زيارة بلينكن: الرباط منصة دولية للاستقرار والأمن

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في «تغريدته» التي نشرها على تويتر، فورَ وصوله إلى المغرب، وضع كاتب الدولة في الخارجية «أنطوني بلينكن»، العنوان الأبرز لزيارته، ولخص بها المعنى الدائم والعميق حين وصف المغرب بأنه أحد «أول أصدقاء الولايات المتحدة»، مما يجعل للزيارة سياقا ثابتا وآخر متحولا يساير تحول نقط جدول الأعمال الحالي.
وعليه تصبح الزيارة محكومةً برهانات دولية، وأخرى اقليمية وثالثة ثنائية.
زيارة بلينكن تأتي مباشرة بعد القمة التي وصفت بالتاريخية في «النقب»، والتي هيمنت عليها نقطتان: هما الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتهديد الإيراني.
وفي كلتا النقطتين يملك المغرب، إلى جانب زوايا نظر مشتركة مع واشنطن، أجندته الخاصة وقراءته للإشكالات المطروحة، يلتقي في جزء كبير منها مع مواقف الدول الحاضرة في القمة.
ففي السلام الشرق ـ أوسطي، للمغرب حجر الزاوية التي ينظر من خلالها، ولا يمكن القفز على دوره، كوسيط وكفاعل ومعني من الدرجة الأولى.
بالنسبة للنقطة الثانية في القمة المتعلقة بالموضوع الإيراني، لا شيء يجعل المغرب غريبا عن الملف، فهو طرح المشكلة التي واجهها مع إيران، مع طهران نفسها، وسافر وزيره في الخارجية إلى العاصمة وعرض على المسؤولين الحجج التي تجعل سفارتها في الجزائر متورطة تورطا عسكريا واستخباراتيا في مناهضة حقه في قضيته الأولى.
وكانت النتيجة التي نعرفها، كما أن المغرب كان حاضرا بالملف الإيراني من حيث موضوع تسليح «البوليساريو»، من طرف حزب لله، من خلال حصوله على إدانة عربية لإيران، في لجنة وزراء الخارجية العرب المجتمعين بمناسبة الإعداد لمؤتمر القمة العربية المقبلة.
وخلاصة هذا التقديم أن الآثار المترتبة عن القمة، في اللقاء الثاني، ستكون محدودة، والامتداد الأساسي لها سيكون في تعبئة واشنطن لحلفائها في المنطقة واستعادة دورها في الشرق الأوسط وفي شرق المتوسط.
أما بخصوص الزيارة، فللمغرب أجندته الثنائية مع واشنطن كما يتبين ذلك من خلال التغريدة التي تعمد أن يتحدث فيها بلينكن عن واحد من أصدقاء أمريكا الأوائل. من جهة، ومن خلال البلاغ المرافق للزيارة من جهة ثانية. جدول الأعمال، يتمحور حول ديناميكية ثنائية، تتعلق بالقضية الوطنية، وفيها، تجديد الدعم الأمريكي للسيادة المغربية على قاعدة الحكم الذاتي كأساس وحيد للحل، من جهة أخرى.
وفي هذا، يمكن ربط الزيارة بسياق محدد، هو تزامنها مع اعتراف إسبانيا التاريخي من جهة ومباركة الولايات المتحدة لهذا التوجه الجديد والثوري في الموقف الإسباني..من جهة ثانية.
فقد كان وزير خارجية إسبانيا «ألباريس» قد قام بزيارة واشنطن والتقى بلينكن في العاصمة الأمريكية، قبل تطور موقف مدريد..
حدث كذلك، أنه، بعد الرسالة التي أرسلها «بيدرو سانشيز»رئيس حكومته إلى جلالة الملك، باركت واشنطن الخطوات سواء عبر وزارة الخارجية ونائبة بلينكن «ويندي شيرمان»، التي زارت إسبانيا والمغرب وقت الإعلان عن الموقف الجديد لإسبانيا، أو عبر السفارة الأمريكية في مدريد.
وخلاصة التفاصيل أن هناك مصاحبة أمريكية للقرار الإسباني التاريخي.. سيكون لها ما بعدها.
الزيارة تأتي كذلك، قبل يومين من الزيارة المرتقبة لوزير الداخلية الأسباني الباريس لبلادنا يوم غد الخميس.
الموقف الإسباني أصبح موقفا لدول الناتو والاتحاد الأوروبي، واجتمعت حوله الإرادات القارية، وليس الدول وحدها..
وهو ما يعني أن هناك قاسما مشتركا بين الزيارتين والتحركات الديبلوماسية بين مدريد والرباط وواشنطن..
فالقضية الوطنية حجر الزاوية في ترابط المواقف..
ثالث نقطة تهم سياق الزيارة، تركيز البلاغ الأمريكي على الحوار الاستراتيجي، وخلاصاته، التي تم التركيز عليها إبان زيارة 8 مارس، التي قامت بها نائبة بلينكن، واستحضار متغيرات إقليمية وإنمائية.. داخل نفس الثوابت المعلنة ، ولعل أهم المتغيرات مشكلة الغاز مع الجزائر والقضية الغذائية على ضوء الحرب الأوكرانية ، قضايا التنمية قد تحدث عنها البلاغ المنشور وعن الزيارة بإسهاب وتفصيل دقيق.
ويظل أحد العناوين الأبرز هو التحالف في مواجهة الإرهاب أو ما يمكن أن نجمله في سياسة أمنية إقليمية للاستقرار ومحاربة التطرف، وأمامنا في الأفق القريب مؤتمر ماي القادم، للتحالف الدولي ضد داعش، المناهض للإرهاب، ولدينا في المدى المستمر والدائم، تحديد استراتيجية سياسية عسكرية أمنية في مجال الأمن الدولي وفي مجالات الدفاع، والتعاون، وهو عمل أساسي من حيث بناء المفاهيم على المستويات السياسية ومن حيث النقط المدرجة في التفكير المشترك، وعلى المستوى الإجرائي، ومن حيث تحديد المصالح الاستراتيجية وتدبيرها بكل مشترك…
ولعل قوس الأزمات ذات الصلة بالإرهاب، صار يمتد من الشريط الساحلي جنوب إفريقيا إلى الأبيض المتوسط ومنه إلى الشرق الأوسط .. مما يتطلب دعم سياسة التعاون في القضايا الأمنية في مواجهة الإرهاب، وما يقدمه المغرب من خبرات ومعارف ومن تجارب عملية ناجعة..
وفي صلب التعاون الأمني، التعاون العسكري الذي يجسده الأسد الإفريقي..وهو بدوره يعرف نقلة نوعية، بإقرار الولايات المتحدة، لم يعرفها منذ 17 سنة!
وفي الحوار الاستراتيجي، يقدم المغرب كل ما يخدم هذا الحوار ويهدف إليه، في منطقة على صفيح جغرافي سياسي ساخن. وهو قاعدة إقليم مستقر، ومتحاور سياسي، ومتعاون أمني ، وداعم سلمي للحوارات المتعددة الأطراف. والمغرب، كما كتبنا في عمود سابق «في منطقة ديناميات متقاطعة منذ مدة أهمها دينامية غرب المتوسط والشمال الإفريقي والشرق الأوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء.. وفي مجال الساحل والصحراء تتزامن الزيارة مع انطلاق أشغال اجتماع السفراء والممثلين الدائمين والخبراء تحضيرا للدورة العادية الحادية والعشرين للمجلس التنفيذي لتجمع دول الساحل والصحراء، والتي تحتضنها الرباط.
وحسب رئيس هذا الاجتماع التحضيري موغومتي أبولينير “لم يتم عقد أي اجتماع منتظم لتجمع دول الساحل والصحراء منذ سنة 2019”
ومعروف أن فضاء التجمع يواجه إشكاليات متنوعة، لاسيما المشاكل المرتبطة بالأمن والصحة والاقتصاد والتنمية المستدامة.
لا تغفل الدينامية أي شيء ترابي تنموي ديموقراطي وحضاري سلمي لا يقدم فيه المغرب عرضا واضحا قابلا للتنفيذ. كما هو حال الحكم الذاتي .. تماما.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/03/2022

التعليقات مغلقة.