أوروبا العاقلة تختار المغرب، والأخرى تتقدم مقَنَّعةً …

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يستطع القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي في حق المغرب أن يؤثر في جواره المؤسساتي القريب، ممثلا في مفَوضِيَّات الاتحاد الأوروبي، والدليل في ذلك أنه قرار لم يعطل الدينامية التي اختارتها القارة العاقلة، بناء على عقلانية ديبلوماسية وجيوسياسية ثابتة تجاه المغرب.
زيارة العمل الأخيرة التي قام بها المفوض الأوروبي للجوار وتوسيع الاتحاد، أوليفير فارهيليي، للمغرب، من فاتح إلى 3 مارس، في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية ومتعددة الأشكال بين الرباط وبروكسيل، هي ولا شك أول زيارة له من بعد القرار، بحيث لم يتلكأ في تنشيط قوي للشراكة بين البلدين واتضح أن القرار المعادي للمغرب لم يتجاوز صداه قبة البرلمان، ثانيا هي زيارة تسير في نفس المنحى الديناميكي الذي سارت عليه زيارة المستشار النمساوي، التي كانت مناسبة للاصطفاف النمساوي إلى جانب العواصم والدول الأخرى التي أعلنت دعمها للحكم الذاتي، كما أنها تكرس المنحى الذي تدافع عنه إسبانيا، الشريك القوي للمغرب، ثم الرئيسة الحالية للاتحاد الأوروبي، والتي دافعت بشراسة عن الشراكة القوية والمتينة والاستراتيجية بين الرباط وبروكسل.
طبعا كانت إسبانيا تدرك بأن القرار البرلماني يريد أن يفرمل الدينامية التي تقودها في الجوار الجنوبي للمتوسط، وأنه يرمي إلى تقويض شراكات قوية (ما بعد أطلسية ) لحسابات روسية فرنسية في المنطقة..
ومن هذا التراكم الحاصل إيجابيا، يتبين أن هناك أوروبتين!
أوروبا عاقلة، براغماتية وذات حس متقدم من المسؤولية، تلك الأوروبا التي تقوم على الشراكات الرابحة، وبناء قواعد لعب في المحيط الأوروبي تختار فيها الشركاء الموثوقين، ومعايير محددة تتماشى وثقافتها العميقة، هذه الأوروبا، اختارت المغرب واختارت معه بناء علاقات ندية بدون أدنى عقدة أو مركب استعلاء..
وفي المقابل هناك أوروبا الأخرى، أوروبا الحسابات الضيقة والعقلية الاستعمارية، أوروبا تتقدم مقنعة، وتلعب من وراء الستار، معتقدة أنها في منأى عن الأضواء، هذه الأوروبا التي تسعى إلى أدوار الأستاذية، تخرج خاسرة من الحيوية التي يبنيها الطرفان..
أوروبا الخاسرة تلعب غميضة استراتيجية لا تنطلي على أحد.. وهذه الأوروبا لا تخيف المغرب ولا تنال من اهتمامه ما قد يتجاوز الحد الأدنى المطلوب. في حين يعرف المغرب بأن أوروبا التي تعمل من أجل مصالح شعوبها، ومن أجل السلام والاستقرار، قد اختارته كبلد يوجد على الضفة الصحيحة من التاريخ…
لقد استجابت الزيارة، كما كان الحال مع زيارات مماثلة من مستوى عال، تمثلت في زيارة جوزيب بوريل، ورئيسة اللجنة الأوروبية أورسولا فان دير لاين، مع منطق المغرب، وكل هذه الزيارات رتبت المغرب في مرتبة الشريك القوي، الموثوق والاستراتيجي، وهي كلها أوصاف تأخذ معناها السياسي الملموس من خلال ما تحمله كل زيارة للمغرب، كما تأخذ معناها من خلال ما تحيله الأضداد (الضعف، غير الموثوق ولا استراتيجي ).. من صفات المنافسين للمغرب في الضفة الجنوبية..
هذه الأوروبا العقلانية العاقلة عندما تضع الخارطة أمام أعينها ترى أن هذا الشريك قائم على استقرار عميق، هو ضمانة للأمن في المنطقة ولكن أيضا قاعدة للإصلاح والانفتاح الديموقراطي والتطور، وهو ما ينعدم عند العروض الاستراتيجية الأخرى التي تبشر بها بعض العواصم من قبيل باريس..
من خلال هذه الزيارة واللواتي سبقنها، استجابت أوروبا لما طلبه المغرب: الدفاع الثنائي عن هذه الشراكة… ولعل الزيارات دليل عملي، على هذا الدفاع المشترك المغربي الأوروبي!
ثانيا، هناك تجاوب مع الدعوة المغربية نحو توجيه الاهتمام من أوروبا الشرقية، التي أعادتها الحرب إلى واجهة الترتيب الجيوستراتيجي، إلى جنوب القارة، أي الحوض المتوسطي وشمال إفريقيا.
نقطة التحول الثانية تتمثل في خلق ثلاثية جديدة بعد ثلاثية أمريكا إسرائيل المغرب، وهي ثلاثية الاتحاد الأوروبي إسرائيل المغرب، مع ما يعنيه ذلك من ربط الاتحاد الأوروبي بالدينامية التي خلقتها الاتفاقية الثلاثية السابقة، ويعني أيضا الارتباط بالنظرة الأورو أطلسية، التي تقودها إسبانيا والمغرب على طرفي جبل طارق..
وهو ما عبر عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة بالقول بضرورة تطوير «تعاون ثلاثي إقليمي بين المغرب والمفوضية الأوروبية وإسرائيل « باعتباره كذلك «العنصر المكمل للتعاون الثنائي، والذي سيشمل مجموعة من المجالات من خلال التنسيق بين الأطراف الثلاثة «.
ومن المنتظر أن يرى هذا المنجز النور في نهاية هذا الشهر من خلال التوقيع على وثيقة تهم ترتيبات التحالف الثلاثي الجديد…
والخلاصة أن هناك منطقا ديناميا إيجابيا بين الطرفين يستعصي على قوى التكسير والجمود والاستنزاف …

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 06/03/2023

التعليقات مغلقة.