امرأة في مواجهة الموت 19 : أصبح تعليم الطب في العالم العربي يعتمد على شروحات ومفاهيم جالينوس

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها. من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

 

لم يدرك جالينوس أن الدم يدور في الجسم باستمرار، وبدلًا من ذلك اعتقد أن الكبد هو ما يمد الجسم بمخزونه من الدم، الذي يُستنفد تمامًا خلال رحلة وحيدة الاتجاه إلى أعضاء الجسم.
وأكدت ابو المعز أن جالينوس أكد أن نظرية «الأمزجة الأربعة»، التي اقترحها أبقراط قبل عدة قرون، والتي تقول إن الجسم البشري يحتوي على أربعة سوائل بنسب معينة مسؤولة عن قوام الجسم وصحته وآلامه، وهي: الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء، وإذا ما حدث خلل في نسب هذه المواد مع بعضها، يؤثر ذلك مباشرة في صحة الفرد ومزاجه.
وقد أدى هذا الاقتراح الخطأ إلى تفسير معظم المشكلات الطبية تفسيرًا خاطئًا، واستخدام الأطباء علاجات خطيرة لإصلاح ذلك الخلل، مثل إراقة الدماء، واستعمال ملينات البطن. وكان جالينوس مؤيدًا قويًّا لتلك الأنواع من العلاجات رغم نتائجها المميتة أحيانًا، نتيجة سوء فهمه لنظام الدورة الدموية. مع هذا، فقد كان لجالينوس نفوذ واسع في العالم البيزنطي والشرق الأوسط الإسلامي لأمد طويل. وكانت له مؤلفات كثيرة من الكتب الشاملة لجميع أقسام الطب في زمانه، منها: كتاب التشريح الكبير الذي يعد من أهم كتبه في علم التشريح وظل مرجعًا أساسيًّا على مر القرون.
وبحلول عام 500م، كانت أعمال جالينوس تُدرس وتُلخص في الإسكندرية، وكانت نظرياته تزاحم نظريات الآخرين في الكتيبات الطبية للعالم البيزنطي.
وفي الشرق الأوسط، بدأ العرب في جمع المخطوطات اليونانية وترجمتها في القرن التاسع، وأعد الطبيب والمترجم المعروف، حنين بن إسحق، قائمةً مشروحة تضم 129 عملًا من أعمال جالينوس، ترجمها هو وأتباعه إلى العربية أو السريانية. وبذلك؛ أصبح تعليم الطب في العالم العربي أيضًا يعتمد اعتمادًا كبيرًا على شروحات ومفاهيم جالينوس.
كانت إذن وصايا جالينوس لأتباعه أن يسعوا بشغف في فحص الجثث التي يدرسونها، ورغب الأطباء في تكرار التجارب والملاحظات التي سجلها. ولاحقًا عندما شرَّح بعضهم بالفعل الجثث الآدمية، أعادوا بحيرة أخطاء جالينوس رغم رؤيتهم الدليل القاطع على خطأه. في حين قوبلت القلة التي ملكت الجرأة الكافية لمعارضة تلك الأفكار بالتجاهل أو السخرية؛ ليظل التراث الذي خلفه جالينوس غير قابل للشك، ومرجعًا أساسيًّا لأجيال من الأطباء على مدى 13 قرنًا.
من بين القلة التي عارضت نظريات جالينوس، كان عالم التشريح من عصر النهضة، أندرياس فيساليوس، الذي ولُد عام 1514م، في بروكسل الحالية عاصمة بلجيكا، وسط عائلة من الأطباء والصيادلة.
درس فيساليوس في كلية الطب بجامعة باريس، حيث تعلم تشريح الحيوانات، وأتيحت له الفرصة أيضًا لتشريح الجثث البشرية، وخصص كثيرًا من وقته لدراسة العظام البشرية، الأمر الذي كان متاحًا بسهولة في مقابر باريس آنذاك.
لاحقًا حصل على درجة الدكتوراه في الطب من جامعة بادوفا الإيطالية، وجرى تعيينه محاضرًا في الجراحة مسؤولًا عن تقديم دروس في التشريح. في ذلك الوقت، لم تكن الجراحة والتشريح ذات أهمية مقارنةً بفروع الطب الأخرى، وكان من الشائع الاعتماد على كتب القدماء في دراسة التشريح، إلا أن فيساليوس آمن بأن الجراحة يجب أن تستند إلى علم التشريح، وكان يجري دائمًا عمليات التشريح بنفسه، وأنتج مخططات تشريحية للدم والجهاز العصبي مرجعًا مساعدًا لطلابه، والتي انتشرت على نطاق واسع. وأوضح كيف يمكن استخدام التشريح لاختبار التكهنات، وأكد أهمية فهم بنية الجسم في الطب .


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 23/04/2022