في لقاء لتقديم كتاب «غنيمة حرب» بمؤسسة آل سعود

الدمياني: غنيمة حرب» التأريخ بدمغة سردية

لعسبي: «الحداثة ليست شعارا سياسيا، بل هي ما يحدث تغييرا في السلوك

 

من كتابة بيوغرافيات لرجالات السياسة والمقاومة المغربية «محمد منصور: الرجل ذو القبرين»، «الشهيد محمد الزرقطوني»، «مولاي العربي الشتوكي : مسار حياة» ، وبعد خوض غمار الكتابة التاريخية التي اشتغل عليها بمعايير ومقاييس أكاديمية كما قعّدت لها مدرسة جرمان عياش، والتي تعتمد الوثيقة التاريخية، تفرد الباحث والكاتب والصحفي لحسن لعسبي، كما قال الأكاديمي والأنتروبولوجي محمد الصغير جنجار نائب مدير مؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والأبحاث الانسانية، بالاشتغال على موضوعة الجسد في كل تعبيراته . فبعد دراسته السيوسيوتاريخية «سيرة الدمع» و»اللذة والعنف: تاريخ الزواج»، يعود لعسبي للنبش في تضاريس الجسد المغربي هذه المرة من زاوية صحية، تتوخى التأريخ لعلاقة المغربي مع جسده وبالتحديد صحة جسده في محاولة لرسم جزء من «الواقعة التاريخية المغربية» كما وقعت في التاريخ الحديث والمتمثلة في قصة «دخول الطب الحديث» إلى الحياة اليومية للمغاربة ما بين 1888و 1940.
جنجار يرى أن الكتاب الجديد «غنيمة حرب» والذي قدم أول أمس الخميس9 فبراير بمؤسسة آل سعود، يطرح موضوعا أساسيا غيّر علاقة المغاربة بجسدهم ومنظورهم للعالم والذات، ولهذا يؤكد أنه آن الأوان للتأسيس لخطاب متصالح مع التاريخ، سواء في لحظات الحرب أو الاستعمار، والحديث بدون مركب نقص عن الجانب الآخر الإيجابي للاستعمار، وأنه لا يجب التنكر لمنجزات الإدارة الاستعمارية التي أسست لتحديث بنيات المغرب التحتية، خاصة على مستوى المؤسسات الصحية، ومن ثم يصح اعتبارها غنيمة حرب حقا.
الباحث والإعلامي عبد العالي الدمياني في تقديمه للكتاب،اعتبر أن الكتاب يشكل نوعا من التأريخ الاجتماعي لمغرب القرن 20 ، مركزا على ثلاثة مستويات لمقاربة متن الكتاب:
– السياق التاريخي والسوسيو ثقافي الذي صاحب ظهور العمل، والمتمثل في ظهور جائحة كورونا وفرض حالة الطوارئ التي علقت الحياة الاجتماعية في الفضاء العمومي، وهنا سلط العسبي الضوء على الجائحة لكنه اختار الاشتغال على الواقعة ضمن إطار واسع، ولم يرتهن للحظة الحدث الطارئ، بل استعاد في كتابه تفاصيل دخول الطب الحديث إلى المغرب.
-الموارد المعرفية التي تغذى عليها العمل عبر الاطلاع والرجوع إلى المؤلفات التاريخية القديمة والحديثة، سواء المغربية أو الفرنسية بالإضافة الى وثائق أرشيف سلطة الحماية.
-استراتيجية الكتابة واختار من خلالها لعسبي تذويب الوثيقة التاريخية في المتن النصي بما يخدم استراتيجية الكتاب. فمن خلال التصنيف الموضوعاتي الذي تم ضمن سياق سوسيو ثقافي(مذكرات، خطب ،بورتريهات) استطاع الكاتب إضفاء طابع سردي على فعل التأريخ. طابع تحكمه خلفية تواصليه تتوجه الى القارئ المتخصص كما الى القارئ العادي، وتجعله يخرج بخلاصة واحدة أن ما أرساه المستعمر من بنيات هو ما يشكل العمود الفقري للصحة في مغرب اليوم. وخلص الدمياني الى أن لعسبي بهذا العمل، يقدم للقارئ رواية تاريخية عن الطب الحديث، جمع أشتاتها من الوثائق والتقارير الغميسة التي خلفتها إدارة الاستعمار، كما أنه استجاب في نفس الوقت لحاجة راهنة كشفت عنها الجائحة.
عن حيثيات هذا العمل والظروف التي صاحبت إصداره، اعترف لعسبي أن هذا العمل هو خلاصة بحث تطلب سنوات، بحث قادته إليه الصدفة وهو يبحث في أرشيف غرفة الصناعة والتجارة بالدار البيضاء عن وثائق تغني عمله السيري عن المقاوم محمد منصور، حيث اكتشف لحظتها أرشيفا زاخرا عن الصرف الصحي والصحة المينائية بالدار البيضاء وهو البحث لا يزال يشتغل عليه الى اليوم، إلا أنه مدفوعا بالسياق العام الذي فرضته جائحة كورونا، ارتأى أن يغير زاوية معالجته ليتحول العمل الى البحث في قصة دخول الطب الحديث الى المغرب من خلال الاشتغال على المعلومة التي تغني المعرفة، وبالتالي تحدث تغييرا في الذهنية المغربية ، إذ يعتبر لعسبي في هذا الصدد أن الحداثة الحقيقية ليست شعارا سياسيا، بل هي ما يُحدث، بالأساس، تغييرا في السلوك الذي يحدد منظومة القيم وهي القيم التي استوعبها والتقط ذبذباتها بذكاء رفيع الجيل الجديد أنذاك: جيل الحركة الوطنية.
الكتاب لا يتغيا مقاربة تشخيصية أو كرونولوجيا تاريخية لتطور المؤسسات الطبية والصحية بالمغرب منذ ما قبل الاستعمار وحتى عهد فرض الحماية الفرنسية، بل يروم تفسير: كيف غيرت صدمة الاستعمار وعي المغربي بذاته وبالآخر وبالعالم، انطلاقا من تقديم الخدمة الصحية سواء عبر أطباء البعثات الديبلوماسية أو البعثات الدينية التبشيرية التي استطاعت النفاذ الى مؤسسة المخزن، وغيرت علاقة المغربي بجسده وتمثله للحياة والتي شكلت دافعا مهما لتغيير سلوك المغربي في وعيه بذاته وبالعالم، من خلال الوعي الصحي الذي أصبح يمتلكه والذي ينسحب، لزاما،على رؤيته وتمثله للحياة بوجهها الحداثي في أكثر من ملمح ومجال، وهو التمثل الذي يمكن اعتباره المحرك الرئيسي والمنتج لإرادة الإصلاح والتغيير عند جيل الحركة الوطنية.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 11/02/2023