أو دخولها فيه على الأمن القومي الروسي، بالإضافة إلى حماية المواطنين الروس والذين يتحدثون بالروسية في منطقة الدونباس، هذه الأزمة لها مجموعة واسعة جداً من الأسباب أبرزها دائماً التدخل الغربي في هذه الأزمة ومحاولة تنفيذ المصالح الجيوسياسية للغرب في أوكرانيا على حساب الأمن القومي الروسي، ومن الواضح أن خطوات روسيا العسكرية جاءت لتأمين الأمن القومي الروسي، وهي وليدة الضرورات الأمنية القصوى بالنسبة لروسيا .
وبات واضحا أن هناك مجموعة مصالح متفاوتة حتى بين أعضاء «الناتو» مع موضوع الأزمة الأوكرانية، بالنسبة للقوى الأوروبية هناك تخوف دائم من روسيا وقوتها بالشرق، وأن روسيا تريد السيطرة على أوربا، أو روسيا تهدد الأمن الأوربي بينما من الناحية الأمريكية أيضاً هناك مصالح تختلف قليلاً عن الأوروبيين وبات واضحا أن المصلحة الأمريكية تصب في اتجاه إطالة أمد الأزمة، وبالتالي مواصلة هذا التخويف وإبطاء عملية تطوير العلاقات الأوربية الغربية مع روسيا وانعكاسات هذا الأمر ظهرت بتعطيل «نورد ستريم 2» وتوتير العلاقات الألمانية الروسية والعلاقات الفرنسية الروسية ومجمل أوربا الغربية .
ومن الملاحظ أيضا أنه منذ 4 أو 5 أشهر تقريباً كان الحديث في أوربا عن فكرة إنشاء الجيش الأوروبي والخصوصية الأوربية وعن ضرورة أن يكون هناك مزيد من الاستقلالية في الرأي السياسي وفي السياسات الخارجية الأوربية في مواجهة الأمريكيين كرد فعل على إفشال الولايات المتحدة الأمريكية صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا وتأسيس تحالف «أوكس» الأمني، الذي رآه الأوروبيون إضرارا بوحدة «الناتو» ووصلوا إلى التصريح بتراجع أهمية «الناتو»، وأنه بدأ يفقد مبرر وجوده، هذا الأمر أدى إلى تسريع إشعال الأزمة الأوكرانية لإعادة توحيد القوى الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ولإبطاء وتعطيل العلاقات الأوروبية والغربية مع موسكو .
وبكل المقاييس، فإن المتضرر الأساسي من الأزمة هى أوكرانيا بالدرجة الأولى كدولة،لأن قيادتها لم تكن على قدر المسؤولية بإبعادها عن الاستغلال الجيوسياسي من قبل الغرب، وبالدرجة الثانية، أوربا الغربية متضررة بشكل أساسي جداً لأنها تضر بإمدادات الغاز الروسي وبالتعاون الاقتصادي مع روسيا وبتطوير العلاقات في ما يخص الأمن الأوربي من جهة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تحقق مكاسب من إطالة هذه الأزمة، وأن المكسب الأساسي لروسيا الذي تحققه هو حفظ أمنها وأنها تقوم بنوع من الردع على الجهة الغربية من حدودها، وهذا الأمر يعكس تشكيل خارطة جديدة للعلاقات بين الدول .

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
infoalsbah@gmail.com

الكاتب : بقلم: سري القدوة - بتاريخ : 08/03/2022

التعليقات مغلقة.