اعتداءات القدس: المغرب يسمي الأشياء بمسمياتها!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يتردد المغرب في تسمية الاعتداءَ اعتداءً
والاحتلال احتلالا
والإدانة إدانة
والاستنكار استنكارا،
أمام ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك.
ذلك أن الدم الفسلطيني يملك، في التعريف المغربي للقضية، القدرة على إيقاظ أصل الأشياء، كما أن البلد يجيد الإنصات إلى نجيبه وإلى البداهة، لهذا يستطيع ان يعبر بالكلمات الدقيقة والحقيقية عَمَّا يقع أو ما يجب ان يقع..
وقد كان بلاغ الخارجية المغربية، الصادر يوم 16 أبريل، قويا، وسمى الأشياء بمسمياتها، في تفاعل غاضب مع ما يحدث في بيت المَقْدِس والبيت المُقدَّس..
أول ملاحظة هو الإطار الذي يتحدث من خلاله بلاغ الخارجية المغربية: أي اعتبار «المملكة التي يرأس عاهلها لجنة القدس الشريف التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي».. هي التي تعرب عن الموقف الغاضب والمستنكر للاعتداءات الحالية.
فهذا هو حجر الزاوية في الموقف المغربي الذي يوضع من خلاله الإطار للموقف الذي عبرت عنه الخارجية… والموقف هو صدى للاستنكار الذي عم الأمة الإسلامية، وحرك كل عواطفها في هذه اللحظة العنيفة من رمضان الأبرك.
فلجنة القدس هي وليدة الألم المرتبط بالمقدس ومسجده الأرقى الذي تولى المغرب رعايته والدفاع عنه والحديث باسمه وتحريك العالم الديبلوماسي باسمه.
ولهذا لايمكن منع المسلمين – وأولهم عاهل المغرب وأمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس ـ من استحضار الألم الذي استبد بهم منذ 1969، عندما تم إحراق المصلى القبلي في المسجد بوضع مادة شديدة الاشتعال…
لجنة القدس هي وليدة هذا الألم، الذي أكلت نيرانه عاطفة مليار ونصف مليار مسلم، ولهذا يتجدد الألم، اليوم، عندما يمس المسجد الأقصى، والتعبير الأقوى عن ذلك جاء من رئيس لجنة القدس التي رأت النور على إثر ما وقع يومها…
ويومها دام الحريق أربع ساعات، التهمت فيه نيران الحقد، المحراب، والمصاحف، والمنبر التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من حلب السورية عام 1187م، ومسجد عمر ومحراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا، والجسور الخشبية المزخرفة الحاملة للقناديل والممتدة بين تيجان الأعمدة…
كل هذه المشاهد تعود اليوم، في روح البلاغ، الذي يرى أن النيران طالت.. الإنسان المقدسي، من خلال الإصابات والتنكيل والمصادرة..تجاوز البِناء إلى البَنَّاء .
الإدانة الملكية تذهب اتجاه تجريم توظيف التأويل التوراتي التلمودي ضد السلام وبناء الثقة التي يمكن أن تسور السلام.. الممكن.
هو توظيف المستحيل الديني في تقويض الممكن من عملية سلام جامدة ومحنطة في توازنات الداخل الإسرائيلي..
أعادت الاعتداءات مذبحة الحرم الإبراهيمي التي قام بها صاروخ جولدستين..
وفي المتن السياسي للبلاغ، تتحدث لغة البلاغ، بلا مواربة ولا زخرف بلاغي، عن:
1 ـ إدانة شديدة
2 ـ عن استنكار ما يحدث…
ولعل بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد حافظ على قوة الكلمات في التعبير عن هذا الموقف، من خلال تسمية الجنود الذي اقتحموا المسجد بـ «قوات الاحتلال الإسرائيلي» وتسمية الهجوم بـ «الاقتحام وإغلاق البوابات والاعتداء على المصلين العزل… في الحديث واتخاذ الموقف من مجريات المسجد الأقصى والقدس.
وكانت فقرة البلاغ الصادر عن الخارجية المغربية واضحة صريحة، وهي تقدم الموقف الرسمي المغربي: المغرب يدين «الاعتداء الصارخ» الذي تمارسه إسرائيل على المسجد الأقصى.
المملكة تعرب «عن إدانتها الشديدة واستنكارها القوي لإقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى وإغلاق بواباته والاعتداء على المصلين العزل داخل المسجد وفي باحاته الخارجية، مما خلف عددا من المصابين».
كما أن العنوان الذي تم توجيه الرسالة إليه واضح بحسب تعليمات الملك: تبليغ هذا الشجب والتنديد مباشرة إلى رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، أي عنوان استئناف العلاقة بين المغرب وإسرائيل..في دجنبر 2020.
ولعل الذاكرة لن تنسى أن هذا المكتب ذاته كان المغرب قد علقه بعد الانتفاضة المباركة في زمن سابق..
وهو ما يعطي للرسالة بلاغة خاصة ويجعل لها ذاكرة في مواقف الملك محمد السادس… لاسيما وأن الجميع يدرك بأن الاتفاقيات الإقليمية ليست بديلا عن التقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى غرار الدول العربية التي حضرت الاجتماع، تريد الولايات المتحدة حل الدولتين حيث يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، التي يتم التنكيل بمقامها المبارك في شهر رمضان المبارك…
لم يغيب الموقف الصارم والواضح، من واقعية تبين من خلال ما يمكن أن يكون من أثر للاعتداء الصارخ على مشاعر الأمة الإسلامية: وهو تقويض فرصة إحياء السلام من خلال تغذية مشاعر الاحتدام الضدية والحادة، وإنعاش التطرف إزاء السلام نفسه!
وهو ما يمكن أن نقرأه في الفقرة التي تقول إن «هذا الاعتداء الصارخ والاستفزاز الممنهج خلال شهر رمضان المبارك على حرمة المسجد الأقصى ومكانته في وجدان الأمة الإسلامية، من شأنه أن يقوي مشاعر الحقد والكراهية والتطرف وأن يقضي على فرص إحياء عملية السلام في المنطقة».
ولعل آخر موعد عربي إسرائيلي أمريكي حول موضوعة السلام، هو الذي تم في قمة النقب في نهاية مارس الماضي، وقتها تابع الجميع الإلحاح على خلق فرص للسلام، «حيث أكدت واشنطن والدول العربية المشاركة، في ختام القمة، على ضرورة إحياء عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
يتضح بشكل لا غبار عليه، ضرورة دعم «استعادة الأفق السياسي التفاوضي لحل الصراع» كما يريد الفلسطينيون الآن، وغير ذلك وصفة غير سحرية «مكررة» في تأجيج الاحتلال.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/04/2022

التعليقات مغلقة.