فكِّرْ مثل «بايْدن» تجد المحروقين لا المحروقات!

عبد الحميد جماهري

فكِّر مثل «بايدن» حتى لا تتهم بالحنين الطبقي..!

أشعر بحالة امتنان طافحة لجو بايدن، الذي حررني من الخوف الذي تملكني من أن أتهم بالحنين الاشتراكي المقبور عندما أدعو إلى عودة لاسامير…
وأشعر بالفعل أنه حررني من الخشية المتوقعة من تهمة الحنين الوطني إلى الستينيات كما عرف ذلك وزير سابق في عودة لاحقة!
وأشعر أيضا بامتنان خاص للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وجد في عز الحرب الأوكرانية مشاعر إنسانية شبه شعبية واستقطع وقتا من أخبار الحرب للتفكير في المواطنين الأمريكيين واقتراح حل يعلق به ليبرالية بلاده المتسلحة. بايدن دعا يوم الأربعاء الكونغرس إلى تعليق ضريبة الوقود الفيدرالية لمدة 90 يوما لأنه شعر بأن الأمريكيين أثقلهم الإحباط بسبب ارتفاع أسعار الوقود في البلاد.
بايدن، الذي تنتج بلاده النفط وتتحكم في توازناته الكبرى عبر العالم، رأى من واجبه أن يعمم هذا الشعور في خطاب ألقاه في مبنى مكتب أيزنهاور التنفيذي بعد ظهر الأربعاء عندما قال”من خلال تعليق ضريبة الوقود الفيدرالية البالغة 18 سنتا لمدة 90 يوما قادمة، يمكننا خفض سعر الغاز وإعطاء العائلات القليل من الراحة”.
لله على راحة بايدن، الذي فكر في تعليق الضريبة التي تستهلك الأمريكي البسيط، بالرغم من أنه لا «يتجول في بوزنيقة بل يتجول في لاس فيغاس (الفاهم يفهم) المعروف أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية تفرض منذ 90 عاما ضريبة قدرها 18 سنتا على كل غالون (3,78 ليترات) و24 سنتا على كل غالون من الديزل يشتريه المستهلكون.
بايدن يسعى إلى تعطيل ضريبة عمرها قرن من الزمن، وعندنا يرون أن قرار التحرير وضريبته التي لم تعمر أزيد من سبع سنوات صارت من الثوابت الوطنية!
وربما ستدسترها الحكومة وأغلبيتها الثقيلة والمشغولة عبر البرلمان!
وبايدن يعرف بأن عليه أن يقنع ويصارع من أجل المستهلكين، ومن غير المرجح أن تجد جهوده صدى إيجابيا لدى المشرعين، بمن فيهم أعضاء حزبه،) بما في ذلك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي)، قد يترددون في دعم هذا التعليق.
والسبب ليس هو الدفاع المستميت عن قانون المالية ولا عن الليبرالية في أبهى صورها »اليانكي« بل ترى السيدة بيلوسي وبعض الديمقراطيين الآخرين »بأن المدخرات الضريبية قد لا تذهب إلى المستهلكين بل إلى شركات النفط!!!! هذا نموذج التواصل السياسي ونموذج النقاش المؤسساتي ونموذج القرارات التاريخية..
ضريبة عمرها تسعون عاما يا أصحاب المحروقات..
في الواقع أنتظر قرارا تاريخيا مثل الكثيرين..مثل الاستغناء عن الوقود في الإدارات الحكومية!
مثلا فقط…
قرار تاريخي يتجاوز التدبير الإداري والبيروقراطي في وضعية تتعقد يوما عن يوم، بل يذهب بنا إلى يوم لا ينسى..يدخل رئيس الحكومة من وراءه الى سجل الخالدين (أحب أن أحلم)
لم يقف الرئيس الأمريكي عند دوره كرئيس دولة يفكر فيها وفي ما تجنيه بل تجاوزه إلى تكسير محرم ليبرالي، من محرمات السوق، وفتح نقاشا في المؤسسات…
أتمنى أن يقوم عزيز أخنوش بنفس الخطوة
وأن الطالبي العلمي يعارض لأن الضريبة قد تذهب إلى شركات المحروقات وتوزيعها..
ولكن أي شركات يمكن أن تجنيَ هذه الحالة؟
لندع التخمينات ونفكر بطريقة أخرى..
هي فرصة للتفكير. في اذكاء الثقة في مؤسسات الدولة الدستورية كالحكومة والبرلمان، الأغلبية والجهاز التنفيذي، هي فرصة للوقوف إلى جانب المستضعفين والطبقة الوسطى.. فرصة لخطوات شجاعة..
يقول المسؤولون الامريكيون «الرئيس يدرك أن تعليق ضريبة البنزين وحده لن يعوض عن ارتفاع الأسعار التي نشهدها. لكنه يرى أن في هذه اللحظة الفريدة التي تفرض فيها الحرب في أوكرانيا تكاليف على العائلات الأمريكية، على الكونغرس أن يفعل ما في وسعه للتخفيف من وطأة ذلك عليها».
بايدن يدرك أن تعليق هذه الضريبة الفدرالية ستكلف صندوق البنى التحتية للطرق السريعة حوالى 10 مليارات دولار، يتم تمويلها عادة من هذه الضرائب…. فكر مثل بايدن تجد المحروقين لا المحروقات..
أما نحن فنعرف كم جنت الدولة من الواقع الحالي لتحرير أسعار المحروقات في تزاوجه مع الحرب وتبعاتها، لكن لماذا لا نعرف كم جنت شركات التوزيع من الأرباح؟ عوض أن تكتفي الحكومة بأن تردد بأننا نكذب عندما نتحدث عن الأرباح وأن الموزعين كرماء جدا يساعدوننا….. بالخسارة!
لن أ حدثكم عن قرار بايدن ووزيرة الطاقة جنيفر غرانهولم في الحديث مع شركات الموزعين عن استخدام أرباحها القياسية لخفض الأسعار وزيادة قدرات التكرير، كما كانت تقوم به «لا سامير» مثلا!!!
سأحدثكم عن برلين :ففي ألمانيا وجدوا صيغة أخرى وسنوا قانونا يسمح للحكومة أن تؤمم شركات التوزيع إن اقتضت المصلحة، ولا أحد تحدث عن «حنين إديولوجي» ولا عن حنين حزبي أو وطني في القضية، ولا أحد اتهمهم بأنهم لا يعرفون الطين المغربي الذي يطهو الليبرالية مع توابل الدولة الاجتماعية.!.
لن نتحدث عن مجلس المنافسة، فيبدو أنه لا يفكر: إنه ينتظر قانونا أصبح في حكم المهدوية: المهدي المنتظر…
ولا جواب له عن تضارب المصالح الذي كلف نفسه به..
لا أريد أن نفكر في غير ما يفكر فيه بايدن صديقنا الذي عزفنا له النشيد الوطني في عيد ميلاده..
ويحلو لي أن أفكر مثل بايدن حتى لا أتهم بالحنين الطبقي من قبل وزراء الليبرالية الثرية جدا عندنا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/06/2022

التعليقات مغلقة.