أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 17 : هل كان وصول الإسلام إلى المغرب غزوا أم فتحا؟

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك ، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي (محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم ، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة )إن كان النطق صحيحا ( و نتع رف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري ويمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع ! و ما زلنا ند رس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها .

 

(.. والفضيلة كما قال الفلاسفة هي التوسط بين الرذيلتين .. ففيما بين التهور والجبن نجد هناك الشجاعة، ونجد الكرم بين البخل و التبذير …)
خالص جلبي

مقدمة: في أغلب الحضارات يعتبر الدين، وكذا الثقافة العالمة (ونقصد بها، ثقافة الكتب والدبلومات والشهادات ..) لا تكون سوى جزء من الثقافة بمفهومها الواسع .. وبهذا فإن الثقافة هي ما تعلمناه وما نعرفه ونمارسه ( وكما قال أحدهم: ما يسري علينا من القماط إلى الكَفَن )، يعني ما ورثناه من جهة وما عرفناه عن طريق احتكاكنا بثقافات الشعوب الأخرى، وصار مطردا في سلوك المجتمع ، ويتميز بالدوام والصيرورة في مجالات مختلفة كالدين واللغة والسلوك، وكذا طرق التفكير والتعبير والذوق واللباس وطرق الطبخ …إلخ.
ولهذا فشخصيتنا الجماعية المشتركة فيما يسمى بالشرق (بغض النظر عن الثقافات الأولية و الثقافات الإقليمية) يكون فيها الدين هو المحور .
إن الدين هو قطب الرحى في عملية التفكير هنا، إذ لا يمكن لأي مغربي أن يأتي بسلوك ما أو يفكر في أي أمرـ كيفما كان ـ دون أن يعرف رأي الدين في ذلك . ربما هذا شأن كل المجتمعات الشرقية، رغم أننا نحتاج في ذلك إلى دراسة خاصة ومستفيضة، ولكننا نجزم بذلك في مجتمعنا المغربي بحكم الممارسة اليومية . ولا يمكن لأي كان ـ مهما كانت طبيعة أفكاره ـ سواء كان لا دينيا أو مؤمنا أم كان أصوليا رادكاليا، أو أصوليا عقلانيا (أو ما يسميه البعض علمانيا، وكلا الأصوليتين تتشابهان مادامت الواحدة منهما تلغي الأخرى)، أن ينكر ذلك.
إن المجتمع المغربي ـ كباقي المجتمعات الشرقية، شئنا أم أبينا ـ هو مجتمع متدين ، مادامت تحكمه تلك النظرة الدينية ، بغض النظر عن مستوى فهمه للدين وفلسفته ومقاصد الشريعة ، وسواء اتفقنا مع طريقة تنزيل هذا الدين/ الدستور إلى أرض الواقع أم لم نتفق. وتنزيل هذا التنظير ـ في نظرنا ـ هو سبب الخلاف ، والعائق الأساس الذي يقف في وجه اجتماع الأمة من السند إلى المغرب.
فالمشكل، ليس هو الدين ذاته بل طريقة تطبيقه والنظرة التي تحكمه بغض النظر عن الطقوس الاجتماعية الموروثة والثقافية المحلية، وبغض النظر عن تلك المنظومة الفكرية التي يجب أن تصدقهاالممارسة الفعلية، لأنها هي التي تتحكّم في نظرة الآخر لها، وهي التي يتم تقديمها كنموذجللإنسان المسلم أي كأخلاق متحكمة في السلوك الجمعي اليومي (لكي نعطي المثل والقدوة) التي تجعل منا مسلمين أو مؤمنين .
هذه التوطئة كان لابد منها، والقصد من ورائها وقف ذلك التراشق بالكلمات والتخوين أو التكفير، إن كان القصد هو إعطاء المثل وكانت النوايا صادقة .. ما دمنا سنفتح بابا قيل فيه الكثير وأسال كثيرا من المداد كما يقال لمحاولة الإجابة عن مثل هذهالأسئلة المقضة والمؤرقة ..
هل كان وصول الإسلام إلى المغرب غزوا أم فتحا؟
بالله عليكم، أمازال فينا من يطرح هذا النوع من الأسئلة..؟ وهل لايزال من الدارسين والكتاب والباحثين من يكتب عن مثل تلك السلوكات ويدافع عن بعض الآراء الشاذة ـ والمسألة كلها إيمانية ـ ؟ كيف لنا ونحن ننتمي إلى الألفية الثالثة أن نقيّم نوايا أشخاص توفوا أو ماتوا منذ حوالي 14 قرنا؟ ونضطر نحن الأحفاد تحمل تبعات سلوكات كان الأوائل مسؤولون عنها، وسيتحمل من بعدنا أولادنا وأحفادنا تبعات ذلك، وتكون أخطاء بعض الأوائل وزرا على المتأخرين، عليهم حمله وتحمله.
أول ملاحظة قد تثير انتباهنا ونحن نتصفح المصادر التاريخية، هي تلك المفارقة التي نجدها بين مصادر الغرب ومصادر الشرق أي بما جاء بين دفات الكتب باللغات المختلفة التي وصلتنا .. قد نتفهم هذا الاختلاف إذا تعلق الأمر بمسألة الثقافة والمثاقفة ولكننا نتعجب كل العجب ونحن نمر من مصادر الغرب إلى مصادر الشرق فنجد هذا الاختلاف الصارخ و عدم الاتفاق حتى على أسماء القبائل و الأشخاص المؤرخ لهم . وقد نفسر ذلك باختلاف اللغات و تنوع النطق ، لكن أحيانا لا نجد حتى تلك الحروف المتعلقة بالجذر المشترك لكي نفسر ذلك .
فنحن نجد الحديث عن قبائل الأطولول و البكوات مثلا في الكتابات الغربية ، وفي نفس الوقت يتم الحديث عن صنهاجة ومصمودة و مديونة وكتامة وبنو يفرن .. في الكتابات العربية.
وقد خلف لنا هذا البون الشاسع في التسميات عدة إشكالات تفرعت عنها عدة مشكلات من بينها ما نطرحه في هذا الكتاب .. في غياب دراسات تنقيبية وأركيولوجية وأنثرلوجية ..
ومن بين ما تتركه مثل هذه المشاكل ما جاء عند ابن أبي الحكم في كتابه « فتوح أفريقيا والأندلس»:
«يقال بل خرج عقبة بن نافع إلى السوس واستخلف على القيروان عمر بن علي القرشي وزهير بن قيس البلوي، وكانت إفريقية يومئذ تدعى مزاق ..»
ونجد في حاشية الكتاب تعليقا للمحقق يقول فيه: «لم نعثر على ترجمة إفريقية بهذا الاسم»
ونرى أنه من الطبعي أنه لم يعثر على ذلك، بل لن يعثرعلى إفريقيا بهذا الاسم مادام المعتمد مصادر عربية يأخذ فيها اللاحق عن السابق، وقد سمت إفريقيا (القارة) والمدينة إفريقية في المصادر العربية الإسلامية.
ونحن نعلم أيضا أن بعض الحروف تتغير كلما انتقلت من لغة إلى أخرى (ما بين ثقافتين مختلفتين) ولم يفطن المحقق (ربما) إلى أن القاف قد يكون أصلها كافا (مزاك) أو غينا (مزاغ)، فربما ـ بل أكيد ـ كانت تسكن المكان قبائل أمازيغية لذا سميت حسب قوله (مزاق)، كما سمى البرتقال (أو البرتغال البورتكال) مدينة الجديدة مازاغان Mazagan كما سيسميها الفرنسيون فيما بعد، تحريفا لكلمة إيمازيغن .


بتاريخ : 16/04/2022