الاتحاد الاشتراكي والديبلوماسية الموازية

عبد السلام المساوي

 

نقرأ في البيان السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فاتح شتنبر 2022 أن «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إذ ينبه إلى ضرورة التأهب وقراءة المتغيرات الحالية بعين وطنية فاحصة من طرف مدبري الشأن الدبلوماسي، فإنه في الوقت نفسه يدعو تنظيماته وتعبيراته البرلمانية والشبيبية والنسائية إلى التحرك بوتيرة أعلى من السابق، والتحرك داخل كل المنظمات الإقليمية والقارية والدولية من أجل دعم حق بلادنا في السيادة على كافة مجالها الترابي، وحسم هذا النزاع المفتعل لصالح الأمن والسلم الدوليين من مدخل تأمين السيادة الوطنية في مواجهة مشاريع التقسيم التي تعد مجالا خصبا لنشاط الحركات الإرهابية ومافيات السلاح والجريمة العابرة للقارات ومآسي الهجرة غير النظامية».
المعركة الدبلوماسية بشأن قضيتنا الوطنية ليست مهمة حصرية لمؤسسات الدولة بل مسؤولية المجتمع بأحزابه ونخبه ونقاباته ومثقفيه وبرلمانييه وجمعياته.
جاء في الخطاب السامي لجلالة الملك بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة «إن قضية الصحراء هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة، وهي قضية كل المغاربة، وهو ما يقتضي من الجميع، كل من موقعه، مواصلة التعبئة واليقظة، للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية ، وتعزيز المنجزات التنموية والسياسية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية .وذلك خير وفاء لقسم المسيرة الخالدة، ولروح مبدعها، والدنا المنعم ، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وكافة شهداء الوطن الأبرار .»
وواهم من يعتقد أن هناك تأمينا بنكيا على حساب المواقف الدبلوماسية للدول حتى تلك التي تعد بين الحلفاء التقليديين، فقد نكسب اليوم موقفا ونخسر غدا آخر، وقد جربنا ذلك مع بعض دول أمريكا اللاتينية. لذلك فالمعركة الدبلوماسية معركة يومية للدولة والمجتمع يخوضانها باستمرار سواء لتثبيت القرارات الإيجابية أو لانتزاع قرارات جديدة، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بيقظة دبلوماسية رسمية وانخراط دبلوماسي شعبي ومجتمعي.
من المطلوب ألا تتهاون الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة بكل الطرق الممكنة، سواء في إطار الشرعية الدولية داخل المحافل والمنظمات الدولية، أو في إطار الدفاع المشروع عن سلامة وحدة أراضينا، وهذا يقتضي منها بالأساس ألا تركن إلى سياسة الكرسي الفارغ والمقاطعة الدبلوماسية الشاملة، كلما كان ذلك ممكنا وكلما لم تصل جسامة الاعتداء المرتكب في حق قضيتنا الأولى إلى مستوى غير مقبول .
والخشية اليوم أنه في حالة زيادة التصعيد والتوتر وارتفاع حدة التجاذبات الديبلوماسية مع الخصوم، وهذا أمر متوقع ومحتمل حدوثه، أن نقبل بترك ساحات كبيرة لفائدة حماة الانفصال وأدواته، فلا بد من الحفاظ على «شعرة معاوية» التي تعتبر واحدة من أفضل طرق التعامل مع الخصوم الدبلوماسيين، والتي تساعدنا في حالة البحث عن انفراجات دبلوماسية بدل أن تتراكم وتتعقد العلاقات وتكون غير قابلة للحل .
المعادلة الصفرية في الممارسة الديبلوماسية تقول إنه كلما ربحت الوحدة الوطنية رقعة جديدة من الداعمين خسرت أطروحة الانفصال رقعة من مناصريها …مطلوب إذن يقظة دبلوماسية موازية.
إن الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية بالنسبة للحزب، يمارسها الاتحاد الاشتراكي من خلال واجهة المنظمات الدولية والجهوية والإقليمية والأممية الاشتراكية والأممية الاشتراكية للنساء، والاتحاد العالمي للشباب، بالإضافة إلى ربط علاقات ثنائية مع الأحزاب القريبة ايديولوجيا من حزبنا .
إن من أولى الأولويات عندنا، هي تعبئة كل مواردنا البشرية والتنظيمية والإعلامية التي نتوفر عليها في حزبنا، من أجل أن نكون رواد وطليعة الدبلوماسية الموازية، وأن نستثمر كل علاقاتنا الخارجية ونبني أخرى، من أجل أن نكون جزءا متينا من جدار صد مناورات خصوم وحدتنا الترابية. وإن موقعنا في المعارضة البرلمانية، قد يكون ورقة إيجابية، إذا أحسن استثمارها، لبيان أن قضية الصحراء المغربية هي قضية دولة ووطن ومجتمع وشعب بمختلف تياراته ومناطقه وأجياله .
نسجل المشاركة المتميزة والمثمرة لحزبنا في المؤتمر الأخير للأممية الاشتراكية الذي انعقد بالجارة الشمالية « اسبانيا « ، وهي مشاركة تعكس وعي الحزب بأهمية الديبلوماسية الموازية، وكذا تعكس قوة حضوره ومتانة علاقاته الخارجية التي تترجم الاحترام الذي يحظى به الحزب في المنتديات الحزبية الدولية، وخصوصا ذات المرجعية الاشتراكية الديموقراطية .
وإن نجاح الحزب في الحصول على مقعد نائبة الرئيس في الجهاز التنفيذي الأول لمنظمة الأممية الاشتراكية ممثلا لقارتنا الإفريقية، ومساهمته المقدرة في التصويت لصالح صديق المغرب بيدرو سانشيز رئيس وزراء المملكة الإسبانية رئيسا للمنظمة، هو دليل على الموقع الذي يحتله الحزب ضمن منظومة الأحزاب الاشتراكية الإفريقية، مما مكنه من محاصرة الصوت الانفصالي الذي تزداد عزلته داخل المنظمة دورة بعد أخرى، وكذا دليل على مكانته الاعتبارية وسط مختلف الطيف الاشتراكي الديموقراطي، مما أهله للدفاع عن المصالح الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية .
لا يكفي أن تكون اليوم، مجرد دولة لها حدود وحكومة وجيش وإدارات وشعب، بل يجب أولا، أن تكون لك مقومات هذه الدولة، تاريخيا وتنوعا ومؤسسات وتداولا ديموقراطيا للسلطة، وبناء سياسيا ومجتمعيا ودستوريا صلبا يسند ظهرك في المواجهات الكبرى، ويصد عنك الأطماع والمؤامرات ومخططات الهيمنة، التي تستعمل فيها وسائل استخباراتية قذرة .
أشر الخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 2021) على اكتمال عملية انبعاث المغرب كقوة ضاربة رئيسية على المستويين الإقليمي والدولي، فالملك الذي اختار هذه المناسبة ذات الرمزية البالغة في الوجدان المغربي لمصارحة شعبه بالتحديات الداخلية والخارجية، ومن ثمة توجيه رسائل في كل الاتجاهات، كان يستلهم هذه الذكرى لأجل شحذ الهمم لثورة ملك وشعب أخرى، ثورة يكون الهدف منها هذه المرة تثبيت المغرب كرقم صعب في المعادلات الجيوستراتيجية القادمة .

كان الخطاب الملكي واضحا وصريحا وجريئا، رسالته الأساسية الموجهة إلى الداخل مفادها أن المغرب مستهدف في استقراره ويتعرض لعملية عدوانية مقصودة، وأن الوضع يستدعي أولا وقبل كل شيء تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها ، وجعل كل ما عدا ذلك وعلى رأسها التنافس الانتخابي والصراع حول الحكومة والبرلمان والجماعات مجرد وسائل فقط لبناء دولة بمؤسسات قوية، وليس غاية في حد ذاته .
فالملك يدرك بما يتوفر عليه من معطيات دقيقة، أن الوضع العربي والإقليمي والقاري المحيط بنا وضع مضطرب بشكل لم يسبق له مثيل . ولئن كانت الاضطرابات في ما مضى محصورة في حدود دولة معينة، فإنها اليوم أصبحت عابرة للحدود، فما يقع من حروب باردة واصطفافات شرسة بسبب وباء « كوفيد – 19 « ، وما يجري على أفغانستان وليبيا وجنوب الصحراء، وما يمكن أن تتسبب فيه حماقات دولة جارة، ناهيك عن المحاولات المتتالية لاستهداف المغرب بمبررات حقوق الإنسان المفترى عليها أو بسبب مصالح متنافس عليها، كلها أسباب وغيرها تفرض فرضا علينا، مؤسسات وشعبا، رص الصفوف، لإغلاق أي اختراق لزرع الفوضى واللاأمن في البلاد . فوجود الشقوق في الجبهة الداخلية للوطن هو الأخطر، وهو بداية الهزيمة، فالشقوق تتسع، بشكل طبيعي داخل الدول بسبب فشل السياسات العمومية، فما بالك لو كانت الظروف المحيطة غير طبيعية .
على ضوء ما يتعرض له المغرب من تحولات في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين وحملات أعدائه الظاهرين والمتسترين ، لم تعد الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا أو خطابا سياسيا يردد في الانتخابات، لكسب بعض الأصوات والمقاعد، ولاستعماله كورقة للابتزاز السياسي، بل أصبح ضرورة وطنية لإسناد الموقف المغربي الرافض لكل الصفقات التي يتم عقدها لإخضاعه بالقوة لمصالح الآخرين، أو التهديد بالمس باستقراره وأمنه. فالجبهة الداخلية كانت وما زالت هي الحصن الحصين لهذا البلد عبر مختلف المراحل، التي شهدتها المعركة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية وبناء دولة المؤسسات، حيث كانت قوة البيت الداخلي هي أقوى ورقة يمتلكها المغرب في مواجهة خصومه، وبدون شك سيستمر هذا المعطى حاضرا إلى اليوم، مهما تغيرت السياقات الوطنية الدولية والإقليمية الحالية، لذلك فإن المهمة الأكبر للأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات والإعلام بشقيه العمومي والخاص، هي تعزيز الجدار الوطني كل من موقعه، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل سلاح دفاعي ضد الأخطار الخارجية ….
إن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب ( 20 غشت 2021 )، خطاب مؤسس منتزع للموقع المغربي في المضمار الجهوي والدولي، خطاب يعيد المغرب لما هو منذور له : الريادة ولاشيء غير الريادة . فالمغرب كان في فترات طويلة من تاريخه جزءا من النظام العالمي، حيث كان ملوكه وإمبراطورياته يجسدون لقرون محور الغرب الإسلامي ، وكانوا يعتبرون قيادة روحية لإفريقيا . وكل ما يحاك حولنا الآن هو لإضعاف ثقتنا بأنفسنا وحصرنا في الزاوية الضيقة، لكن المغرب كما نفهم من خطاب جلالة الملك قادم، بل هو حاضر من خلال قوته الناعمة متعددة الأشكال، التي لا تقاوم في إفريقيا أحب من أحب ذلك وكرهه من كرهه، لسبب بسيط هو أ، التاريخ يعيد نفسه وأن إفريقيا هي من تريد ذلك .
غدا ستبزغ شمس الحقيقة، وستشرق بأنوارها على الفضاء المغاربي، إنها حتمية التاريخ التي لا يمكن الفرار منها .

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 14/03/2023

التعليقات مغلقة.