أعمال عنف بفرنسا بعد اعتماد مشروع إصلاح التقاعد

شهدت فرنسا أعمال عنف بين المتظاهرين والشرطة، مساء الاثنين، في عدة مدن فرنسية بعد اعتماد البرلمان لمشروع إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل. والذي ينص على رفع سن التقاعد إلى 64 سنة لكل الفرنسيين.
وشهدت الجمعية الوطنية وهو البرلمان الفرنسي معركة كبيرة من أجل الإطاحة بهذا القانون، لعدم توفر الحكومة على الأغلبية. وبعد فشل المعارضة في مجلس النواب في حجب الثقة عن حكومة إليزابيت بورن وإبطال اعتماد الإصلاح، الذي ينص على تأجيل السن القانوني من 62 إلى 64 سنة، خرج معارضو النص إلى الشارع في باريس وستراسبورغ وليل ورين ونانسي، وهو ما عكسته الصور ومقاطع الفيديو التي تم نقلها من قبل وسائل الإعلام الفرنسية وكذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي باريس، اجتمع المتظاهرون في ساحة «فوبان» بالقرب من الجمعية الوطنية، قبل أن تهاجم الشرطة، التي أغلقت كل المداخل إلى الميدان، المتظاهرين عدة مرات لإجبارهم على إفراغ المكان مما تسبب في اشتباكات.
بعد ذلك، انتقل المتظاهرون إلى أحياء أخرى في العاصمة، لاسيما حي أوديون، حيث تم إحراق العديد من صناديق القمامة، خاصة بمحطتي سان لازار والأوبرا، وهو ما حول العديد من الأزقة الباريسية إلى مرتع للأزبال وكذلك الروائح الكريهة.
وأعلن وزير الداخلية عن 70 حالة اعتقال على الأقل بين المتظاهرين الباريسيين.
وفي المجال التشريعي، يذكر أن مذكرة حجب الثقة الأولى سقطت بفارق تسعة أصوات فقط، والتي قدمتها كتلة «ليوت» التي تشارك فيها أحزاب عدة. وحصلت هذه المذكرة على 278 من أصل 287 صوتا ضروريا، في حين لم تحصد المذكرة الثانية المقدمة من «التجمع الوطني» اليميني المتطرف سوى 94 صوتا من أصل 287 صوتا ضروريا.
وقالت رئيسة فريق نواب «فرنسا الأبية» بالجمعية الوطنية «لم يعد لكلمتكم أي قيمة»، متهمة الحكومة بـ»خيانة الشعب» و»جلب العار لفرنسا، وأضافت أن «الشعب الفرنسي «تعرض للخيانة من خلال التباهي بأن إيمانويل ماكرون قد انتخب على برنامجه، لقد تمت خيانته من خلال حكمكم لمدة 9 أشهر كما لو كنتم تتمتعون بالأغلبية، من خلال اللجوء إلى المادة 49.3 البائسة لتمرير إصلاح لا يريده أحد.»
وأردفت قائلة «لم يسبق لأي رئيس أن أراد أن يحكم بهذا القدر من الثقة في النفس، ومن خلال إثارة الغضب والاشمئزاز».
إن إصلاح نظام التقاعد والاحتجاجات التي نتجت عنه سيتركان أثرا لا يزول في ولاية ماكرون الثانية، بعدما جعل الرئيس الفرنسي من هذا المشروع رمز ا لسياسته الإصلاحية.
ونددت رئيسة الوزراء اليزابيت بورن الاثنين في كلمتها خلال المناقشات بسلوك جزء من المعارضين ولجوء بعض نواب اليسار إلى «العنف». وأضافت أنها تدرك جيدا حالة بلدنا حاليا و»الجهد» الذي يتطلبه هذا الإصلاح من العديد من مواطنينا. ويعتبر سن التقاعد في فرنسا هو الأدنى في أوروبا، لكن أنظمة التقاعد في مختلف الدول غير قابلة للمقارنة بشكل كامل، وذلك لاختلاف المساوئ والامتيازات التي يتضمنها كل نظام.
واختارت الحكومة الفرنسية رفع سن التقاعد القانوني استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد، حسب الحكومة خصوصا في ظل شيخوخة البنية السكانية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة؟
وتواصلت الاحتجاجات الغاضبة والإضرابات الاثنين في فرنسا مع قطع متظاهرين طرقا في مدن عدة، ما أدى إلى إبطاء حركة المرور أو عرقلتها بالكامل، وهو سلوك من المتوقع أن ينتشر في الأيام المقبلة.
وهناك تخوف بفرنسا من اشتعال العنف في الشوارع بعد فشل البرلمان في إسقاط هذا القانون غير الشعبي، وفشل الضغط النقابي الكبير، الذي تميز بالوحدة النقابية ضد هذا المشروع لإصلاح التقاعد الذي يعارضه أغلب الفرنسيين. عنف يوم الاثنين بشوارع باريس وفي بعض المدن الفرنسية، هو ربما مؤشر على غضب الشارع، بعد فشل المؤسسة البرلمانية والنقابات الشرعية في ثني الحكومة، فهل يأخذ الشارع المبادرة بعد فشل هذه المؤسسات؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم، خاصة أن اللجوء إلى الشارع لمواجهة الحكومة هو تقليد فرنسي، منذ الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام القديم، بالإضافة إلى مجلس المقاومة سنة 1945 الذي شرع أغلب الامتيازات الاجتماعية التي يستفيد منها الفرنسيون حتى اليوم. والذي سنه المقاومون بعد الانتصار على النازية وحلفائها بفرنسا. لهذا من المتوقع أن تتفاقم أحداث العنف بفعل تراجع شرعية الحكومة وفشلها في إقناع المؤسسة التشريعية والشارع الفرنسي في نفس الوقت.
لهذا لا أحد يرى كيف سيخرج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من هذا المأزق السياسي خاصة أن الحكومة مقبلة على إصلاحات أخرى، ولا تتوفر على الأغلبية بالمؤسسة التشريعية. مما يجعل فرضية حل البرلمان واللجوء إلى انتخابات مبكرة واردة جدا في الشهور المقبلة إذا استمرت حدة التوتر الاجتماعي والسياسي بفرنسا.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 22/03/2023