‮ماكرون في ضيافة تبون «العالق وسط نظام صعب» المغرب في كل هذا؟ مستعد لكل الاحتمالات..

عبد الحميد جماهري

استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد ‬تبون للرئيس الفرنسي‮ ‬إيمانويل ماكرون هو لحظة لقاء رئيسي‮ ‬دولتين،‮ ‬يبدو أن التاريخ والسياسة والذاكرة والموروثات‮ ‬جعلتهما على طرفي‮ دهليز‮ ‬طويل آهل بالجثث والمجازر‮ ‬يمتد حيزه المكاني من أقبية الاعتقال الى‮ ‬كهوف “الفلاكة”المحاربين،‮ ‬وحيِّزه الزمني القريب، من نونبر‮ ‬1954 ‬الى‮ ‬25‮ ‬غشت‮‬2022‮.. ‬
وعليه، فإن لقاء يوم غد يبدو وكأن جزءا من جدول أعماله قد حدده التاريخ منذ قرنين من الزمن على الأقل (استعمار الجزاير سنة 1830)، لهذا صار من ثوابت النقاش الثنائي بين القصرين، «المرادية» و«الإليزيه»، الحديث المتجدد كل مرة عن «مصالحة الذاكرة بين الشعبين الفرنسي والجزائري».
الرئيس الفرنسي، هو أيضا ضيف على رئيس سبق أن وصفه منذ أقل من سنة بالرهينة، وبعبارة قاسية قالها في أكتوبر الماضي، عند استقباله 18 شابا فرنسياً من أصل جزائري ومن مزدوجي الجنسية وبعض الجزائريين، وقتها تحدث إيمانويل ماكرون عن عبد المجيد تبون بالقول: «إنه عالق داخل نظام صعب للغاية».. وهو نفس النظام الذي وصفه بأنه «متعب وقد أضعفه الحراك..» ..ومن الموضوعي التساؤل: ماذا سيقول الرئيس الفرنسي، في الملفات الشائكة للرئيس تبون وهو يعرف بأنه «عالق» في متاهة نظام صعب للغاية: فهل سيحرره من الاحتجاز لكي يستطيع الاتفاق معه على مستقبل العلاقات، أم سيتعامل معه كجزء من النظام الذي انتقده ويمتثل لتحولات المنطقة بما اتفق؟
ثانيا: كيف له أن يكون قويا لاتخاذ المواقف الصعبة، إذا كان هو عالقا، في نظام هو بذاته متعب وقد أضعفه الحراك.؟.. اللهم إذا كان قد توصل إلى قناعات مغايرة بعد إعادة انتخابه الأخيرة، ولَمَسَ تغيرا في الانفتاح الديموقراطي للنظام، وتنامي قوته، مع دخول الغاز في الحساب الجيوستراتيجي والحرب الأوكرانية
في التوازن الغازي..؟
تلخيص أولي في الشكل: هناك شؤون الذاكرة، ولا يبدو أن تحولا جديرا حصل حولها.
هناك الوضع الاعتباري للرئيس المُضيف، ولا أحد يعتقد بأن تغيرا جوهريا حوله قد وقع..
هناك واقع النظام وعلاقته بالحراك والضعف الذاتي، ويبدو أن الجماعة الحاكمة لا ترى ما يراه الرئيس الفرنسي، اللهم إذا كانت ستقدم له الدليل بأنها قوية تضبط الوضع داخليا وخارجيا كما يتطلب ذلك..!
‬الرجلان يلتقيان في‮ ‬اللحظة التي‮ ‬نعيشها‮‬، حسب ‬تقدير العديد من المغاربة،‮ والمغرب حاضر بالغياب والعلاقة معه لا يمكن القفز عليها، ضمنا أو صراحة.
وهو على استعداد تام لكل الاحتمالات، بما فيها إعادة بناء الشراكة ضد تراب المغرب كما في بداية الاستقلال!
‮1 ـ ففي شؤون الذاكرة: ‬المغرب ‮ هو ‬الجرح العميق‮ ‬للدولتين وإن لم يكن جزءا من ذاكرة الصراع بينهما، ‮ ‬إلا بالقدر الذي‮ ‬ينتمي‮ ‬الى الذاكرة الجزائرية‮: ‬فالمغرب هو جزء من الذاكرة المشتركة بينهما،باعتبار أنه كان إلى جانب الجزائريين في‮ ‬حرب التحرير بوضوح لا تنساه فرنسا عادة‮..‬ وللأسف تنساه الجزائر!
‮2 ـ الرجلان يلتقيان، والمغرب حاضر معهما من خلال العرض المقدم لرئيسي الدولتين معا،‬ من طرف رئيس دولة المغرب، وملكه: في رسالة ‬عيد العرش الأخير، وفي ذكرى ثورة الملك والشعب للسنة الماضية، من أجل الدخول في مرحلة جديدة. فإلى‮ أول الرئيسين عبد المجيد تبون مد الملك يده مرة ثانية، للعمل المغاربي المشترك والخروج من منطق الصراع إلى منطقة.. المغرب الكبير. ‬
وإلى ثاني الرئيسين سبق أن وجه دعوة في 20 غشت 2021 لبناء ثنائية متجددة في العلاقة بين المغرب وفرنسا في زمن جديد له تقلباتٌ عصفت بالكثير من الثوابت، ولا رهان لها سوى المصلحة المشتركة وقيم الالتزام الواعي والجدلي..
ولم يجدد الملك الرسالة في الخطاب الاخير ذاته
لأن الكرة ما زالت في ملعب ماكرون..
هل يحتاجان معا إلى قراءة الوضع والعلاقة المغربية بشكل مشترك؟
هل يريدان أن يقدما تقييما لما حصل ولما يجب أن يحصل؟
هل يمكن أن يجدا مساحة توافق ضد المغرب؟
هذه الأسئلة مشروعة لدى الرأي العام الوطني. وبالرغم من أن البلاد مستعدة لكل الاحتمالات بما فيها الاسوأ، فإن التقديرات المختلفة حول ما يصل من معلومات لا تعبر عن نفسها بالقنوات الرسمية المتعارف عليها.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/08/2022

التعليقات مغلقة.