احتفى بتجربته ملتقى الثقافات والفنون.. أنيس الرافعي:القصة عقيدة روحية تساعدني على عبور الوجود بخفة

نظم ملتقى الثقافات والفنون، بشراكة مع محترف التلقي المسرحي، لقاء حواريا حول التجربة القصصية للكاتب أنيس الرافعي يوم الجمعة 17 فبراير 2023 بالمديرية الجهوية للثقافة بالدار البيضاء.
اللقاء الذي شارك فيه النقاد: محمد علوط، أحمد زنيبر، سعيد منتسب، عمر العسري، عبد اللطيف حباشي، لإضاءة ما يمثله المشروع القصصي لأنيس الرافعي من تفرد داخل خرائطية السرد المغربي، يأتي على هامش فوز الرافعي قبل أسبوعين بجائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية» التي تمنحها الكويت عن مجموعته القصصية «سيرك الحيوانات المتوهمة» ، والتي تعدّ أبرز الجوائز المقدمة في هذا الجنس الأدبي بالمنطقة العربية. وهو الفوز الذي اعتبره أنيس فوزا للأدب المغربي، وانتصارا على التوجه المحافظ الذي يرتهن للنموذج الكتابي الكلاسيكي في القصة.
الاحتفاء بتجربة الرافعي كما عبر عن ذلك رئيس ملتقى الثقافات والفنون، الشاعر والناقد صلاح بوسريف، هو احتفاء بتجربة في الكتابة ميسمها الاختراق والاختلاق والمغايرة، والرغبة في التجديد لتقديم قصة في سياقات أخرى لم نتعود عليها في قراءاتنا لأن ما يميز نصوصه هو ذلك التجاوز، وتلك الجرأة المؤسسة على تراكم معرفي ووعي بالأفق الذي تشتغل عليه التجربة والتي جعلت الرافعي في كل نص جديد يختبر هشاشة الكتابة وقدرتها على الاستمرار في هذه الهشاشة التي تمنح المبدع إمكانية التجديد والتخطي.

 

 

أنيس الرافعي: الكتابة بعد الاستحقاق تشبه تسلق جبل أملس

لا يخفي أنيس الرافعي رغبته في القطع مع مفهوم المجموعة القصصية المتجاوَز، مقترحا الاشتغال على مفهوم «الكتاب القصصي»، وهو المفهوم الذي جعله يسعى دائما الى تدمير النموذج الذي يشتغل عليه للبحث عن آخر جديدن باحثا من خلال التجريب عن استعارته الخاصة التي تمنحه التعبير عن الحياة والوجود.
نموذج الرافعي، كما عبر عنه ، نموذج سردي مغامر وغير مطمئن لا يكتب بمعيارية، مادامت الكتابة لديه حالة طوارئ ولحظة قلق دائمة لا اطمئنان فيها . هو الذي يتجاوز بنموذجه الكتابي، مفهوم الصنعة ليرفعة الى عقيدة روحية تمنحه الشعور بالاطمئنان، إذ القصة القصيرة بهذا التجلي الروحاني تساعده على عبور الوجود بخفة للوصول الى لحظة شفاء من الحياة.
وعن نصه الفائز مؤخرا بجائزة «الملتقى للقصة القصيرة» بالكويت «سيرك الحيوانات المتوهمة»، يقول الرافعي إن ما يمنح الجائزة قيمتها بالنسبة اليه هو ذلك الاعتراف المتأخر من السلط الثقافية المشرقية ب بالنص المغربي كمدرسة خاصة في القصة القصيرة وبالكتابة الاخرى التي تقطع مع المفهوم والشكل التقليدي للسرد القصصي، مؤكدا أن الفوز أو الاستحقاق يجعل صاحبه في مأزق اللاتراجع لأن الكتابة بعد الاستحقاق تصبح شبيهة بتسلق جبل أملس، عليك إجادة تسلقه كي لا تنزلق أو تزل إحدى قدميك.
لا يخفي أنيس أن كتابه الفائز «سيرك الحيوانات المتوهمة» نص يسعى إلى فتح مروحية على فنون وطروس مختلفة (الصورة الفوتوغرافية، المعمار، الطقوس الأنتروبولوجية، التشكيل، السينما) لتغذية جسد النص، وهو جزء أساس من مشروعه القصصي التجريبي الذي يؤمن به، ويحمل هاجسه الجمالي الذي يمكن أن يكون هو السقف الجمالي الذي نقدمه للغرب وللآداب والثقافات الأخرى، مؤكدا أنه سعى في نص «سيرك الحيوانات المتوهمة « الى جعله «كليلة ودمنة» مضادةن حيث الحيوانات تتقمص أدوارا مقلوبة في سيرك كبير هو في المحصلة نموذج معيش يومي لـ»المغربي» بكل نماذجه.

عبد اللطيف حباشي: صعب أن تضع الثقة في القاص الذي يسكنه

هل تصدق قاصا وتثق في كائناته؟
ذاك ما لا ينصح به الكاتب والباحث في الأنتروبولوجيا عبد اللطيف حباشي، خاصة اذا كان القاص هو أنيس الرافعي الذي وإن كان ممكنا تصديقه كإنسان وصديق، إلا أن تلك الثقة في القاص الذي يسكنه سرعان ما تتذبذب وأنت تقع في شرك إغراءاته التي قد يقدمها لك للدخول الى عوالمه القصصية، خاصة «سيركه الفانتازي».
قد تنخدع وتدخل إلى» سيرك حيواناته المتوهمة» إلا أنك بعد الدخول لن تخرج كما دخلتَ رغم المتعة التي قد تشعر بها، فأنيس يصر على يبدد تلك المتعة وقد حاصرتك كائناته وفغرت فاه الأسئلة المستفزة لتشوش عليك فهمك، وتضاعف قلقك حول فهمك لذاتك وللوجود وللآخر .
فأنيس كما يقول حباشي، يدفع بأفقه التجريبي إلى أقصى الحدود لأنه يعي جيدا أن الحدود بين المعارف والعلوم أصبحت تتقلص بل تختفي اليوم.

سعيد منتسب:
كائن قصصي يعشق جمع التحف

يعتبر القاص والشعر سعيد منتسب أن ما يثير في أعمال الرافعي هو الجملة القصصية لأنها جملة متفردة لا مثيل لها. وبهذا فهو جامع تحف (كلمات) ينسج علاقة غريبة مع الكلمات لأنه كائن قصصي يحول الكلمات القوية واللماعة، يجمعها في زجاجة ليعتقها وليستعملها في نصوصه بطريقته الخاصة التي تسبغ جمالية خاصة، وهو ما يجعل نص أنيس الرافعي دائما ، نصا عابرا للقارات والجغرافيات.
لا يخفي منتسب أنه يقرأ أنيس بطريقة تلصصية لأنه ليس كاتبا سهلا ولا من الكتاب الذين ينشدون السهولة منذ مجموعته «فضائح فوق الشبهات» ، فهو دائما يمارس التضعيف والتفخيخ والتطريس حتى وهو يعلن مرجعياته، هو الذي امتلك منذ بداياته، تصورا خاصا عن الأفق الآخر للكتابة.
هذا التصور يجعله في كل نصوصه يقود القارئ الى المنطقة التي يريد لأنه يكتب بثقة كبيرة متكئا على معرفة كبيرة بالمنجز القصصي العالمي، ولهذا فقراءة أعماله تحتاج الى تملك ريبرتوار معرفي خصب ومتنوع ومنفتح على كل المعارف.

محمد علوط:
المترحل بين الضفاف برشاقة أكروبات

يرى الناقد محمد علوط أن أنيس الرافعي يكتب بين الضفاف، دون إقامة دائمة لا في الواقعي ولا في المتخيل. هذه الحساسية الجمالية تؤشر أكثر على تجربة قصصية عبر الأجناسية، وتجربة خرائطية في السرد تجعل الحديث عنه حديثا عن أيقونة للقصة المغربية تنهجس بسؤال الكتابة وسؤال السرد، وتستكنه الفضاء الكوني للمتخيل الإبداعي والإنساني العالمي . وبهذا فهو رجل مترحل في هذه الأكوان لأنه ينبذ المفهوم الضيق للكاتب والمؤلف.
إن ما يميز تجربة الرافعي، حسب علوط، هو أنه لم يجنس أعماله بـ»المجموعة» ، فقد ابتدع لكل نص توهيما أجناسيا، وترك أفق الانتظار للمتلقي، كنوع من الميثاق السري بين النص ومخيلة القارئ. كما أنه يشتغل في الضفاف والحدود مُجيدا رتق الشقوق وردم الهوة بين كينونة المبدع والناقد، و المرواحة برشاقة أكروبات بين النقد والابداع بدون صوت ضاج بالنظريات وطبولها.

أحمد زنيبر:
مرجعيات تنمح فسحا استعارية وإبداعية

يرى الناقد والشاعر أحمد زنيبر أن المتابع لأعمال أنيس منذ أول أعماله «أشياء تمر دون ان تحدث»، «البرشمان» يلاحظ أنه أام صوت جديد غير معتاد في القصة القصيرة، بعيدا عن هرمها الثلاثي .فكل مجموعات تصدر بدون تجنيس، هي مرة تمرينات أو قصص مينيمالية ومرة أخرى ‹طقوس كناوية» أو «كراسة محكيات» و»متواليات قصصية»، بما يجعلها عملا متكاملا أي كتابا مستقلا يأخذ القارئ نحو سفرة مع الشخصيات والعوالم.
إن الاشتغال على المرجعية في أعمال أنيس الرافعي يقدم فسحا استعارية وإبداعية تجعلنا ننظر الى الشخصيات في تداخلها بما يخلق الدهشة عند القارئ. فالقصة، في عرفه، جنس إبداعي لا يكتب من فراغ؛ وإنما بتفكير واشتغال وتجريب مستمر. فمنذ مجاميعه القصصية الأولى» «أشياء تمر دون أن تحدث فعلا «، «السيد ريباخا»، «البرشمان «، «ثقل الفراشة فوق سطح الجرس»، «اعتقال الغابة في زجاجة»، يتبدى شغب الرافعي بالكتابة، حيث الحرصُ على توظيف تقنيات لا تكتب القصة، وإنما تسافر إليها.

عمر العسري:
كل المقاعد في مشغل أنيس، غير مريحة

لا يشعر الشاعر والناقد عمر العسري بالراحة وهو يقتعد مكانه في بيت أنيس القصصي، لأن كل المقاعد في مشغل أنيس، غير مريحة ولأنه سرعان ما يغيرها في كل منجز جديد ، مؤمنا، حد العقيدة، بأن الكتابة خرق وخلق. فالقصة عنده مثل قطعة بلور كلما غيرتَ زاوية الرؤية ، يقول العسري، أعطتك لونا مغايرا.
إن ما يمنح التفرد لأعمال الرافعي هو تميزه برؤية استقرائية وقرائية لأنه مساح للخريطة الكتابية لجنس القصة عالميا، وقارئ لكل المعارف والأجناس، ولهذا نجد أن قصصه تتأبى على التأويل لكنها منفتحة وتطرح رؤى جديدة من زاوية التلقي.
إضافة أخرى يلمسها العسري في أعمال أنيس وتتمثل في تقاطعات القصة والشعر، فالتكثيف الإيحائي في قصصه ليس اعتباطيا بل مقصودا، وهو ما يجعل قصصه أقرب الى المحكي الشعري، ولكنها في بعدها القرائي تخرج الى التمثلات البصرية، تلك الشعرية تمنحها المرونة في اللغة، والبعد الصوتي والتداخل الموسيقي، بمعنى أن أعماله كون ومجرة إبداعية تحوم حولها كل الأجرام.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 20/02/2023