فنانون وجها لوجه مع الملك -1- حياة الإدريسي: حين التقيت بالملك محمد السادس وسألني عن صحتي

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

دخلت الفنانة حياة الإدريسي الفن من باب الدراسة، حيث التحقت بالمعهد البلدي للموسيقى بالدار البيضاء، وهو المعهد الذي كان مجاورا لقسم خاص بالموسيقى وتابعا للجوق الجهوي، حيث أصبحت تتردد على هذا القسم، بل تحضر التمرينات بالقرب من الكورال.
في إحدى المرات تقول الفنانة حياة الإدريسي، دخل علينا الأستاذ الحبيب الإدريسي الذي أقدره كثيرا وهو في حالة عصبية ،ومرد قلقه أنه سجل أغنية وتم رفضها من طرف لجنة الاستماع بالرباط ،وهي اللجنة التي كان يترأسها الأستاذ أحمد البيضاوي ، الرفض لم يكن مرتبطا باللحن أو الأداء،بل لأن موضوع الأغنية كان يتعلق بفتاة تتحدث عن أول تجربة في الحب لها ، وكانت مسجلة بصوت الفنان الحبيب الإدريسي نفسه ،لكن لجنة الاستماع أصرت على أن تؤدى هذه الأغنية بصوت نسائي ،وبما أنها أصبحت تغني ضمن الكورال من حين لآخر،وبما أنها كانت قد نسجت صداقة قوية مع “بنات الكورال “وكذلك ادريس الركراكي ومحمد الصلحاوي والعربي رزقي ،قيل للأستاذ الحبيب الإدريسي هناك فتاة رغم صغر سنها، لكن لديها صوت جميل ،آنذاك أدخلها إلى مكتب الأستاذ إبراهيم العلمي الذي كان رئيسا للجوق الجهوي للدار البيضاء، وقد أعجبا معا بصوتها، لتتكلف بحفظ الأغنية الأغنية وتسجيلها في استوديو عين الشق ،وعرضها من جديد على لجنة الاستماع التي أجازتها بامتياز، هكذا كانت بدايتها الفنية من خلال هذه الأغنية التي تحمل عنوان “أول خطوة».
الصوت التي تمتلكه الفنانة القديرة حياة الإدريسي، وكذلك الإحساس والاستقامة، كانت من مقومات الانتساب إلى المجال الفني، بحكم أن الفن رسالة ، ومن الأسلحة الناعمة التي تحرص على امتلاكها الأمم والشعوب ،كل ذلك أهلها لتجد لها مكانا وسط كوكبة من النجوم الذين كانت تلمع بهم سماء الأغنية المغربية، وجعلها أيضا ممن يستقبلون أكثر من مرة سواء من طرف الملك محمد السادس أو الملك الراحل الحسن الثاني، والحصول على أكثر من وسام.
عن ذكرياتها في هذا الباب، تقول الفنانة حياة الإدريسي، كان لي لقاءات مع جلالة الملك محمد السادس في مناسبات عديدة، قبل حصولي على وسامين ، لكن أول وسام تشرفت به،كان في أكتوبر 2008 بالمكتبة الوطنية بالرباط، كنت طبعا محظوظة بلقاء جلالته ،وكان لي عظيم الشرف لينعم الله وملكنا بوسام من درجة ضابط، وقبل ذلك تتذكر حياة الإدريسي، لقد تم الاتصال بي من طرف وزيرة الثقافة آنذاك ثريا جبران رحمها الله، التي زفت لي الخبر السعيد ،وأكدت بأنني ضمن لائحة الفنانين المكرمين والمنعم عليه من طرف جلالة الملك محمد السادس، إلى جانب أسماء أخـرى مثل الأساتذة عبدالله بنشقرون ،عبدالهادي بلخياط، محمد الخلفي وغيرهم .
لقد كان اللقاء بجلالته مميزا، حيث ينتابك شعور لايمكن وصفه، فرحت جدا بهذا الاعتبار والاستحقاق الوطني لمسيرتي الفنية، وقد حفزني طبعا هذا اللقاء، ومنحني قوة إضافية من أجل العطاء أكثر لبلدي الحبيب.
مازالت كلمات جلالته ترن في أذني تقول حياة الإدريسي، بعد أن هنأني بالوسام، قال لي ،أشكركم على مجهوداتكم، وأكد لي جلالته أنه يتتبع مسيرتي، كما سألني عن وضعيتي الصحية، خاصة وأنني كنت قد غادرت المستشفى قريبا بعد أزمة صحية ألمت بي، كما سأل عن حال عائلتي، لقد كانت لحظات لاتنسى، وبمناسبة هذا الشهر الفضيل، أهنىء جلالته وأتمنى له موفور الصحة وطول العمر، كما أهنىء الشعب المغربي وكل الأمة الإسلامية جمعاء.
كما كانت فرصة للالتقاء بجلالة الملك محمد السادس مرة أخرى بمناسبة توشيحي بوسام من درجة قائد، كان ذلك سنة 2015 بمناسبة ذكرى مرور أربعين سنة على المسيرة الخضراء، حيث تقول حياة الإدريسي، كنت مع مجموعة من الفنانين، منهم لطيفة رأفت، عبدالرحيم الصويري، عبدالعالي الغاوي، محسن صلاح الدين، حيث قدمنا أغنية مشتركة بعنوان “ حنا مواليها “ من كلماتي وألحاني، وشكلت هذه الأغنية بالنسبة لي، فأل خير،إذ قبل هذا التوشيح، اتصلت بي الكتابة الخاصة لصاحب الجلالة، ليكون اللقاء بجلالته بمدينه العيون، وكان الحوار في حدود هذه المناسبة، ودعا لنا بالخير ،كما ومن قلبنا دعونا له بموفور الصحة وطول العمر.
واعتبرت الفنانة القديرة حياة الإدريسي، أن هذه الأوسمة ،شكلت لها محفزا للعطاء والصبر والصمود أيضا في مسيرتها الفنية رغم ما يمكن أن يعترض المرء من عراقيل، قشكرا لجلالته وللشعب المغربي وشكرا لكل من يعطي بدون انتظار المقابل.
بمدينة العيون تتذكر حياة الإدريسي، سألني الملك محمد السادس، إن كنت أقطن بالدار البيضاء أم الرباط، لكن الجميل تضيف الإدريسي، أن ملكنا متتبع لكل صغيرة وكبيرة ،ويتحدث معك عن حياتك عن دراية، وهو ما يترك في النفس الأثر الطيب، لكن الأجمل، أنه حقا إنسان متواضع جدا، إنساني وحنون ،تلمس ذلك من خلال الحوار معه، إذ يسألك عن أشياء من النادر أن يسأل عنها الآخرون، لن أنسى ما قدمه لي حفظه الله، حين أصبت بالمرض ودخلت المستشفى العسكري من أجل العلاج، لأفاجأ بمبعوث من جلالته، يزورني بالمستشفى، كما جاء عندي المدير العام للمستشفى العسكري الجنرال عرشان، وأبلغني أن سيدنا يطمئن عن صحتي ،وأضاف قائلا، لقد أوصانا للاهتمام بصحتك أكثر “ وماتهزي الهم لأي حاجة “ فجلالة الملك هو من يتكلف بمصاريف علاجك، إنها مواقف لاتنسى أبدا، ولاتقاس بأموال الدنيا كلها وكنوزها، وهذه الأشياء لايعرف قيمتها إلا من مروا بتجربة المرض، حيث يكون الإنسان في حالة ضعف، وهذه كما يقول المغاربة، من شيم أولاد الناس، وبالتالي لن أنسى كل من وقف إلى جانبي من طنجة إلى الكويرة ومن خارج أرض الوطن، وحينما ألتقي بهؤلاء لحد الآن، استحضر هذه المواقف الإنسانية.


الكاتب : من اعداد: جلال كندالي

  

بتاريخ : 23/03/2023