الشّعرية العربية

لم يستقر مصطلح الشعرية، عند ترجمته على حال واحدة، فقد تمت ترجمته حينا ب”بويطيقا” و”بفن الشعر أحيانا”، وظلت تتنازعه مصطلحات عديدة من قبيل “الإنشائية” و”نظرية الأدب” و”الشاعرية” و “علم الأدب” و “صناعة الأدب” وما إلى ذلك.*
فالنظر إلى الشعرية كنظرية في الأدب يقودُ إلى استكناه شعرية عربية، تسمح لنا بالحديث عن عدد غير محدود من الشعريات العربية، منذ صيغتها الشفهية الأولى إلى حين الشعرية العربية الحداثية، وقد قامت فئة من النقاد و الباحثين بهذا الجرد التاريخي في كُتب ظهر منها “الشعرية العربية” 1 لأدونيس وكتاب كمال أبو ديب” في الشعرية”، 2 وكتاب عبد الله الغذّامي “الخطيئة والتكفير”. 3
فبعد الشكل الجمالي للموقف الكلاسيكي في الأدب العربي، متمثلا في “عمود الشعر” ظهرت بوادر شعرية حداثية، “جسدتها تجارب الشعراء المحدثين أمثال بشار وأبي نواس وأبي تمام”. 4
كما أن الكشف عن القوانين التي تميز الواقعة الأدبية، قد حظيت بالاهتمام من خارج المجال الأدبي، فيستطيع الناقد أن يكتشف شعرياتٍ أو نظريات للشعر لدى النقاد الفلاسفة العرب و المسلمين، فمع الفارابي يمضي الجواب عن معيار التمييز بين الشعر والنثر إلى أبعد حد، فالوزن أصغر ما في قوام الشعر، أما الأعظم فهو إيهام المشابهة بين صورتين محسوستين، وتلك إحالة إلى الدرس الأرسطي الخالد في المحاكاة، مما جعل الفارابي يُصنِّف في الوسط قولا ينطوي على المحاكاة بلا وزن ولا قافية. 5
وفصَل ابن خلدون بين الشعر والنثر، لكنْ لا على أساسِ الوزن بل بالأسلوب، وسَمّى بالكلام المنظوم ما لا يتقيدُ بالأساليب الشعرية، وإن كان موزونا، فلهذا السبب لم يعدَّ قصائدَ المتنبي ولا المعري من الشّعر، فأخذ على معاصريه استخدام أساليب الشعر وموازينه في صوغ المنثور، حتى إذا تأملته من باب الشّعر وفنّه، لم يفترقا إلّا في الوزن. 6
إذا كان تفوق الفاعلية الشعرية العربية المطلق على ما عداها من أشكال الإبداع الأدبي، قد جعل نظرية الأدب عند النقاد العرب القدامى، تُخلص جُهدها إلى النظر في النصوص الشعرية فقط، وتعتبرها أولى أولوياتها، فإن الشعرية العربية الحديثة اليوم “تعكف ـ شأنها شأن الشعرية العالمية في النقد العالمي الحديث ـ على فحص التجارب الشعرية والنثرية على السواء، بل يمكن القول إن الشعرية العربية اليوم أكثر انهماكا بفحص آليات الخطاب السردي و الدرامي والنقدي منها بفحص آليات الخطاب الشعري”، 7 مما يجعلها “شعرية حداثية رسمت طريقها في معالجة النصوص الأدبية ووصفها وكشف قوانينها، وبذلك تشكل التحاما بين الأسلوبية و الأدبية”. 8
إن هذا التراكم النقدي في التراث العربي، يدفعنا إلى طرح السؤال: كيفَ تتموقعُ الشعرية العربية الحديثة داخل تاريخها؟ مادام” الخطاب الأدبي العربي، هو خطاب محمّل بحمولات معرفيةٍ و دلالات مُوجهة نحو متلقٍ محدّد داخل مجتمع ما”. 9

*- يراجع كتاب “أثر اللسانيات في النقد العربي” توفيق الزيدي، الدار العربية للكتاب ليبيا-تونس 1984 ص.170/171.
أدونيس، الشعرية العربية ، دار الآداب بيروت 1985-1
2- كمال أبو ديب، في الشعرية مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1987.
3- عبد الله الغذامي، الخطيئة و التكفير، منشورات النادي الادبي الثقافي-جدة السعودية 1985.
4اضل ثامر، اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي ص. 103.
-5 نبيل سليمان،، فتنة السرد و النقد، دار الحوار للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 1994، ص 95.
ابن خلدون، المقدمة دار صادر طبعة 2000 ص458.
– فاضل ثامر، اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي ص. 104.
– عبد الله الغذامي– الخطيئة و التكفير- من البنيوية إلى التشريحية، كتاب النادي الأدبي الثقافي، السعودية الطبعة الأولى، ص 18.
-فاضل ثامر، اللغة الثانية ، المركز الثقافي العربي ص. 104.


الكاتب : عبد الحكيم برنوص

  

بتاريخ : 20/08/2022