بحرة قلم : «النيّة»

 

لعل أكثر عبارة تتردد على مسامعنا في الفترة الأخيرة، والتي تشهد فعاليات مونديال قطر والمشاركة المشرفة للمنتخب المغربي،»ديرو النية»، وهي الجملة الشهيرة للناخب الوطني وليد الركراكي.
في بداية الأمر وللوهلة الأولى، كانت العبارة مثيرة للسخرية، إذ اعتبرنا جميعنا أن تصريح الركراكي والذي خرج فيه للإعلام يطلب من الجماهير أن «تنوي» تفوق المنتخب في أولى مبارياته، -اعتبرناه- غريبا ومستفزا بعض الشيء… كيف يمكن لفريق أن يمر للمباراة المقبلة بالنية؟ وكيف سيضمن مقعده بالنية؟! خاصة وأن الأمر يتعلق بكأس العالم!! نحن يا سيدي في حاجة لخطط، لحسابات، لتصريحات حاسمة، وخرجات حازمة… وأنت تطلب منا «نديرو النية»؟؟ كيف يعقل؟!
الرؤية الجماعية والتي انتقدت نظرة المدرب للأمور وشككت في قوة نواياه، بدأت تتغير شيئا فشيئا… والحال أن المنتخب صار يوقع على نجاحات باهرة في كل مباراة.
لن أنكر تميز الفريق ولا أداء اللاعبين وأسلوبهم المتفرد في الملعب، ولكني وكغيري من الجماهير صدقت قوة النية وقدرتها على تحقيق المستحيل.
هذه القوة، التي قرأت عنها مرارا في كتب التنمية الذاتية لها مفعول سحري على فصول حياة الشخص، خاصة وإن اقترنت باليقين، يقول الدكتور مصطفى محمود عن النية: «هي مفتاح لغز القضاء والقدر: على العبد النية وعلى الله التمكين.. إن خيرًا بخير وإن شرًا بشر».
وهذا يعني أن القادر على كل شيء يوتي الخير لمن نواه، ويسخر له الكون كله لتحقيقه، كما يضعه أمام الفرص التي تقوده إلى مرامِه…
ولعلنا جميعا مررنا من ظروف صدقنا فيها أنفسنا وآمنا بقدراتنا، أو تشبثنا فيها بالأمل رغم شدة الظلام، لنجدنا أمام نور يتسلل إلينا فجأة… باب تُفتح أمامنا… أو يد يمدها الكون لنا، دون أن ندرك أن السحر انطلق منا، من قلوبنا واخترق جدار السماء، ودون أن نعي صدق نوايانا في تحقيق المراد… يقول الإمام ابن حجر في هذا الباب : «من كان صادقَ النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشَّر، فإنّ الله يصرفه عنه.»
الأمر أشبه بتفعيل قنوات التواصل؛
مع الذات، مع الله، ومع الكون…
أن يغوص الانسان في ذاته أولا، أن يحدد ما يرغب في تحقيقه، وأن يؤمن بقدراته وإمكانياته على ذلك… وقد قال واين داير وهو المؤلف والمحاضر الذي اشتهر بكتابه «قوة النية» : إذا أردت أن تنجز شيئا ما، يجب أولاً أن تتوقعه من ذاتك».
ثم يتيقن أن «الله على كل شيء قدير» -البقرة 20-، و «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» -يس 82-.
دون أن يفقد ثقته في محيطه،  حيث يفرض عليه هذا التواصل أن يظل متفائلا، صادقا، مستبشرا، ومتوقعا للفرص التي قد تُهدى له على أطباق الذهب.
هي النية يا أصدقاء… هي السر والسحر، والمفتاح الذهبي لتحقيق المستحيل.

شاعرة وإعلامية


الكاتب : مريم كرودي

  

بتاريخ : 14/12/2022