بعض سيئات التواصل الاجتماعي

 

من سيئات التواصل الاجتماعي اليوم، تقديم الدجل حكمة، وتبويء الشعوذة طبا، وعرض المرضى النفسيين كمشاهير، وتنصيب الحمقى نجوما، وحلول المعطوبين نفسيا في الصدارة، وإعلان الإنتهازية بطولة، والنعيق متعة، وبسط التفاهة عنوانا للمرحلة، واعتبار الإنشاء الابتدائي صحافة، والمأساة وصفة ممتعة، والفضائح فرجة، والأنثى ليس أكثر من وعاء لتفريغ المكبوتات المتكلسة من زمان.
لذلك، سواء بدافع التقاسم المغرض أو السبق الصحفي المريب، وتحت يافطة الإبهار وإنتاج الدهشة والغرابة، أو من أجل قتل الوقت لإمتاع الصداقات الطائشة والترفيه عن النفس اللوامة، وإشراكها في صناعة الحدث، بعد تنميقه بضلالات الافتعال والشعبوية، بغية حصد الإعجابات والتهافت على المشاهدات القياسية، يقوم بعض التواصليين من المؤثرين السلبيين في حياة الناس عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بتعميم محتويات فيديوية ذات الطابع التلفيقي المغرض، ويكرسون تداول بعض الأقوال والموروثات المفذلكة بالشعبوية الدينية تارة، وبنكهة العلم والمعرفة السطحية في أحسن الأحوال.
في علاقة بسيكولوجية التلقي، بودنا السؤال، مادام هو جوهر القضية. كيف نستسيغ تتبع السفالات ونسهم في الترويج للإشاعات المغرضة الكاذبة التي تسيء للأمن الشخصي، وتشوش على استقرار السلم الاجتماعي بدافع الاستكشاف والفضول؟
وكيف يقبل البعض عن حسن أو سوء نية، تقاسم خلطة إشاعات خبيثة حاقدة ليس لها نصيب من الربح غير ترويع أمن الناس، وإرباك منسوب القيم المتأصلة في نفوسهم، وزعزعة الاستقرار المكتسب لديهم؟
إن جهل الناس بمضامين الإشاعات كواجهة للتدمير النفسي، لا يبرر تقاسمها وترويجها ذاتيا والدعاية لها والإعلان عنها بمنطق النازية على أوسع نطاق، سواء كان ذلك بدافع النكاية والتشفي في الإعلام الرسمي، أو دعما حقيقيا لجهات معادية للوحدة والسلم الاجتماعي للبلد .
أريد أن أقول إن الإشاعات المغرضة التي تستهدف روح المجتمع وقيمه الأصيلة والتي تتوخى الإساءة لهوية الدول العربية، وتشويه تاريخها والعبث به، في مسعى حثيث إلى خلق البلبلة والفوضى في ظهرانيها، لم تعد تنطلي على أحد. وبات الكل مكشوفا ومنكشفا وعلى علم بصانعيها ومروجيها والمستفيدين من ريعها. ولنا في أمثلة التشكيك في أصول أشخاص عرب ومسلمين.. أبا عن جد، لا لشيء، سوى النيل من أصل الرجل وفصله وتمريغ كرامته بنكهة الحرية في التعبير، والهامش العريض للديمقراطية الزرقاء.
وبالمقتضب المفيد، ومن أجل استغلال مثمر لهامش الحرية الرقمية، وفي أفق تواصل اجتماعي مريح وناجع، بات من الضروري على المؤثرين وأشباه المؤثرين، كما على النخبة المثقفة وأشباه النخبة اليوم قبل غد، ليس تجنب تصفح إنتاج الإشاعة المغرضة فحسب، بل عدم الإعلان عنها والدعاية لها عبر مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي .
إن الترويج للإشاعة على السوشل ميديا بالسرعة والدينامية الفائقة، ووجود أطراف داخلية تستلذ بذلك، يعتبر جريمة أخلاقية بآلية رقمية مطلوب تفعيل الضوابط القانونية بشأنها، لاسيما وأنها باتت ممارسة ممنهجة مكشوفة لدى المناهضين للاستقرار المجتمعي للدول. والمنتشين بزرع الفوضى لتشتيت وحدة الأمم وأمنها واستقرارها المجتمعي .
إن إسلام علماء غربيين، ومعاقبة أشخاص بطرق غيبية، والعلاجات بالتلاوات والطلاسم والرقاوات، ورمي الناس بشبهات التدين لغير الإسلام، واجتراح كبرياء العموم، وتسويق العادات فرائض إلى غير ذلك من الموروثات الثقافية إشاعات خبيثة ومغرضة لا تستحق أي اهتمام من فئة المؤثرين الإيجابيين، لكننا نراهن على ذكاء مواطنينا ونخبتنا المثقفة في خلق جدار واق، ضد كل إشاعة تتوخى النيل من الهوية والتاريخ، وزعزعة أمن المجتمع والتشكيك في قيمه..
من المعروف، في البراري والغابات المتوحشة، حيثما انتشرت رائحة الموت تتجمع الطيور المفترسة التي تغتذي على ما تتركه الضواري. وما يحزننا في الظرفية التراجيدية الحالية للعالم العربي أن كواسر النت ينتهزون هامش الحرية المتاح، ويقتنصون المشاهد المؤلمة، ويغدقوا في إنتاج الدهشة والصدمات ليغرقوا منصات التواصل بفيديوهات ترويعية ظاهرها المنافق التنبيه، وباطنها هاجس السعي الوقح إلى الرفع من المشاهدات وأعداد متابعيهم ومكاسبهم المادية، مهما كانت الأضرار والمخاطر الجانبية التي تخلفها انتهازياتهم التي تركب على كل الطوارئ بذهنية افتراسية تظل وستظل، بعد انحسار القيم وتغاضي الضوابط أشد فتكا من أوبئة الأرض مجتمعة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 13/04/2022