مشاورات سياسية بين الرباط والرياض تحيين علاقات متينة وتوحيد الرأي في القضايا الإقليمية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

بانطلاق النسخة الأولى من المشاورات السياسية السعودية – المغربية، يوم الثلاثاء الماضي بالرياض، يكون البلدان قد نشَّطا اتفاقا مرت عليه 15 سنة! حيث أن المغرب والسعودية كانا قد اتفقا على تأسيس المشاورات السياسية بين البلدين في عام 2007، والتي عقدت أولى دوراتها المشار إليها أعلاه.
في معنى التشاور السياسي، كآلية تعتمدها الدول لتطلع بعضها البعض على التوجهات الكبرى والخلفيات لدى الشريك، التي تكون وراء اتخاذها لقراراتها، فهي مناسبة ومحطة للتفكير المشترك قبل اتخاذ القرارات، كما أنها في طور تأسيسي، باعتبار أنها البروفة الأولى لهذه الآلية…
**********
لا تقف المشاورات السياسية عادة عند المواضيع التي تغطيها الشراكات والاتفاقيات الثنائية، أو التوقعات من هذا الطرف أو ذاك مما يشمله المجال الحيوي، القريب والملازم، بل تصل حتى الأحداث التي تقع بعيدا نظريا، ويمكن أن تكون لها تأثيرات على الشريكين وسياستهما.
الآلية التشاورية آليه إجرائية مباشرة، وتسمح بتحديد سريع للمجالات التي يمكن للعمل المشترك أن يضطلع بها، وينسق فيها بما يمكن أن يكون في صالح الأمن والاستقرار. لا يقتصر ذلك على القضايا السياسية لوحدها، بل يشمل حقولا واسعة من الاهتمام المشترك، انطلاقا من الاستثمار إلى التعاون العسكري وما إلى ذلك. قد تبدأ من تبادل المعلومات والآراء أو تأخذ شكل نظرة أولية عن القرارات أو الإجراءات التي ستتخذ من بعد من طرف الحكومتين، وهذا ما تعكسه مقدمة جدول الأعمال.
جدول أعمال الدورة الأولى الذي سيدوم نقاشه يومين، يتضمن:
1ـ عددا من القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
2 ـ كما أنها تبحث التحضير للجنة المشتركة المغربية – السعودية التي ستعقد في يونيو القادم في المغرب.
وبخصوص هذه النقطة، كانت آخر دورة من أشغال اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية، وهي الدورة 31 قد انعقدت في جدة عام2013، أي منذ 9 سنوات.
وتعد هذه الآلية من أهم أركان التعاون الثنائي بين البلدين، كما في حالات بلدان أخرى. وكان من نتائجها الدالة إنشاء المجلس السعودي – المغربي المشترك لرجال الأعمال.
وبالعودة إلى المشاورات السياسية فهي بدورها من آليات العلاقات الدولية، وهي عادة ما تقوم بـ «تحيين» الفهم المشترك للانشغالات السياسية الثنائية والإقليمية والدولية بين الدول.
ومن القضايا الإقليمية التي تهم السعودية والمغرب قضايا ذات تشابكات دولية، سواء كانت في الشرق الأوسط، بوجود قضايا ذات راهنية حارقة، كمسألة إيران، والقضية الفلسطينية وتطورات التقاطب الجيو استراتيجي في الشرق والغرب العربيين، أو تعلق الأمر بالقمة العربية واتفاقات وزراء الخارجية العرب، أو بشمال إفريقيا وغرب المتوسط، وما يتم من تطورات في حوض المتوسط..
القضايا الثنائية كثيرة والقضايا الإقليمية حارقة، وكلها إشكاليات عميقة وذات آثار بعيدة المدى أو قادمة من الماضي المتوسط المدى..
ولا تقف القضايا الإقليمية عند العالمين العربي والإسلامي بل نجد من الأقاليم الجيواستراتيجية، إفريقيا، حيث أن السعودية تعتبر أن الاهتمام الأوسع بدول شرق إفريقيا يشكل خطًا استراتيجيًا حيويًا لأمنها.
إن إفريقيا تعد أيضا ساحة أساسية للعمل المشترك المغربي الخليجي، لما تمثله من أهمية مستقبلية على الصعيد الاقتصادي والاستراتيجي.
**********
على المستوى الثنائي، للمغرب والسعودية علاقات سياسية واقتصادية متينة، تحتاج ككل العلاقات إلى التحيين على ضوء المشاورات السياسية، وهي علاقة يقول الجميع إنها العلاقة النموذجية في العالمين العربي والإسلامي، بالنظر إلى أن مساحات التوافق فيها كبيرة وواسعة.
وتندرج هذه العلاقة الثنائية المتميزة في سياق عربي متسع هو سياق الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي سنة 2011، والذي انتهى إلى صيغة «الشراكة الاستراتيجية الخليجية – المغربية».
ومن المحقق أن الفترة الفاصلة بين 2007 واليوم، عرفت عدة محطات قوية، منها محطة أبريل سنة 2016 التي شهدت فيها العلاقات السعودية المغربية عقد أول قمة بين المملكة المغربية ومجلس التعاون الخليجي، حيث تناولت سبل تعزيز الشراكة سواء في أبعادها الاستراتيجية أو في أبعادها السياسية والاقتصادية، حيث أكد الملك سلمان بن عبد العزيز بأن «دول الخليج تتضامن مع المغرب، ولا سيما في قضية الصحراء المغربية».
**********
وإذا أخذنا الفترة الأخيرة، منذ أبريل الماضي كانت هناك محادثات بين رئيسي الديبلوماسية بوريطة وفيصل بن فرحان، وكان المغرب قد أعلن وقتها دعم الرياض لاحتضان إكسبو 2030. كما أن اتصالا تم في 6 فبراير الماضي أجراه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي تم خلاله «استعراض العلاقات الثنائية بين الرياض والرباط، وسبل تعزيزها بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، إضافة إلى بحث التطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».
وكذلك لن ينسى المغاربة موقف ممثل السعودية الدائم عبد لله المعلمي عند تدخله في مناقشات اللجنة الرابعة في الدورة 76 للجمعية العامة، في أكتوبر الماضي، ودعمه للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره يتوافق مع الحل الدولي والقوانين الدولية…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/04/2022

التعليقات مغلقة.