ماضاع حق وراءه (آيت) طالب!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

حتى يظل أنْف الديموقراطية سليما وروح القانون حية

من المرجح أن تتحول قضية المعتقلين في قضية »الصحة» إلى مسلسل رمضاني مما اعتدناه كل سنة، لاسيما إذا تأكد أن الذين اعْتُقلوا والذين أطلق سراحهم على ذمة كفالة، سيجرُّون معهم »أبطالا« آخرين مع توالي التحقيقات وحلقات عصابة الدواء والصحة…
لا بد لي أولا أن أخفف عني شعورا بالذنب حيال ما يقوم به ميزان العدالة في قضايا مثيرة مثل هاته، إذ، أحيانا يتملك العبدَ الفقير لرحمة ربه الإحساسُ، عند الحديث عن تسليم زمرة من المسؤولين والشخصيات المهمة في البلد إلى العدالة، أن لا شيء أصبح يستحق تسمية «فضيحة» في الفساد الذي يعانيه الوطن، كما يحدث حاليا مع العصابة الموزعة على التهم، في صفقات وزارة الصحة.
ولعل من أخطر أسلحة الفساد أنه يجعل نفسه عادةً، ويُطبِّعَ وجوده معنا حتى أننا لا نشعر بالحاجة إلى الغضب أو الذهول أو الانتشاء عند العثور على فضيحة !
ومع ذلك، مع ذلك، مع ذلك، لا يمكن إلا أن يكون من المثير إيجابا أن يكون وزير في المغرب مضطرا إلى وضع شكاية بشأن قضية ما أصبح يعرف بـ»فضيحة القرن« والقرن الذي يليه.
والوزير الذي قام بشيء غير مسبوق في وزارته، التي تُعنى بصحة المواطنين يستحق التصفيق والإشادة على خطوة مباركة كان الأَوْلى أن يقوم بها من سبقوه !
وبالرغم من كل أنواع »الفورمول« والكافور والمطهرات والسوائل العطرة، ذات الصلة بالصفقات الصحية، فإن رائحة القضية كانت نافذة بشكل لم تنفع معه كل الروائح للتغطية عليها.
ولعله شيء محمود للغاية أن يظل أنْف الديموقراطية سليما وروح القانون حية والأكثر أهمية، ما ينتظره الناس من ذلك أن تكون يد العدالة قوية!
لا أعرف ما هو الشعور الذي يتملك رجلا مهما في حزب سياسي أو نقابيا في نقابة عتيدة، أو إطارا مهما من إطارات الدولة وتقنييها الكبار، وهو يرى اسمه محشورا، بقلم فوسفوري اللمعان، ضمن لائحة المتابعين بتكوين «عصابة إجرامية»، في ما يبدو الاتهام بـ«التبديد» حركة بهلوانية و«الإرشاء» نزهة رياضية بسيطة أمام «تزوير المحاضر وتزوير وثائق وإخفاء الوثائق بعد إخفاء آثار الجريمة»… وما إلى ذلك.
لكن الحقيقة هي أنه لا بد من أن نرفع القبعة للرجل، الذي فضح جيشا من النقابيين والسياسيين والمسؤولين الجهويين والإداريين..والأطر في أقسام «متعددة الاختلاسات» حتى أن العدد الكبير، الذي وثَّقتْهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يتجاوز خصاص الوزارة في بعض التخصصات!
والحمد لله أن الوزير خالد ايت طالب امتلك الشجاعة والنزاهة الضروريتين لكي يقودهم جميعا إلى القضاء: 31متهما أمام ميزان العدالة»، منهم 18 موظفا عموميا و13 أرباب شركات ومستخدمين.
ونحن نعرف أن الوزارة الأقل حظا من جهة عدد الأطر، لاسيما بعد نزيف المغادرة الطوعية هي وزارة الصحة، وعندما يخرج بعض كبارهم أنفسهم من لائحة النزهاء فتلك خسارة مضاعفة…
من حسن الحظ أن البلاد فيها مسؤولين وأناسا أياديهم نظيفة وفي القطاع الصحي نفسه، وهم يمثلون أولياء الله الصالحين بالنظر إلى مقاومتهم لإغراءات الانزلاق ولما يقدمونه في ظروف شاقة وصعبة من خدمات في الظل أو «بينهم وبين لله»، كما يقول المغاربة بصوفيتهم المعتادة…
إن وزارة تقدر على ضمان السيادة الصحية، ويمكنها ضمان سير المشروع الجليل للتغطية الصحية والاجتماعية، لا بد لها من وسط نظيف ومحيط أنـظف.
لقد كان »الكوفيد» رحيما باللصوص، وتركهم في العتمة وفي الكتمان إلى حين رحل، كما لو أنهم أول ضحايا التراجع الحاصل في الوباء، وعودة الهواء إلى عاداته القديمة الصحية!
ولعل القضاء والفرقة الوطنية والوزير اتفقوا من حيث لا يدرون على تعطيل الكشف عن الوباء الفاسد إلى حين رحيل الوباء الصحي، كما لو أن لسان حالهم يقول: «إن لله رحيم بالمغاربة لهذا لا يجعلهم يواجهون وبائين في نفس الفترة: وباء الاختلاس ووباء الكوفيد»!
وبالرغم من أن »الخريطة الصحية» للجريمة شملت العديد من الجهات الترابية والمصالح والتخصصات، فإن آليات التفتيش البيروقراطية التي تحركت قبل المتابعة اكتفت بالحديث عن «الضرب والجرح الخفيفين، من نوع »نقص في استخلاص واجبات الخدمات الطبية»، بمعنى عدم التشديد على المرضى في دفع واجبات الخدمات المقدمة إليهم، في حين أن الدولة كلها كانت «مخدومة»، بلغة الفقيد الكبير اسي امحمد بوستة رحمه لله…
لا يمكن والحالة هاته، ألا نقف عند هذه «الغميضة» الكبيرة التي تمت تحت أنظار وزراء سابقين ومفتشين سابقين ومُفتحصين سابقين.. كما لو أنهم اكتفوا بالفحص…. عن بعد!
لقد سماهم صك الاتهام بالعصابة، وهو توصيف لوحده يزلزل القناعات ويزعزع العقائد، عندما تكون هناك ذرة من الوازع الديني أو الوطني أو الأخلاقي أو الوجودي.
إنهم عصابة، وهذا الذي سيبقي لهم ولن تبقى الألقاب السابقة ولا الامتيازات.
بيد أن الحقيقة المرة الأخرى، التي يجب الاعتراف بها، أنهم كبروا في ظل انهيار القيم الذي يعتبر اللصوصية قدرة فائقة على ترويض الأقدار والخروج من حالات الاكتظاظ الخانقة في طوابير مجتمع المحرومين…
كما يجب أن نعترف أن بعضا من الرأي العام قد يميل إلى اعتبار ذلك مدعاة إلى الشك المطلق، وعوض أن يصفق معنا لهذا التوجه المظفر، قد يجد في ذلك دليلا على تفشي الفساد واحتدامه في أحشاء الإدارة والمجتمع، ومبررا «معقولا» للكفر بالمجتمع!
إن هؤلاء الذين يمسون الصحة، يشبهون عصابات لصوص يجهزون على مريض أو رجل ضعيف وعوض تقديم المساعدة لشخص في خطر، يجهزون عليه في ظلام الصفقات!
ويجهزون على وطن في طور إعداد نفسه لتحول كبير في الخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية في أكبر ورش له منذ الاستقلال. وقد يكون منهم من ينتمي إلى حزب يرفع عاليا راية هذا المنجز..
لقد راودنا اعتقاد طويل بأن اللصوص لن يجرؤوا على الصحة والتعليم، واتضح أنهم غير ذلك.
ومن حسن الصدف أن السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، ذكرنا جميعا، بأن الأمن الصحي للمواطنين يكتسي صبغة دستورية، وأن «الأمن الدوائي يعتبر عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد، انطلاقا من التوجه الملكي السامي الذي ما فتئ يؤكد على أهميته في مختلف المناسبات.
وعليه، لا يمكن أن تخوض المعركة الكبرى التي أرادها ملك البلاد، بكيانات مغشوشة. ومن هنا فالسيادة الصحية من سيادة القانون، في دولة جعلت حجر الزاوية فيها هو… الإنسان!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/04/2022

التعليقات مغلقة.