يوميات عداء شبه معلن (1) من خلال بلاغ الخارجية المغربية : لماذا تونس ولماذا تيكاد ؟

عبد الحميد جماهري

سيجد كل أناس مشربهم في ما فجره الرئيس التونسي من عداء وينابيع خصام في العلاقة بين المغرب وتونس.
المغاربي سيعرف بأن الضربة موجهة لحلم أجيال طويلة، وهي تنكر لموقف شعبي ورسمي وقف إلى جانب تونس في كل منعطف..
الإفريقي الحريص على تقوية العلاقات الأفرو-أفريقية سيجد فيه تشويشا مقصودا على ما يتم تحقيقه، بعيدا عن نوايا القوى العظمى »التقليدية منها والجديدة«..
ويرى فيه المحلل السياسي، انقلابا سياسيا هو في الواقع امتداد لانقلابات سابقة همت الديموقراطية
ومن لا ديموقراطية له، لا وحدة له، كما تعلمنا في المغرب وفي أوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية..
كما سيرى فيه آخرون مغامرة تسلب تونس استقلالها، وتزج بها في جزمة عسكرية لطالما وجدتها أصغر من قدميها، هي الجزمة الجزائرية..
لكن في النهاية فإن القرار التونسي، كان امتدادا للعديد من المواقف التي مهدت له، ووضعت الحجر المكوكي السريع باتجاه جحيم الجنون الاستراتيجي..
وهي مواقف يمكن إجمالها في تضييق غير مفهوم ولا مبرر لهامش التعاون مع المغرب مقابل ارتماءة كلية في حضن الجزائر، وعدم التجاوب مع دعوات ملك البلاد.، الذي زار تونس في عز انهيارها الشامل بسبب الضربات الإرهابية، في وقت لم يجرؤ فيه الرئيس على الخروج من بيته… والإحجام عن زيارات وزارية، التصويت المعاكس للتوجه الدولي في قضية الصحراء المغربية في أكتوبر الماضي، الذي خرج عن الإجماع العربي والإجماع الدولي في شأن سبل التسوية.. وتتويج كل ذلك بموقف عدائي سافر لا يحتاج إلى رسومات بيانية للتوضيح.
غير أن النقطة الثانية في البلاغ، والتي قد لا تظهر للعيان، هي التمييز بين قمة تيكاد بتونس ودينامية الحضور الياباني في الأجندة الإفريقية.
ولقد كان البلاغ المغربي أكثر من ذكي عندما انتبه إلى المناورات التي تقف وراء حشر تونس في زاوية حادة.
ومنها بالأساس إبعاده عن قمة تيكاد وعن ديناميتها العامة…
لهذا فصَلَ بين قمة قصر قرطاج وبين الفكرة النبيلة وراء التيكاد، وما تريده إفريقيا من ذلك .
ولعل الذين تابعوا اهتمام الصحافة الدولية وأصحاب القرار في العالم بتوجهات المغرب الأسيوية في قضيته الوطنية سيتوصلون الى فهم ما يراد له من ذلك، أي تقزيم حضوره الأسيوي من بوابة اليابان المعروفة.
فالعلاقة مع اليابان جزء من علاقة متواصلة مع قلب القارة الآسيوية، وفي قلبها الصين والهند كنموذج.
فالقارة تدعم بالإجماع تقريبًا الموقف المغربي بشأن الصحراء المغربية في الأمم المتحدة،كما أن بلادنا تبذل مجهودات جبارة لتعزيز علاقاتها مع جميع الدول. كان الهدف من المساعي التآمرية هو تكسير هذا الامتداد وتلغيم إحدى حلقاته الكبرى، فالمغرب ربط نفسه بدينامية مؤسساتية آسيوية عبر العديد من الديناميات، ومنها كما كتبت “جون أفريك” في عددها الاخير، » منتدى التعاون الصيني (FOCAC) الذي انطلق في عام 2000، منتدى التعاون الصيني العربي (FSA) الذي تم إطلاقه في عام 2004، والشراكة الاستراتيجية الجديدة لإفريقيا وآسيا (NAASP) التي تأسست في عام 2005، وحوار التعاون الآسيوي (ACD) الذي تأسس في عام 2002 والذي أصبح فيه المغرب شريكًا في التنمية في عام 2008، رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) التي كان المغرب عضوًا مراقبًا فيها منذ عام 2008، أو حوار آسيا والشرق الأوسط (AMED) الذي تم إطلاقه في عام 2004.
وقد انتبهت العديد من المصادر الإعلامية والدبلوماسية، التي تتابع الأمر عن كثب، إلى أن المغرب قد نجح »في أن يصبح منصة إفريقية وشرق أوسطية للدول المستثمرة، كما هو الحال بالفعل مع اليابان من خلال اتفاقية »تيكاد« (مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الإفريقية).
وفي سياق المواقف الديبلوماسية المتوازنة، يلتقي موقف الهند البراغماتي مع العملاق الياباني، »البلد المحافظ للغاية والذي أدرك أن الشراكة مع المغرب تصب في مصلحته أكثر من الشراكة مع البوليساريو«.
ولعل اليابان أكثر شعورا بحجم المؤامرة لهذا سارعت إلى نشر المذكرة الشفوية بشكل رسمي والتي » تؤكد فيها بشكل واضح أن الدعوة الموجهة للدول، والتي يجب أن تكون موقعة بشكل مشترك، هي الوحيدة التي تعتمد للوفود للمشاركة في تيكاد-8..«
هذه المذكرة رد واضح على مراوغات بلاغ الخارجية التونسية، ومحاولة التبرير المفضوحة لسلوك طافح بالعداء.
ومن المحقق أن هذا البناء الياباني الإفريقي، يزعج القوى التقليدية التي بدأت تفقد مراكز نفوذها، في المغرب الكبير كما في القارة، ولا تريد أية منافسة قوية من العمالقة الأسيويين. وهي القوى التي تسعى الى» معاقبة المغرب« من خلال تعزيز شراكاتها مع خصومه، وكذا مع تفويض جزء من مهامها
في القارة لهذا الموكَّل الجديد..
وكان على المغرب بالفعل أن يحافظ على موقعه في دينامية تيكاد، سواء مع الدول الإفريقية الجادة أو مع الشريك الياباني..
ومما يعزز هذا الفهم، أن الدول الافريقية، وعلى رأسها السينغال التي تقود الاتحاد الإفريقي، شعرت وطالبت باستشعار غياب المغرب، الدولة البارزة في هذا التوجه الأفروـ ياباني.. ولربما سيكون من المفيد أن يحتضن المغرب قمة »تيكاد« المقبلة، ويعمل على ذلك من باب تأكيد هذا الحضور..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 29/08/2022

التعليقات مغلقة.