قردانيات مرحة .. «أو سيقرديوس» العظيم !

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يكن احتمال أن تصبح الأرض «كوكب القردة»، كما في رواية «بيير بول Boule Pierre الصادرة عام 1963، أكثر قربا من الواقع كما هو عليه الأمر … اليوم ، بانتشار الجدري، في دول العالم، يسود القردة رمزيا في الكوكب…
لا حديث إلا عن »جدريتهم«..
كما لا تمنع جدية المرض، بعض التفكه، لاسيما إذا كان المتهم بالعدوى… هو القرد شخصيا، فإنه لا مانع أيضا من استقبال الخوف من الميكروب القرداني أوسيقرديوس العظيم ببعض التداعيات المرحة !
فالردود الأولى للمغاربة في شبكات التواصل لها منطقها الضاحك، الذي يجعل من القرد، الشبيه الوراثي للإنسان وصنوه من الثدييات، مجازا عاما للتفكر !
الكل يطلب من الكل أن يبتعد عن القرد الذي يعرفه
و»يعطيه شبر اتساع.. والكل يعرف من الكل أن القرد هنا مجازي تماما.. وهو الاسم الحركي لنوع معين من البشر !
القردانيات المجازية تتسع فتمتد من السياسة إلى المدونة العائلية، ومن الأدب إلى السخرية العامة. السخرية الدارجة إذا شئنا.
وأول ما تجب الإشارة اليه، هو أنه لا تاريخ عداوة لنا معه كمغاربة، وفي اللحظة الوحيدة التي قلقنا عليه وغضبنا منه، (بمعنيين للقلق شرقا وغربا). كانت في قصة اللبن الذي أخذ ثمنه..
والقصة، مع ذلك، لا تتحدث عن ظلم مصدره القرد زعطوط بل فقط وقوفه على جشع الإنسان وقسوته، كما هو حال ابنه في قصة »كوكب القردة«: كان القرد المغربي زعطوط يتابع باهتمام بائع لبن بالقرب من النهر وهو يمزج اللبن بالماء ليبيعه ويجني أرباحا مضاعفة، ولما باع اللبان كل بضاعته وجنى أضعاف الأرباح، انقض زعطوط بخفته المعهودة على النقود وتوجه بها صوب النهر: يضع قطعة نقدية بجانبه ويرمي بالأخرى في الماء. فما كان من اللبان إلا أن شهد على نفسه وخلَّد القصة بقولته الشهيرة: (فلوس الما يديهم الما… وفلوس اللبن يديهم زعطوط..)
زعطوط القرد هنا شبيه بسخرية القدر ولا ذنب له مع الغش الإنساني.. وهو في الوقت نفسه، دليل على سوء المآل عندما تحرث بسوء نية ويجني آخرون بفهلوة ومرح.
وعلاقة بموضوع الساعة والزمن الطويل أمامنا، لم يثبت لحد الساعة أن جدري القرود متهم بأي حالة وفاة بعد الإصابة به.
وما زالت القرود في غابات العالم وحدائقه وفي معابده أيضا، بريئة إلى أن تثبت إدانتها في حالات الوفيات بين بني البشر..
وفي المغرب تم الشك في ثلاث حالات..، من حسن الحظ أن البيولوجيا أثبتت أنها ثلاثية سلبية.
ولم يعط المغاربة أهمية كبرى للمرض بحد ذاته بقدرما انساقوا وراء روحهم المرحة في تملي القردانيات العامة.
وصار ما يثير المتابع لأعراض المرض، أنها تشمل الحمى والطفح الجلدي وتضخم الغدد الليمفاوية… فقط!
وكان المغاربة ينتظرون أعراضا أخرى: فهم يودون أن يروا ميولا نحو القفز والنط والتحنقيز ! هذه الكلمة المغربية غير القابلة للترجمة.. إلى اللغات كلها، بما فيها اللغة العربية!
ويروا اجتهادا في تقليد المارة والجمهور
وحب الموز
ولا فَرْنَسات الغبية….
مع العلم أنه عرض من الأعراض الضرورية في كل إصابات مرضية محتملة!
وفي علاقة بالأخبار، تقول نشرات الصحافة أنه ما زالت توقعات منظمة الصحة العالمية ترصد المزيد من حالات الإصابة بفيروس جدري القرود مع توسيع نطاق المراقبة في البلدان غير الموبوءة…
المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، يوم الاثنين، سجل ما يقارب 85 إصابة بمرض جدري القرود منذ 15 ماي في ثماني دول في الاتحاد الأوروبي، خبراء آخرون قالوا إن انتشار هذا الوباء في أوروبا قد يشير إلى طفرات جديدة أصبحت قادرة على الانتشار خارج البيئات الاستوائية الماطرة.
وكلها أخبار تفيدنا بأن الأمور ما زالت في بدايتها… وأننا قد نقبل في النهاية أننا من أصل القرود نظرا للشهرة المتحققة لهم، في حين أن القرود لن يجتهدوا في الانتساب إلى الإنسان!
ومن جهة أخرى، لم تنشط بعدُ النظريات ذات الأبعاد الدينية والعقدية والجاسوسية حول القرد ومخاطره.. وعلاقة الجدري عند السعادين والزعاطيط والنسانيس والغوريلا، بموازين القوة الجيواستراتيجية، كما لو أننا لا نأخذ الجدري الصادر عن حيوان اعتاد البهلوانيات مأخذ الجد. ورأيي أن العقل المؤامراتي ما زال يشتغل لكي يجد التركيبة المنطقية المقنعة في ما يجرى ويدور..
ومن المتوقع أن يزداد الاهتمام مع أولى حالات الوفيات ..
وقد لن يتم استثناء القرد هذه المرة من المبالغة والجدية في التعامل مع الجدري.. والتمهيد للقبول بنظرية العم داروين لاسيما وأن تسمية الجدري أخطر من كل ما سبقه: فهو لا زكام ولا انفلونزا يثبت من بعد أنها فيروس وبائي ..
نحن أمام جدري بكل ما فيه من ترهيب وما فيه من تخيلات مفزعة..
وعادة ما يثير ربط أسماء الحيوانات ببعض الأوبئة تداعياتٍ فكريةً وأخرى رمزية تجر المخيال إلى منطق أبعد من التبرير الصحي.
لم نحترس كثيرا من القرود، حتى في العلاقات الإنسانية، لم يكن وصف »القرودية« الواضحة لبعض الناس، من الأشياء السلبية بالضرورة .
وأكاد أقسم بأن رؤية بعض السلوكات السياسية تقنعك بالفعل أن أصل الإنسان قرد، بدون الحاجة إلى البنتولوجيا الداروينية.. ومنا من يعتز بالنزعة القردانية ويعتبرها ذكاء وقدرة بالغة على التكيف العملي!
وكما وقع مع الخفافيش والفئران والدجاج، والتي اعتبرنا مبدئيا أنها كائنات لا تستحق التوجس، حدث أن العلاقة بين الإنسان والحيوان كانت مشروع علاقة ضمن المشروع الأصلي للخالق سبحانه.
فالطيور قبل الكثير من النظريات كانت في النص القرآني «أمم مثلكم».
الحمار كان يحمل أسفارا قبل أن يحمل، في تطور غير سلمي لرمزياته الأصلية، صفاتٍ سياسيةً، كذلك الذئب، الذي نُسبت إليه جريمة »يوسف« بعد ذلك، ظل جزءًا من الخيال السينمائي والأدبي، إلى أن خلقت له السجالات السياسية المغربية صفة دستورية صار بموجبها رئيسا للجهاز التنفيذي…
وقد تسلط الإصابات المتكررة الانتباه على هذا الكائن الخاص..بنا وبالقرابة معنا.الذي يجعله الراحل داروين أبا للبشرية، في التطور الذي يثير النقاش كل مرة..
وأعيد القول إنك أحيانا عندما ترى بعض الحنقزات والتنقازات والبهلوانيات والقرديات غير المحترمة، في بني البشر تترحم على «شارل داروين» وترى أن الجد الثالث فقط …. للبشرية كان قردا.
وأحيانا كثيرة تحمد لله أن من الأعراض التي ذكرت كلها ذات طبيعة بيو ـ طبية، وإلا لو اعتمد المعيار السياسي أو المدني أو العلائقي، لكان الكثيرون اليوم تحت الرعاية المباشرة للمنظمة العالمية للصحة… لا قدر لله!
السؤال الأخير هو ما الذي يميز الحضارة؟ ونحن نعتقد في الجواب الفوري أنها العبقرية التي يمتاز بها الإنسان، في حين أن القرود تؤمن بغير قليل من الصواب بأن ما يميز الحضارة هو الحياة اليومية وطريقة عيشها!
وفي هذا قد لا نختلف كثيرا مع القردة… وهو ما قد يزيد من الصعوبة أمام الأطباء في التشخيص والعلاج!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/05/2022

التعليقات مغلقة.