نادى الصحافة بالمغرب يفتح أفقا جديدا لحلحلة ملف الصحافة والإعلام

 

فتح نادي الصحافة بالمغرب أفقا جديدا في جدارية الإعلام السميك، حينما بادر في هذا الظرف الذي تجتازه سلطة رابعة تحولت بفضل الثورة الرقمية والسماوات المشرعة على كل الاحتمالات الممكنة والمستحيلة، إلى اقتراح تنظيم لقاء وطني لحلحلة ملف الصحافة والإعلام، خلال استقبال وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد بحر الأسبوع الجاري، لوفد عن النادي الذي تأسس سنة 1992.
مبادرة النادى هاته، تهدف إلى خلق نقاش عمومي حول تحديات ورهانات صحافة الإعلام والاتصال في القرن 21، بمشاركة الهيئات والمنظمات المهنية والتمثيلية وعموم الفاعلين والمتدخلين في الشأن الإعلامي الذي يعرف تحولات متسارعة نتيجة التطور التكنولوجي.
وإذا كان هذا اللقاء الأول مابين الوزير وفعاليات نادي الصحافة، « يندرج في إطار مواكبة الوزارة لظروف اشتغال وتطوير فعل وتنمية روابط النادى بمحيطه – حسب ما جاء في بلاغ نادي الصحافة – بعد مرحلة جمود، زاد من صعوبتها الرحيل المفاجئ للإعلامي والبرلماني أحمد الزايدي أول رئيس للنادي، فإن هذا الإطار الإعلامي بات مؤهلا للانخراط في الديناميات الهادفة الى تجسير العلاقات بين مختلف الأطراف، وخلق جسورالتعاون والتواصل مابين الإعلاميين والتقريب بين وجهات النظر حتى تلك التي قد تبدو أحيانا متناقضة.
وبتمثيليته الواسعة للصحفيات والصحافيين المغاربة داخل وخارج المغرب من أجيال مخضرمة وشابة، يمكن لنادى الصحافة في ظل المرحلة الجديدة التي دشنها بعد جمعه العام الأخير، والرصيد الذي راكمه، سيكون فضاء ملائما للتفاعل بين كافة المهنيين والشركاء، للتداول المثمر والبناء حول مختلف قضايا المشهد الصحفي والإعلامي، والتداول بصراحة في الإشكالات التي تعيق تطور هذا المشهد وتحد من انطلاقته. وهذا يتطلب أولا البحث عن السبل الكفيلة بتنقية الأجواء، وخلق الشروط القمينة بالارتقاء بمستوى الصحافة والإعلام.
فنادي الصحافة، لم يكتف خلال لقاء الوزير باقتراح تنظيم اللقاء الوطني، بل عبر وفده عن الاستعداد، لتنظيم أنشطة مشتركة حول مواضيع تتعلق بحقل الإعلام والثقافة والاتصال، منها استقبال شخصيات وطنية وأجنبية بمناسبة زيارتها للمغرب كما يجرى في كبريات الدول، وتنظيم لقاءات لتكريم الفاعلين الإعلاميين والسياسيين الذين قدموا خدمات جليلة للقطاع حفظا للذاكرة واعترافا بما قدمه رجال ونساء الإعلام من أعمال جليلة، كما كان الشأن سابقا حينما جرى الاحتفاء بكل من عبدالله إبراهيم رئيس الحكومة في أواخر خمسينيات القرن الماضي والشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش.
فطبيعة النادى كإطار مستقل عن أية جهة، وانفتاحه على كافة الهيئات والمؤسسات والحساسيات بمختلف المواقع، وما راكمه من تجارب في مجال تنشيط الحقل الإعلامي والثقافي والسياسي، فإنه بإمكانه الإسهام في توسيع هوامش حرية التعبير ومواكبة المجهود الوطني للدفاع عن القضايا الوطنية الحيوية، وتشجيع التعاون المثمر والجاد مع مختلف الأطراف الفاعلة بهدف تطوير ميدان الصحافة والإعلام والاتصال وتجويد الممارسة المهنية لوسائل الإعلام، وهو ما يتطلب توفير الدعم الكافي لتجاوز العديد من الإكراهات وفي مقدمتها الصعوبات المادية التي يعاني منها منذ سنة 2016، بسبب قرار حكومي بتوقيف المنحة التى كان يتلقاها رغم هزالتها منذ عقود، مما أدى إلى عجزه لحد الآن عن تسديد واجبات كراء مقره، وهذا ما جعل وفد النادي يقترح في هذا الصدد إبرام اتفاقية شراكة وتعاون مع الوزارة بناء على معايير جديدة، تقطع مع المقاربات السابقة.
ويظل نادي الصحافة بالمغرب، إطارا فعالا للمساهمة في تنشيط الحياة الإعلامية والثقافية، ولملء الفراغ الذي يعاني منه الجسم الصحفي والإعلامي، إذا ما قورن بنظرائه بمهن أخرى كالمحاماة والقضاء والطب والتربية والتعليم، لذا بإمكانه أن يشكل فضاء متميزا لنقاشات عمومية وموائد مستديرة حول عدد من القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، علاوة على التقريب بين وجهات النظر حتى تلك التي قد تكون محل خلاف.
فبمثيليته الواسعة لفئات الصحفيات والصحافيين المغاربة داخل وخارج المغرب المنتمية لأجيال مخضرمة وشابة وفعاليات نسائية تنتمى للعديد من المنابر الإعلامية من صحافة مكتوبة وإعلام عمومي سمعي وبصري وصحافة إلكترونية وإعلام جديد، يجعل من النادي محاورا مقبولا إلى جانب الهيئات الإعلامية التمثيلية الأخرى حول الشأن الصحفي والإعلامي.
وبضخ دماء جديدة، في قيادة النادي، تنتمى لمختلف الوسائل الإعلامية للصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والرقمية خلال جمعه العام الأخيروالنتائج التي تمخضت عنها ورشة التفكير والعمل التي نظمها ببوزنيقة تحت شعار « رؤية متجددة»، وخصصت لوضع تصور مستقبلي، فإنه توفق رغم عدم توفره على الإمكانيات اللازمة بما يتماشى مع التحديات الجديدة التي يطرحها القرن الواحد والعشرين، وإعداد مشاريع برامج، وبحث السبل الكفيلة بتنفيذها، بهدف إعادة الزخم لهذا الإطار الصحفي الوطني، وتجديد تصوراته على ضوء التحولات التكنولوجية والمجتمعية التي أرخت بظلالها على مختلف مناحي الحياة.
وجدد النادي انخراطه الإيجابي في كل المساعي الرامية الى تكريس حرية الصحافة، ودعم أي عمل جماعي، يمتح من المبادئ والأهداف السامية والنبيلة لمهنة الصحافة، ويصون كرامة الصحفيات والصحفيين. وعلى الرغم من تدشينه لهذه المرحلة الجديدة، يظل مطلوبا من النادي، الاستثمار الأمثل لعناصر قوته وتعزيز حضوره داخل المشهد الإعلامي الوطني، مع تفادي مكامن الضعف التي يعانى منها والانخراط الواعي الى جانب الهيئات والمنظمات والفاعلين الإعلاميين والمثقفين، في التأسيس لخلق مناخ وبيئة إعلامية سليمة، والإسهام في تكريس قيم التضامن بين الجسم المهني، وفي الجهود المبذولة للارتقاء بمستوى الممارسة الإعلامية، بشكل ينسجم مع أهدافه، ويقوى البناء الديمقراطي وينمى ثقافة حقوق الإنسان، ويوطن مهن الصحافة والإعلام بشكل إيجابي، يرسخ المكانة الطليعية للإعلام في مسار التحول الديمقراطي، ويقوي من سلطة الرأي العام.
فهذه التحديات تتطلب تعزيز قدرات تنظيمات النادي من مكتب تنفيذي ومجلس إداري ولجان، بما يضمن مزيدا من الفعالية والانفتاح على الفعاليات التي كان لها حضور في مسيرة النادي مع الانفتاح على الجديد من الإعلاميين والفاعلين في الحقلين الثقافي والاجتماعي والحقوقي، وهو ما قد يكرس الحضور الإيجابي للنادي ويحقق بالتالي تلك النقلة النوعية في مسار هذا الإطار الإعلامي الوطني.


الكاتب : د. جمال المحافظ

  

بتاريخ : 31/05/2022