ديبلوماسية الحدث وقواعد اللعب: الفارق الذي يصنعه المغرب.. (2)

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في‮ ‬الثوابت التي‮ ‬يضعها المغرب لديبلوماسيته،‮ ‬نستعيد شعارين رئيسيين‮،هما‮ «‬مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس‮» ‬و‮.. «‬الصحراء نظاراتنا التي‮ ‬نرى بها العالم‮»،‮ ‬ومن لم نره بعيون الصحراء، فلن نراه‮..‬
وإلى ذلك هناك ثوابت‮ أخرى‮‬،‮ ‬على رأسها العمل من أجل‮ ‬التأثير في‮ ‬قواعد اللعب كما قلنا‮ وليس فقط التفاعل مع الحدث، سلبا كان أو إيجابا…
لقد بينت تحضيرات القمة العربية القادمة أن العرب جميعهم، طبعا إلا دولة واحدة، فهموا بأن المغرب لا يضع قضيته محط تداولات «تنخرها الريح».. ‬سواء ما تم في تونس أيام المؤتمر الياباني – الإفريقي، أو ما تم قبله في إسبانيا وألمانيا..
ومن المهم للغاية أن نربط بين قبول المغرب بتسوية تتعلق بالموقف من التعاون العربي – الياباني وفصله عن مؤتمر «تيكاد»، وبين الموقف المغربي من استقبال تونس قيس سعيد لزعيم الانفصاليين السري!
وهو الموقف الذي أدرك من خلاله العرب أن شعار «صحراؤنا نظاراتنا» ليس بلاغة سياسية عابرة أو مزاجية، بل هو الترجمة للثوابت
ويحسن بنا أن نعود خمس سنوات إلى الوراء، أي خطاب المسيرة في 2017 عندما حدد ملك البلاد جوهر هذه الثوابت .. وأجملها جلالته في:
«أولا: لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها.
‎‫(‬وهي بوابة ديبلوماسية ومبدئية في نفس الوقت للشركاء والحلفاء للدخول منها إلى علاقات غير مسبوقة مع المغرب‫)‬
‎• ثانيا: الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه (‬وهو جوهر جديد يجعل من أسلوب الحل هو موضوع التفاوض وليس الحل بذاته، لأن المغرب يعتبر أن الحل الوجودي
والحدودي الوحيد هو السيادة على الصحراء‫)‬
‎لذا كان من المنطقي أن يدعو ملك المغرب الدولة المعنية، وهي هنا في حالتنا الجزائر، التي تستضيف القمة العربية‫..‬ وكان من المنطقي أن تكون الدعوة المباشرة لتثبيت هذا الجوهر « يتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له»‫.‬
‎‫ ولا معنى للقمة، التي وضعت تحت شعار توحيد العرب وكلمة العرب، واستكمال بناء الخارطة العربية، إذا هي لم تعط إشارات نحو تنقية الأجواء.. ولا يعني ذلك التدخل في قضية هي حكر على الأمم المتحدة…‬
‎• ثالثا : الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيأة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية.
‎ وهو بحد ذاته تحديد يكشف عن الاختيار المغربي في التأثير على ثوابت الحل، وقد عشنا زمنا غير قليل ونحن نتابع أدبيات محددة في مجلس الأمن والأمم المتحدة
‎ من مبعوثين خاصين وآخرين شخصيين يمثل
وجودهم في حد ذاته، موضوع نقاش‫.‬
‎وقد أصبح اليوم من حق المغرب أن يرفض زيارة هذا المبعوث أو ذاك، بل لم يعد لأية منظمة سياسية أو إقليمية أخرى، سواء اتحاد أوروبي أو إفريقي أو جامعة عربية، أن تدلي بدلوها في الموضوع، بما في ذلك ديمستورا حاليا‫.‬
‎ والتحول الثاني والجوهري أن جزءا من الحدث صار يصنع في العيون، عبر القنصليات أو في الرباط ‫(‬ عبر الاتفاقيات مع الدول الكبرى ألمانيا،أمريكا، إسبانيا، البرتغال، وهولاندا ‫)
‎• رابعا : الرفض القاطع لأي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة.
وهو ما قد يطغى في النقاش الحدث العارض من قضايا حقوق الانسان والثروة الطبيعية التي جعلتها بعض الأطراف حصان طروادة في محاولة تغيير بنود مهام المينورسو… ‬ أما دور البوليزاريو في‮ ‬الكاستينغ‮ ‬الدولي‮ ‬للحل،‮ ‬فلا أحد صار يتحدث عنه بمعزل عن الطرف الحقيقي في الصراع.
فزعيم الميليشيا، سواء كان مُهرَّبا سريا الى إسبانيا أو تم استقباله استقبال رؤساء الدول في تونس، فهو في المحصلة دليل أزمات ودليل وهم لا أقل ولا أكثر، وعلى هذه الجبهة ضاعفت الجزائر من الخرجات التي تؤكد للعالم أنها الطرف الحقيقي(وآخر مثال قطع العلاقات مع دولة ذات سيادة هي إسبانيا بسبب الموقف من الصحراء والتزامها بالشرعية الوطنية للمغرب على صحرائه)…..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/09/2022

التعليقات مغلقة.