ما تغير في 23 سنة من العهد الجديد

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

23 سنة من الثورة الإصلاحية الكبرى، التي يقودها الملك ويحتضنها الشعب المغربي بكل فئاته، 23سنة غيرت ملامح المغرب، وفتحت المستقبل على أجمل احتمالاته، وجعلت من الإصلاح والتحديث قاعدة لتعاقد متين وقيمة مطلقة لا يجادل فيها المغاربة بمختلف قناعاتهم.
هذه الثورة التي يقودها الملك منذ 23 سنة، فتحت كل الجبهات، بشجاعة يقل نظيرها في تاريخ المغرب، وفي تاريخ الشعوب: جبهات السياسة والتاريخ والاقتصاد واللغة والمجتمع والديبلوماسية والجيواستراتيجية والتجديد الديني، بلا مواربة وبلا تعثر وبلا ارتعاش.
لاشيء بقي كما كان، وكل صار إلى الأفضل …
وهذه القاعدة التي بنى عليها محمد السادس مشروعه الحضاري، الذي بدأ يتجسد أمام أعين شعبه وأمام أعين بلاد الناس، غيرت للدولة المغربية وظيفتها وطبيعتها ومكانتها ووفرت عليها الانتشاء الذاتي الذي ساد لعقود.
وخلقت وسط ذلك وضمن شروط المغرب الجديد، رابطة متجددة، بين قائد وشعبه، رابطة ولدت من اللقاء بين رائد ثورة سياسية، مضمونها الرفع من سيادة الشعب ووحدة الوطن، وإرادة في الإصلاح تقوت طوال 23 سنة، إرادة حاسمة في التحديث قوَّت هذه السيادة في العالم وفي تجديد الديبلوماسية، جعلت للبلاد موقعا في نوادي العواصم ذات الصوت المسموع وحررت المغاربة من قِبْلات جيواستراتيجية مفروضة باسم التقسيم الدولي للعمل….
لقد واصلت الملكية حفاظها على التعاقدات الكبرى للمغرب، حول الوطن أولا، والديموقراطية والتحديث والعدالة وتغيير أولويات الدولة لخدمة المجتمع، وتابع المغاربة منخرطين ومتحمسين كيف يقود الملك المواجهة ضد مؤامرة قاربت نصف قرن، تمس بوحدته الوطنية، وتابعوا متحمسين كيف جعل الملك وحدة التراب والإنسان شرطا في بناء العلاقات الدولية، وكيف فرضت إرادته الصلبة السيادة كشرط وجوب في بناء الشراكات…
وتابعوا أيضا كيف أن هذه المؤامرة، التي مازالت جوقة الخصوم تحميها بحطب النار، وزيت التأجيج، لم تسحب منهم تأثيرهم على مستقبل يهمهم، ولا تمنعهم من تطوير اقتصادهم وتحفيزهم على بناء معادلات جديدة في السلطة وفي الاقتصاد وفي الثقافة وفي المجتمع…
وعاشوا التعريف المتجدد للملكية، ليس فقط كمحرض على التحديث وترشيد التاريخ وعقلنته، بل باعتبارها رحِم أمة مرتبطة ارتباطا لا انفصام له بترابها ودولتها…
وفي عالم يعرف اتساع دورة التنقل والحركية الإنسانية والمنتوجات الثقافية المبهرة، لم يفقد المغرب قوته، ولا رهن مستقبله وحاضره بأعطاب ماضيه، بل أدرك أن عليه أن يكون ابن هذا العالم.
في 23 سنة،عشنا التحولات الملحمية العميقة، داخليا وخارجيا، والجانب الملحمي في سيرة المغرب الفعلية والملموسة، لا يكمن في كونه يقوم باختيارات سياسية تستعير موضوعها من مجرى التاريخ الحي الجريء، فقط ، بل أيضا باختيارات تسعى إلى تحقيق ما يجعل كل إنجازاتها تحمل طابعا تاريخيا.
وكان ذلك داخليا وخارجيا، وعلى سبيل المثال،
تجسد ذلك في إعطاء المغرب المقعد الذي يريحه في حوض المتوسط، مهد الملاحم الهوميرية التي تحتفظ للملوك بمكانة خاصة في صياغة وعي الشعوب لنفسها!
والجيل الذي شاهد تسارع التاريخ وانتقالات المغرب من عهد إلى عهد سيشهد بأن الدولة حولت، مع التعريف الذي وضعه محمد السادس لها، بعضا من مِلْكيتها التاريخية وعنفها المشروع، لفائدة العمل من أجل السلم في العالم والتقدم في الداخل…
ولم يعد هدف الدولة هو… ذاتها، بشكل حصري، أي أن توجد لكي تحافظ على نفسها وقوتها وأسباب استمرارها، بشكل واسع، في حين تبقى مكونات المجتمع الأخرى مجرد تابعة لهذا الهدف ورهينته، بل أصبحت الدولة هي بحد ذاتها وظيفةً تاريخية، ووسيلةً في خدمة سواها بلغة عبد الله العروي…
ومن ثمرات هذا التحول أن الدولة صارت تحقق في تجربتها وتنظر بعين النقد إلى ما لم يتحقق، لاسيما في مجال النمو والعدالة الاجتماعية، ولهذا لم تتردد في إعادة تعريف نفسها، بسبب الأزمات أو بسبب وصولها عتبة النضج وتضمينه البعد الذي يخدم المغاربة أي الدولة الاجتماعية، كما أنه لم يعد من المستساغ الوقوف عند عتبة الانبهار بالمنجز الطويل، كما في قصة نرسيس الذي أحب صورته في الماء، بل صار من المألوف أن تأتي الانتقادات لسلوك الدولة والإدارة والمؤسسات من الملك نفسه، في تحريض واضح على ثقافة النتيجة وشرعية الإنجاز عوض النرجسية السياسية للدولة.
مع هذا كله، كان لا بد أن أن يصاحب ذلك ويرافقه بروز »نظام عاطفي جديد
»Nouveau régime émotionnel»
يعبر به الشعب عن امتنانه وعن حماسته وانخراطه، يشكل هذا النظام العاطفي الجديد، الشق الإنساني والانفعالي لتعاقد الملك والشعب، ويرافقه ويعطيه مسحته الإنسانية
والضامنة لحقيقة المشاعر، كما كان في عهد الأجيال السابقة التي بنت نظامها العاطفي على صورة محمد الخامس، طيب الله ثراه، في معركة التحرير…
لقد تكرست ثورة إصلاح دائم غير الدولة والمجتمع وزاد في تحصين الوطن ووحدته.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/07/2022

التعليقات مغلقة.