من يوميات مواطن أضاع حذاءه في بركة وحل .. أخيط وجهي لكي أرسمك

قبل نهاية أكتوبر 2018

أرى في تعلقي بالبلدة سرّاً لا يعرفه أحد، تركت الباب مواربا للحكي، للكآبة، للحزن، والفرح انكتم وطار من زمان، وكلما التقيته هزني من كتفي، وسلمني وصلا دون توقيع، لأن الرغبة آسرة مع الحاجة إلى الدفء والموت على الخط، وإلا نعملْ ليك الجرّه ..! كما يقول المذيع بسخرية لاذعة، في ليلة باردة، ممطرة قبيل منتصف الليل.
نجحت في إقناع صديقي بأني كائن متوحش، لا يشكو.. لأتقوى شيئا فشيئا على الكتابة، وأكون عصيا عليهم وعليها. ولكي لا أنهار مثلا، قبل الفجر بقليل. أخطئ في التصور البطيئ وأصوب أهدافي غير المحددة طبعا، أجدد مصطلحات غير مسكوكة، وتحليلا بيزنطينيا عريض المنكبين.. وراء كل حفرة هوة، وكل سطر جناح، كم هو محزن أن تسخر مني يدي، يدي التي لا تتسع لمكمن استعارة ولا تكتب إلا عن زخات المطر في الشعر..

بداية نونبر

أن ترى مواطنا عاديا يمشي في شوارع «المركز» مثقلا، كأنه خرج لتوه من معركة حرب ضروس، قبل أن تصطدم قدماه بأطنان الوحل؛ من برك ماء ممزوج بغبار رقيق، «حريرة» متبقاة من ورش أشغال مشروع، على قارعة الطريق، في شارع الزاوية الأعرج. تغبطك بالتفاصيل، وتنحني إجلالا للحظة مسروقة، من ظل شجرة غير وارفة. يتكرر المشهد في كل الفصول، وكل فصل شتاء، في ناحية وحيدة واحدة من المغرب العزيز، الذي يحكمه ويسيره للأسف «الإخوة الأعداء» في منطقة متحجرة لا تكاد تمحوها الممحاة، وتتكرر المأساة بتكرار التراجيديا، وموعد الترجمة هي « كارثة « بلسان أهل الحال، مكررة، أهل نتفِ اللحى.
حربٌ، تبدأ فجرا فجأة، مع أول لمسة سيجارة من مقهى صغير، إلى تركيب شخصيات روائية من معطف السيد غوغل، وتحيكهم كما لولب نولي بغزارة تعبهم، ومن انجراف تربة، وتوقف أوجه نسوة وشباب بحثا عن عمل في موقف موشور، معطوب بانعراجات، مع أول طلة للصباح، للدفاع عن المحبة، وأنف مزكوم يحذرك من بياض، اسمع :
إنه يكتب عنا…
بوصفها ترجمة حرفية، لكي ينكمش المواطن المغلوب على أمره ويدعي خوفا، أنه لا يعرف شيئا ويقسم برأس أمه، والشريف الذي رآه، ووقف عليه في المنام.. أن الوقت زينْ، وأن الأعطاب ضرورية وأن الحل في أيدي القوارض.. نتف اللحى وأننا لا نريد.. وعدّي بللي كاين كأمر منه..

9 نونبر

نجحت في إقناع صديقي بأن نمرّ من المكان الذي مشى فيه الآخرون، حاولنا وحاولنا دون جدوى أن نقفز. أن نبتعد قدر الإمكان، عما وقع للرجل الأول السابق، لا جدوى.
امتلأت أحذيتنا، ملابسنا بالوحل… سمعت بشكل مفاجئ تذمر صديقي. حياة كاملة، يا للخسارة، من يعيش هنا في هذه البلدة، القسوة في كل شئ.. تسبب الانهيار العصبي والموت البطيء والاندفاع للهرب، رقم صعب أن تظل هنا خارج الزمن، وكأنك في بداية القرن العصر الحجري. معجمٌ من الألفاظ، يخرج من فمه كله سبّ وقذف في/ على المسؤولين الذين تركوا الشارع، والأزقة موحلة بعد عمليات حفر متكررة كما قيل والله أعلم، أن كنزا هناك كما أُشيع؛ كنزا ثمينا تحت أرض البلدة، كارثة، من يجده الأول يربح المليون.. أو أنهم وجدوه، وأوهموا الآخرين بالبحث عنه.
أوهمني أحدهم في مقهى يوما، أن لديه ياقوتة من النوع الرفيع وأنه في طريق إخبار الأعوان الكرام، وسيتربص بهم لكي يبيعها إياهم بثمن خيالي… بجدية أرى ملامح الحلم أمامي وكأني ذاك الرجل الذي سيشتريها أو سيعلن عنها في الأخبار..

13 نونبر

وأنت تقطع الشارع الوحيد، تفكر في الحفر، وتفكر أن تنغمس قدمك الوحيدة في حريرة جارية أو معقدة،
المهم أن تتلطخ وتثير زبدة الأرض بشهية، تقف عليها شعيرات رأسك المتبقية، شاهدا على زمان لا ينفلت من بين رجليك لتبرز أهمية الموقع والتلذذ..
لا تسلْ قدمك الأولى بل ادفعها..، إن تبقّتْ لك، لتستمتع أكثر وتتملّى بترجمان الأحرف اللصيقة مع هيمنة الصورة، على المشهد العام، وتكون حريصا على التقدم أكثر.
احرص مثلا، أن تتجنبَ الوحل هذه المرة، وتغمسها في بركة ماء طازجة بالخضر، والحصى والحجر المفتت ولا تندم، فالقضية فيها وفيها، وليس من فعل كمن شاهد ورأى، فالمجالس المنتخبة بالأغلبية لا تكون هنا، بالضبط، تختار أن تستنبت المقاهي العالية، والسكنى خارج البلدة..
تضع لها البيض، وتمضي مهرولة إلى العاصمة، أو تلجأ إلى الجبال لتتحصن.
أما أنت وأنا، فحصانك، دراجتك الهوائية والنارية تتمرغ عجلاتها في طيبوبة المكان، فخليط من الوحل والماء، كفيل بإصدار صرير ضفاف المنطقة بوابة الزاوية التي لا تلين، تدخل إليها ولا تخرج أبدا.


الكاتب : عزالدين الماعزي

  

بتاريخ : 30/04/2022