امرأة في مواجهة الموت 2 : المرأة الامازيغية التي تعلمت العربية في سنها السادس

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة ٠فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

 

رأت النور في ثاني أبريل من سنة 1975 في زنقة مولاي إدريس بدرب البلدية عمالة درب السلطان الفداء، لم تكن تبارح المنزل سوى لزيارة العائلة أو السفر إلى تارودانت رفقة الوالد، لأن سياسة الوالد الأمازيغي الأصل، كانت عدم مخالطة الجيران حفاظا على العادات والتقاليد، لم تتكلم ربيعة ابو المعز العربية إلا في سن السادسة حيث اعتادت التواصل بالامازيغية داخل المنزل مع الوالد ، كما مع والدتها عائشة بنت لحسن القادمة من حقول زعفران بتلوين والتي كانت الزوجة الثالثة لوالدها بعد وفاة الأولى والثانية، كان المسيد أول وجهة لها حيث قضت سنة كاملة به في حفظ القرآن، قبل أن يقرر الوالد في غفلة منها تسجيلها في مدرسة التقدم الخاصة التي لم تكن تبعد عن المنزل إلا بخطوات، حيث اكتشفت أول معالم العالم الخارجي بعد أن تلقت تربية تقليدية في المسيد أسوة باقرانها من الذكور، ومن مدرسة التقدم الخاصة إلى جميلة القيراونية العمومية إلى أن حصلت على الشهادة الابتدائية وكانت هذه المرحلة بداية البدايات لاكتشاف عالم اخر مليء بالمفاجآت والاحداث، خاصة عندما عمدت مديرة المدرسة الى اقصائها من المشاركة في احتفالات عيد العرش لأنها كانت في رأيها أكبر من سنها جسديا وهي الذكرى التي مازلت تحتفظ بها إلى اليوم لتنتقل بعدها إلى اعدادية 2 مارس الاعدادية، حيث ستعيش بداية مراهقتها إذ ستنتقل من تلك الطفلة الأمازيغية التي تتلمس بداية اكتشاف معالم جديدية إلى الانخراط في تلك المعالم بل صناعتها أحيانا أخرى ، وبعد قضاء اربع سنوات بما لها وما عليها ستعرف خلال هذه الفترة اليتم الأبوي وهي الذكرى التي لم تفارقها إلى اليوم، فأثناء عودتها من الاعدادية كان الوالد قد فارق الحياة كانت صدمتها كبيرة حتى أنها لم تستطع البكاء وظلت منطوية على نفسها طيلة فترة الحداد قبل أن تسترجع أنفاسها في ثانوية محمد الخامس، حيث حصلت على البكالوريا بامتياز
وفي الوقت الذي كانت تمني النفس لولوج إحدى المدارس العليا الخاصة بالتجارة والتسيير، تمكنت من اجتياز امتحانات كلية الطب بامتياز، إلا أن نداء القلب غلب على قرار العقل ، وظلت ابو المعز الطالبة متشبثة بالمعهد العالي للتجارة والتسيير، وظلت تتابع دراستها فيه رغم أنها غير مسجلة به، لتجد نفسها في اخر السنة طالبة راسبة في سنتها الجامعية الأولى. فكانت هذه النتيجة بمثابة صدمة لها غيرت الكثير في حياتها، وقررت العودة إلى مدرجات كلية الطب، حيث تابعت دراستها الجامعية بامتياز وحصلت على الدكتورة في الطب العام سنة 2004 لتلج عالم التخصص، لكن تخصص من نوع خاص جدا، وتلك حكاية أخرى.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 04/04/2022