بالفصيح : دفن الماضي الاستعماري

يونس مجاهد

 

من المؤكد أن الموقف الذي اتخذته الحكومة الإسبانية، بخصوص موضوع الصحراء المغربية، يشكل حدثا تاريخيا واختيارا استراتيجيا، قد يتجاوز في أهميته كل المواقف الأخرى المساندة لمقترح الحكم الذاتي، بحكم أن إسبانيا كانت هي البلد الذي استعمر هذا الجزء من المغرب، في إطار التقسيم الاستعماري الذي اتفقت عليه مع فرنسا، في بداية القرن الماضي.

بل أكثر من ذلك، فإذا كانت الدولة الجزائرية قد وفرت المأوى والدعم الديبلوماسي للانفصاليين، فإن إسبانيا، منذ أكثر من أربعين سنة، وفرت لهم المال والدعم الإعلامي، على الخصوص، وجعلت مؤسساتها، بمختلف واجهاتها، في خدمتهم.

لذلك، لن يكون الأمر سهلا، من أجل تكريس هذا الموقف الإسباني الجديد، فالمقاومة، لما اتخذته الحكومة الإسبانية، شديدة، داخل مختلف الأوساط السياسية والجمعوية والإعلامية، لأن خلفيات مساندة الدعوة الانفصالية، تتجاوز هذا الملف في حد ذاته، فهي متجذرة في العقل الجمعي الإسباني، الذي لم يغير ثقافته تجاه الشأن المغربي.

ومن المعلوم أن تقارير ودراسات، تم إنجازها في إسبانيا، تعتبر أن العدو الرئيسي لهذا البلد هو المغرب، وأن الخطر سيأتي من هذا البلد. وتتجاوز هذه النظرة السلبية، “التهديدات” المحتملة لسبتة ومليلية، أو موضوع الهجرة، رغم أن هذا هو ما يغلف مروجي أطروحة الخطر المغربي.

المقاومة الشديدة التي تواجهها حكومة بيدرو سانشيز، هي نتاج موروث ثقافي تاريخي، يستحضر في خياله الجمعي، ما يسمى ب”المورو”، الذي يعتبر دائما مصدر شر وسوء، وما الصعود المفاجئ لحزب “فوكس”، اليميني العنصري، إلا أحد تجليات هذا الموروث الثاوي، في ثقافة أغلب المواطنين الإسبان، تنفخ فيه آلة إعلامية، موجهة ضد المغرب.

لذلك يمكن القول إن طريق تطبيع العلاقات الحضارية مع إسبانيا، طويل وشاق، ويبدأ من الثقافة والإعلام، وعلى الإسبان، بالخصوص، أن يراجعوا نظرتهم للمغرب والمغاربة، لأن لهم أولا مصلحة في ذلك، على مختلف الأصعدة، خاصة الاقتصادية، ولأن إصلاح العلاقات مع المغرب، يتطلب التصالح مع التاريخ والجغرافيا، ويحتم عليهم أن يدفنوا الماضي الاستعماري، بكل تجلياته وتلاوينه.

 

الكاتب : يونس مجاهد - بتاريخ : 04/04/2022

التعليقات مغلقة.